“مؤتمر اللاجئين” برعاية روسية في دمشق “بمن حضر” ولا حلول قريبة
علوش: موقع المؤتمر سيكون أحد أسباب فشله. الساحلي: الدول الغربيّة لا تريد عودة اللاجئين
شكّلت قضية اللاجئين السوريين منذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2011 مأساةً إنسانية لم تقتصر تداعياتها عليهم فحسب، بل على المجتمعات المضيفة أيضاً، وهي أضحت ممراً إلزامياً لأي خريطة طريق لحل الوضع السوري
ورغم كثرة الكلام طيلة 9 سنوات عن هذه القضية، إلا أنها لم تشهد حتى الساعة أي مقاربة جدّية وعمليّة بل أَضحت ورقة في الصراع الدائر.
اليوم تعود قضية اللاجئين إلى الواجهة مع انعقاد مؤتمر تحت رعاية موسكو في العاصمة دمشق في 11 و12 تشرين الثاني 2020. مؤتمر حمل أكثر من علامة إستفهام من حيث الزمان والمكان.
فبعدما كانت روسيا دعت إليه للمرة الأولى في 5 أيلول 2018 وسبق ذلك مباحثات بشأن الملف بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين خلال قمة هلسنكي في 21 تموز 2018، وبعدما فشلت كل مساعيها عادت وأعلنت في 23 من تشرين الأول الماضي عن تاريخ إنعقاده وعلى الأراضي السورية خلال أقل من ثلاثة أسابيع.
وبينما كان وزير الشؤون الإجتماعية اللبناني رمزي مشرفية يعبر نقطة المصنع عصر الثلاثاء متوجّهاً إلى دمشق للمشاركة باسم لبنان الذي رفع مستوى تمثيله من سفير لبنان في سوري الى الوزير المعني بالملف، كان وزير خارجية الإتحاد الأوروبي جوزيب بوريل يعلن أن الإتحاد والدول الأعضاء فيه لن يشاركوا، معتبراً أن “المؤتمر سابق لأوانه والشروط الحالية في سوريا لا تشجّع على الترويج لعودة طوعية على نطاق واسع ضمن ظروف أمنية وكرامة تتماشى مع القانون الدولي”. فأصبح المؤتمر “بمن حضر” وسط مقاطعة دولية واسعة كانت دعت اليها الولايات المتحدة في إجتماع لمجلس الأمن الدولي في 27 من تشرين الأول الماضي جرى عبر الإنترنت على ضوء قانون “قيصر” الذي تطبقه أميركا وينص على فرض عقوبات على النظام السوري وكل من يدعمه.
انعقاد المؤتمر في دمشق بديهي أو سبب لفشله؟
القيادي في “تيار المستقبل” النائب السابق الدكتور مصطفى علوش اعتبر في تصريح لـ “أحوال” أنّ “موقع المؤتمر سيكون أحد أسباب فشله، فمعظم الدول المانحة والقادرة أن تـؤمّن دعماً جدياً لعودة النازحين، رفضت المشاركة في المؤتمر المنعقد في دمشق بسبب مقاطعتها لنظام الأسد”.
فيما رأى مسؤول ملف النازحين في “حزب الله” النائب السابق نوار الساحلي عبر “أحوال” أن “من البديهي انعقاد مؤتمر يتعلق بسوريا وبالنازحين السوريين على أراضيها وهذا أمر أكثر من طبيعي. من يعترض على هذا الموضوع هم أصلاً من ساهموا بضرب سوريا ودعم المسلحين والإرهابيين على أراضيها”.
تابع الساحلي: “من وجّه الدعوة الى المؤتمر هو الدولة الروسية وهي إرتأت أن يعقد داخل سوريا لأن المعني الأول بهذا الأمر هو الدولة السورية وهي تسيطر اليوم على أكثر من 80% من أراضيها وتدعو جميع النازحين إلى العودة إلى بلادهم”.
أما عما يحكي عن الإسراع الروسي بعقد المؤتمر خلال أقل من ثلاثة أسابيع وفي الفترة الإنتقالية التي تشهدها الولايات المتحدة بعد الإنتخابات الرئاسية، فإعتبر علوش أن الإسراع بعقده غير مهم لأن لا نتائج مرتقبة. فيما رفض الساحلي الدخول في وضع فرضيات مشدداً على أن الروس هم المخولون الإجابة عن ذلك.
انعكاسات تأمين التمويل على العودة
لا ينكر الساحلي الانعكاس السلبي لعدم مشاركة دول مانحة عدة خصوصاً على صعيد تأمين الأموال اللازمة لعودتهم ولإعادة الاعمار، وإذ يؤكد أنّ الغطاء المالي مهم بلا شك لكنه يعتبر أنه ربما يتم الأمر في مرحلة لاحقة مشدداً على أن “مجرد إنعقاد المؤتمر بغطاء روسي – وإن بمن حضر – لبحث ملف النزوح أمر جيد”.
يضيف: “صحيح أنّ العودة بحاجة الى رأسمال كبير ولكنّ مقاطعة الدول الأوروبية والولايات المتحدة وقسماً كبيراً من دول الخليج تؤكد ما كنا ننادي بها – وما زلنا – أن أكثرية هذه الدول والمفوضية السامية للاجئين لا تريد عودة النازحين بل تريد إبقاءهم لغايات سياسية لأنها على خلاف مع الدولة السورية علما أن بعض هذه الدول بدأ يتصل بالحكومة السورية من تحت الطاولة. لذا عدم دعم هذا المؤتمر وعدم تأمين الغطاء المالي له يؤكّدان نظرية أنّ هذه الدول لا تريد عودة النازحين لغاية في نفس يعقوب”.
من جهته، يعتبر علوش أنّ “الهم الأساسي هو جمع التبرعات خصوصاً أن عودة النازحين تحتاج لتأمين بنى تحتية بعشرات مليارات الدولارات وبالتأكيد النظام لا يملكها وان حصل عليها سيستعملها ربما لغير إعادة النازحين”، مضيفاً: “لا أظن أن هذا المؤتمر يستطيع أن يساهم بعودتهم إلا على المستوى النظري. هناك صعوبة هائلة بأن يستطيع هذا المؤتمر تحقيق أي شيء في ظل حجم المقاطعة له”.
رفع مستوى التمثيل اللبناني قرار صائب؟
أكد الساحلي أنّ لبنان إتخذ قراراً صائباً بالمشاركة على مستوى وزير لا الإكتفاء بأن يتمثّل بسفير، مستطرداً: “إنّنا أكثر بلد في العالم يتحمل أعباء اللجوء، إذ إن عدد اللاجئين يوازي ثلث السكان لدينا. وجود الأخوة السوريين الذين نحترمهم ونجلهم يشكلون بالنتيجة عبئاً إقتصادياً علينا وعلى بنانا التحتية”.
كما شددّ على أن لا رسائل سياسية مرتبطة بالعقوبات الاميركية الأخيرة خلف رفع مستوى التمثيل، مضيفاً: “الوزير مشرفية من خط سياسي معين وعلى رأس وزارة مكلفة بشؤون النازحين، وبما أن في هذا الموضوع حساسية سياسية داخلية لذا إختيار مشرفية في مكانه”.
فيما قال علوش: “لا أظن أن القيادة السياسية في لبنان تملك من الذكاء ما يكفي لتعرف مصلحتها ومصلحة البلد، مستوى التمثيل في المؤتمر لا يقدم ولا يؤخر وفي النهاية المشاركة هامشية وغير ذي معنى أياً يكن مستوى التمثيل لسبب أساسي أن لبنان غير قادر على إجبار الحكومة السورية على عودتهم ولا أن يؤمّن دعماً مادياَ لهذه العودة. لذا تبقى فقط العراضة السياسية”.
عما يحكى عن أن الغاية من عقد المؤتمر في دمشق هي تعويم الرئيس بشار الأسد، علّق الساحلي: “هناك أمر واقع على العالم كله أن يتقبله وهو أن محاولات تغيير النظام في سوريا وإسقاط الدولة منذ العام 2011 فشلت. الحكومة السورية تسيطر على 80% من الاراضي، سوريا إنتصرت على الارهاب وأحلام البعض بالقضاء عليها لم تتحقق”.
فيما أعلن علوش أنه لا يعلم ما هي الغاية لعقد هذا المؤتمر من قبل روسيا في دمشق، أشار الى أنه “لو أراد بشار الأسد إعادة النازحين لكان فتح الحدود. الاسد يريد أموالاً وربما يصرف جزءاً منه على اللاجيين ولك الجزء الأكبر سيصرفه على النظام ولا أظن ان اياً من الدول المانحة سيساهم باعادة إحياء النظام فهو غير قابل للحياة”.
بينما أكد الساحلي أنّه “لا يمكن أن يتمّ فتح الحدود من دون تنسيق مع الدولة الثانية، وسوريا أعلنت عن إستعدادها للتنسيق مع الدول التي ترغب. نحن نعمل مع الأمن العام على عودة النازحين وقد أرسلنا عدداً مقبولاً نوعاً ما رغم أنه قليل نسبة لأعداد النازحين. هذا أفضل من لا شيء لكنه غير كاف. السوريون تعاونوا معنا لكنهم طلبوا ان يكون التنسيق على مستوى حكومي وليس فقط على مستوى جهاز امني”.
الى أن يتبلور الحل في سوريا، سيبقى ملف اللاجئين جرحاً إنسانياً نازفاً وعبءاً إضافياً على جبل الاعباء الذي يرزح تحته المجتمع اللبناني المضيف.
جورج العاقوري