تلاعب المجلس وتأخير متعمّد في انتخاب رئيس لبنان
في ظل توازن سلبي بين فرقاء السياسة، يدخل لبنان الاسبوع الخامس على الفراغ الرئاسي من دون أن ينجح نوابه لغاية الآن في حسم الخيارات الرئاسية.
وإذا كان المجلس النيابي دُعي إلى جلسة انتخابية جديدة يوم الخميس فإن بعض النواب بدأوا يعبّرون بوضوح عن امتعاضهم من تكرار المشهد الممل في كل جلسة من حيث تعداد الاصوات في الدورة الاولى وانسحاب نواب الثنائي الشيعي و”تيار المردة” في الدورة الثانية، وقد يلجأ بعضهم إلى الامتناع عن الحضور أو إلى دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى اراحة البلد من هذه “المسرحية” في فترة الاعياد على أن تُستأنف الجلسات مطلع عام 2023.
وككل أحد، أطلق البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي موقفاً لافتاً من الانتخابات الرئاسية ولكن هذه المرة من الفاتيكان حيث يتوقع أن يجري مشاورات حول الاستحقاق تتركّز على رفض أي مبادرة دولية على حساب لبنان وعلى حساب وصول رئيس إنقاذي. وقد تطرّق الراعي إلى مسألة نصاب الجلسة الذي يصرّ الرئيس بري على أن يكون 86 نائباً بدلاً من 65 فقال في رسائل غير مباشرة إلى الرئيس بري: “بقطع النظر عن العرف القائل بوجوب نصاب ثلثي أعضاء مجلس النواب في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، يجب ألا ننسى المبدأ القانوني القائل: “إن لا عُرفَ مضاداً للدستور”. الدستور بمادته 49 يتحدث عن انتخاب الرئيس بثلثي الأصوات في الدورة الأولى، وفي الدورة التالية وما يليها بالأغلبية المطلقة (نصف زائداً واحداً). فلماذا إقفال الدورة الأولى بعد كل اقتراع وتعطيل النصاب في الدورة التالية خلافاً للمادة 55 من النظام الداخلي للمجلس؟”.
وأضاف “لا يستطيع المجلس النيابي مواصلة التلاعب والتأخير المتعمد في انتخاب “رئيس للدولة يؤمن استمرارية الكيان والمحافظة على النظام”. فما هو المقصود؟ أعكس ذلك؟ أعدم فصل السلطات؟ أمحو الدور الفاعل المسيحي عامة والماروني خاصة؟”.
كما سأل “لماذا رئيس مجلس النواب ينتخب بجلسة واحدة وحال موعدها؟ ولماذا يتم تكليف رئيس الحكومة فور نهاية الاستشارات الملزمة؟ أهما أهم من رئيس الدولة؟ اكشفوا عن نواياكم يا معطلي جلسات انتخاب رئيس للدولة”.
وأضاف الراعي: “اذهبوا وانتخبوا رئيساً قادراً بعد انتخابه أن يجمع اللبنانيين حوله وحول مشروع الدولة، ويلتزم الدستور والشرعية والقوانين اللبنانية والمقررات الدولية، ويمنع أن يتطاول عليها أي طرف وأن يحول دون تنفيذها وتعطيلها، أو أن يتنكر لدور لبنان ورسالته في المنطقة والعالم. لا تنتخبوا رئيساً لهذا الحزب أو التيار أو المذهب. ولا تنتخبوا رئيساً لربع حل أو نصف حل، بل لحل تدريجي كامل. فرئيس لبنان يكون لكل لبنان أو لا يكون، مثلما يكون لبنان لكل اللبنانيين أو لا يكون. يبقى أن يكون كل اللبنانيين للبنان بولائهم الوطني وخضوعهم لدستور الدولة. لبنان لا يستطيع انتظار حلول الآخرين لينتخب رئيسه، خصوصاً أن ما يحصل في الـمنطقة لا يَعِد حتماً بإيجاد حلول للمشاكل القائمة، بل يبقى الخطر قائماً بنشوء حروب جديدة من شأنها أن تعقّد الحل اللبناني. وحتى الآن نسمع باتصالات ومبادرات من هذه الدولة أو تلك ولا نرى نتائج”، موضحاً “أن المحطات التاريخية في لبنان أتت نتيجة مبادرات لبنانية ولو كانت دول صديقة ساعدتنا على تحقيقها. فإنشاء دولة لبنان الكبير والاستقلال جاءا نتيجة جهد لبناني أثّر على الخارج وليس العكس. فما بالنا نعطل انتخاب رئيس للجمهورية. ولماذا يدعي البعض أن انتخاب الرئيس ممكن بعد رأس السنة. فما الذي يمنع انتخابه اليوم؟ فهل سيتغيّر العالم سنة 2023؟”.
بدوره، فإن متروبوليت بيروت توابعها للروم الاورثوذكس المطران الياس عودة أعرب عن احتجاجه على “المسرحية الهزلية التي تتوالى فصولها أسبوعياً، ولا تبدو لها نهاية”، كما قال “لأن أبطالها يتجاهلون قواعد النظام الديمقراطي، أو يريدونه معلّقاً كما جعلوا الدستور مغيّباً”.
وسأل “أهي قلة مسؤولية أم قلة وطنية؟ وأي وفاق أو اتفاق يدعون إليه وأي توافق يدعونه وهو تكاذب، وأية ديمقراطية يتغنون بها وهم لا يستطيعون انتخاب رئيس إلا بعد مخاض عسير ووقت ضائع وتراجع وانحلال وانهيار؟ ألا يعرفون أن عليهم أن يعقدوا جلسة مفتوحة تتوالى فيها الدورات الانتخابية ويتنافس المرشحون بوضوح فيختار النواب من يشاؤون والرابح يكون رئيس البلاد؟”.
ورأى “أن بدعة التعطيل هي جريمة بحق الوطن وبحق الناخب الذي أوصل النائب للقيام بواجبه، فلا سلطة استنسابية للنائب من أجل القيام بواجبه الدستوري وإلا فهو يخون ثقة الشعب ويضرب مصلحته. حالة البلد مأساوية والنواب يتلهون ويقاطعون ويعطلون النصاب ويمنعون انتخاب رئيس”، مضيفاً “بعضهم لا يخجل من الاعتراف أن للخارج كلمته في هذا الأمر الوطني الذي يخص الداخل”.
وختم “هل تنقصنا القدرة والكفاءة لندير أمورنا بأنفسنا ونقطع الطريق على أي تدخل، أم أن التدخلات الخارجية تناسب المصالح؟”.
في المقابل، اعتبر عضو المجلس المركزي في حزب الله الشيخ نبيل قاووق خلال حفل تأبيني في حضور رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد “أن البلد في حال انهيار والمطلوب انتخاب رئيس للجمهورية تكون أولويته إنقاذ البلد من الأسوأ ومن الانهيار الشامل”.
وقال “نريد رئيساً للجمهورية ينقذ لبنان من أزماته ولا يغرقه أكثر فأكثر”، لافتاً إلى “أن الفريق الذي يحمل شعار التحدي والمواجهة يدخل في مواجهة مع أكثر من نصف الشعب اللبناني. هم يريدون رئيساً يتحدى المقاومة ويواجه المقاومة وليس أعداء لبنان وأزماته. ونحن في لبنان نمتلك معادلات داخلية حساسة وهناك إنجازات صنعت بدماء الشهداء ومعادلات وطنية لا تسمح لوصول من يراهن عليه العدو، إنما نريد رئيساً يخفف من معاناة اللبنانيين وتكون أولويته إعادة الثقة بين اللبنانيين وليس استعادة الثقة مع خصوم وأعداء لبنان. وأصحاب منطق التحدي والمواجهة أعلنوا عن شعارات أكبر من أحجامهم تجاوزوا فيها مرحلة طعن المقاومة في الظهر ليعلنوا أنهم يريدون مواجهة المقاومة وجهاً لوجه وهم بذلك يريدون أخذ البلد إلى الفتنة”.
وأضاف: “حزب الله وحلفاؤه يقاربون الاستحقاق الرئاسي بإيجابية وبروحية التوافق ويطرحون التفاهم والحوار لإنقاذ البلد برئيس يؤتمن على البلد وعلى الوحدة الوطنية. جرّبوا في المجلس النيابي سبع مرات أن ينتخبوا رئيس مواجهة وتحد وفشلوا وقد آن الأوان أن يقتنعوا بأنهم غير قادرين على انتخاب رئيس مواجهة لأن هذا المنطق وصل إلى طريق مسدود فكفى عناداً، وعليهم أن يتقبلوا حقيقة أن البلد يحتاج إلى حوار وتوافق وطني وهو الطريق الأضمن لانتخاب رئيس للجمهورية”.