الحكومة تحتوي الانهيار والانفجار بإجراءات مؤقتة بانتظار التسوية
شروط "صندوق النقد" وصفة لتسريع الانهيار والسطو السياسي!
لا يختلف المشهد الاقتصادي عن المشهد السياسي، فكلاهما غامض ومجهول وخطير، لكن حجم المشاكل والانهيارات التي يعاني منها الاقتصاد اللبناني يصعب إيجاد الحلول بظل تضارب وجهات النظر حولها الى حد التخبط، بين الحكومة والمجلس النيابي وقطاع المصارف ومصرف لبنان والهيئات الاقتصادية والمودعين.
فأين مدخل الحلول؟ هل يكون بالإصلاحات والاتفاق مع صندوق النقد الدولي؟ وهل تكفي مليارات الصندوق الثلاث على مدى 4 سنوات لانتشال لبنان من نفق الأزمة؟ وماذا عن الشروط الاقتصادية والسياسية التي سيفرضها الصندوق على لبنان؟ وهل تكون وصفات الصندوق دائماً لمصلحة الدول؟.
الحكومة تعمل على احتواء تداعيات الأزمة وتأجيل الانفجار الاجتماعي بـ”مورفين” بعض الإجراءات المالية والاقتصادية تمهيداً لحسم الاستحقاقات الداهمة وتسوية سياسية تبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة وتوقيع اتفاق ترسيم الحدود تفتح الباب أمام مرحلة جديدة في البلاد.
تحاول الحكومة إقرار بعض القوانين الإصلاحية التي يطلبها صندوق النقد، لكنها تصطدم بالواقع الاقتصادي الداخلي، وهذه الإصلاحات تأتي على حساب المواطنين وتزيد الأزمة وتسرع وتيرة الانهيار، وإن أقرت الحكومة رفع رواتب الموظفين. لكن قانون السرية المصرفية الذي أقره المجلس النيابي تعثر، وكذلك الموازنة هربت، فيما قانون الكابيتال كونترول وإصلاح القطاع المصرفي وخطة التعافي المالي أمور لم تحسم حتى الآن.
فلجأت الحكومة الى إجراءات مالية لرفد خزينتها بأموال إضافية، مثل رفع الدولار الجمركي الى 15 ألف ليرة والدولار الرسمي الى 15 ألف أيضاً.
وإذ تُحذر جهات اقتصادية رسمية عبر “أحوال” من تداعيات هذه الإجراءات كونها ستزيد الأعباء الاجتماعية على المواطنين وترهقهم بأسعار السلع التي بدأت بالارتفاع قبل دخول إجراءات الحكومة حيز التنفيذ، طمأن رئيس حكومة تصرف الأعمال نجيب ميقاتي، إلى أن “لبنان سيطبق سعر صرف رسمي جديداً يبلغ 15 ألف ليرة للدولار تدريجياً مع استثناءات أولية لتشمل رساميل (أصول) البنوك وسداد قروض الإسكان والقروض الشخصية التي ستستمر على السعر الرسمي القديم”.
عضو كتلة اللقاء الديموقراطي النائب فيصل الصايغ يرى في حديث لـ”أحوال” بأن “توحيد سعر الصرف الدولار الجمركي كان مطلباً لصندوق النقد منذ بداية الأزمة لكن طلب مؤخراً رفعه تدريجياً الى 20 ألف ليرة ثم على سعر المنصة، ثم توحيده مع السوق السوداء بعد توقيع الاتفاق بين الحكومة والصندوق وبدء التمويل الاستثمارات”.
ويشير الصايغ الى أن المجلس النيابي سيقوم بواجبه بمناقشة وإقرار كافة القوانين الإصلاحية التي ترسلها الحكومة، ولذلك كان إقرار الموازنة ضرورياً لصندوق النقد الدولي لكن في الجوهر لم تتضمن أي رؤية إصلاحية ومحاسبية ولا أرقام دقيقة ولا تخدم خطة التعافي. ويكشف: “وصلنا الى آخر الجلسة ولم نحمس الأرقام وجاءت إضافات باللحظات الأخيرة، والمهم أن نعطي قيمة فعلية للرواتب والأجور، والاختيار كان بين السيئ والأسوأ، وكان يجب درس الموازنة بشكل أكثر وربطها بالنمو وخطة التعافي، لكن كانت أساساً لموازنة الـ2023 ويمكن أن ترتفع الإيرادات مئة ألف مليار ليرة”.
كما يكشف الصايغ أن قانون “الكابيتال كونترول” سيحال كقانون لوحده الى المجلس، ويرى بأن الكهرباء أزمة كبيرة وهو باب إصلاحي ضروري، والبنك الدولي يطرح تمويل خط الغاز العربي لكن الأمور متوقفة على شرطين: زيادة التعرفة وتعيين الهيئة الناظمة، لكن الأمر أبعد من ذلك، بل تحتاج أزمة الكهرباء الى اصلاح متكامل، بظل عجز بلغ 40 مليار دولار، لذلك العقدة ليست بعقوبات قيصر بل بالتمويل والإصلاح”.
ويضيف: ملزمون باتفاق مع صندوق النقد لكن يطرح الشروط التالية:
*تصفير الديون وهذا لا ينطبق على الخصوصية اللبنانية.
*الاعتراف بالخسائر وشطب ديون مصرف لبنان والبدء من جديد، ما يتعذر عودة نهوض الاقتصاد بعد شطب أموال المودعين.
*عدم استخدام موارد الدولة.
مقابل إصرار المصارف والهيئات الاقتصادية على استثمار أصول وموارد الدولي التي ليست مفلسة.
لكن جهات اقتصادية تتخوف من شروط ووصفات صندوق النقد الدولي التي عادة ما تؤدي الى مزيد من الإفلاس والانهيار تمهيداً لوضع القبضة الدولية على البلد، وهذا ما حصل في أكثر من دولة في البرازيل والأرجنتين، خاصة أن الخصخصة وصفة للسطو على أملاك الدولة ومرافقها، وبيع أصول الدولة وإعادة هيكلة القطاع العام وصرف آلاف الموظفين. كما أن شروط الصندوق ستسهل السيطرة الخارجية على القرار اللبناني السياسي لا سيما في القضايا الكبرى والمصيرية.
وفي سياق ذلك، يلفت النائب الصايغ وهو عضو لجنة المال والموازنة، أن “مضاعفة الرواتب ثلاث مرات هو الحد الممكن، وكل مصاريف الدولة مليار دولار، مقابل تحويلات من الخارج حوالي 7 مليار سنوياً، لكن هذه الزودات لا تكفي بالأساس، في وقت كانت الرواتب تشكل ثلث الموازنة في العام 2016، وثلث فوائد الدين وثلث باقي الانفاق، وكان تضخم حجم القطاع العام 24 بالمئة، مقابل 12 في المئة في فرنسا واليابان 6 في المئة، لذلك يجب ربط الرواتب بإصلاح القطاع العام، وإعادة هيكلة القطاع، لكن مضطرون بسبب اضراب القطاع العام والمؤسسات أن نقر الزودات”.
ويتوقع الصايغ أن ترتفع نسبة العجز في الموازنة لأكثر من 10 آلاف مليار ليرة، كون قيمة الرواتب 6 آلاف مليار، وميقاتي يقول إن صندوق النقد سيمولها ولكن لا يمكن الاستدانة مجدداً كما لا يوجد نمو ولا اتفاق حالي مع صندوق النقد، ما يعني التوجه الى طباعة العملة وبالتالي ارتفاع سعر الصرف، ويدعو الصايغ الى ضبط الانفاق لكي لا يرتفع العجز أكثر، ويحذر من أن القطاع الخاص الذي لم يأخذ الزودة سيتحمل التضخم”.
كما يلفت الصايغ الانتباه الى أن عائدات رفع الدولار الجمركي قد لا تكون صحيحة، لكون كل التجار خزنوا البضاعة منذ أربعة شهور ما سيخفض عائدات الجمرك، فالواردات ليست بالشكل الذي توقعته الموازنة، والنفقات ستزيد مع فتح اعتمادات جديدة.
محمد حمية