أمّهات قتلن أطفالهن: علم النفس يقارع القانون!
لم تكن فاجعة قتل أم لولديها في بغداد والتي استفاق عليها العراقيون مطلع هذا الأسبوع هي الأولى من نوعها، وحتمًا لن تكون الأخيرة، فقد زخر التاريخ في العالم العربي والعالم أجمع بأحداث مماثلة وان اختلفت عدّةُ القتل.
في هذا الإطار، جاءت جريمة بغداد، حيث صُعق العراقيون بخبر رمي سيّدة لطفليها من أعلى جسر الأئمة فوق نهر دجلة في العاصمة العراقية دون أن يرفّ لها جفنٌ، ورجّحت المعلومات الأوّلية سبب الجريمة إلى خلافات الأم مع طليقها، الذي كسب منها حق الحضانة.
وبعد أقل من 24 ساعة، أي في التاسع عشر من الشهر الجاري، استيقظ سكان فيينا على خبر جريمة بشعة، بعدما قتلت امرأة نمساوية بناتها الثلاثة الصغيرات وتراوح أعمارهن بين 9 و3 سنوات و8 أشهر، لأسباب لا زالت مجهولة.
سبق هذين الخبرين المأساويين، خبرٌ مفاده أنّه وفي 30 نيسان شهدت أوكرانيا جريمة نكراء حيث كانت امرأة تسير عارية في إحدى شوارع خاركوف وهي تحمل رأس ابنتها المقطوع في كيس بلاستيكي، ليتبيّن لاحقًا أنّها هي من ذبحت ابنتها وقطعت رأسها.
ومنذ يومين صدر حكم المحكمة التي قرّرت إدخال المرأة قسرًا إلى مؤسسة للأمراض النفسية بنظام صارم.
هذه الجرائم ليست بمُستجدّة، فقد سجَّل التاريخ أقبح الجرائم الأسروية لسنوات خَلَت، وإلى العام 1983 وهذه المرّة في أميركا، حيث تلقّت الشرطة بلاغاً من امرأة أميركية تُدعى ديان دونز، يفيد بأن شخصاً غريباً حاول قتلها، كما أطلق النار على أطفالها الثلاثة أثناء قيادتها السيارة.
إلّا أنّ رواية المرأة المتفاوتة التفاصيل أوقعت بها بحيث شكَّت الشرطة في أمرها، لتنتهي التحقيقات عندما استفاقت الابنة الكبرى بعد أسبوعين من غيبوبتها، وكشفت أنّ أمّها هي التي أطلقت النار عليهم. وتبيّن لاحقًا أنّ السبب وراء جريمة القتل رغبة في التخلص من أطفالها، ليخلو لها الجو مع عشيقها.
وإلى لبنان؛ فقد تلقّت فصيلة عرمون في وحدة الدرك بلاغًا في نيسان 2018 عن جريمة قتل في خلدة – لبنان، وبعد مداهمة العناصر لمسرح الجريمة وجدوا جثمان الفتاة المقتولة في تختها والى جانبها والدتها.
وبالتحقيق مع والدة الضحية، اعترفت الأم أنها أقدمت على قتل ابنتها بذريعة ما أسمته “جريمة الشرف” ، حيث قامت بخنقها بيديها وصعقها بالتيار الكهربائي ومن ثم وضعت وسادة على وجهها.
القصص كثيرة وتكاد لا تُحصى، تختلف الأساليب والدوافع إلّا أنّ الفعل واحد: جريمةٌ، والفاعل واحدٌ: أمٌّ. ورغم أن الفعل والفاعل واضحان ولا لبس فيهما إلّا أنّ لعلم النفس نسخة معدّلة في هذا الشأن إذ يرى أنّ الأم القاتلة لأطفالها هي في أغلب الظن مريض بحاجة إلى علاج قبل أي شيء آخر ولكن هذا المنطق لا مكان له في القانون اللّبناني.
يُذكر أنّ المادة 549 من القانون اللّبناني تنص على الإعدام كعقاب لمن ارتكب القتل عمدًا، علمًا أنّ عقوبة الاعدام هي غير منفذة في لبنان رغم أنّها غير ملغاة من قانون العقوبات.
ويؤكد مصدر قانوني لـ “أحوال” أنّ أغلب الجرائم التي حصلت في لبنان من قبل الأم أو الأب كانت تليها الانتحار الفوري، مضيفًا “إن حصلت الجريمة وظلّ الفاعل على قيد الحياة فالقانون اللّبناني يحكم عليه بعقوبة الإعدام ولكنّها لا تنفذ.
وإذ يرى المصدر أنّ الإعدام هي عقوبة ردعية يجب تنفيذها، يعتبر أنّ الحديث عن المرض النفسي كدافع للجريمة هو كلام مرفوض “الدفاع عن شخص قتل بإرادة واعية، وإدراك لفعله هي فكرة مرفوضة تمامًا فكيف اذا كان القتيل خرج من صلب القاتل، وهو جزء من كيانه؟ “.
وعن تلطّي بعض الأهل عن جرائهم بمظلّة “الشرف” يرى المصدر أنّ لا شيء يبرّر القتل و “جريمة الشرف هي تستّر من القضاء والأنظمة على المجرم”، مشيرًا إلى أنّ ليس هناك ما يُسمى “جريمة شرف” في لبنان وهذه نقطة ايجابية للقضاء اللّبناني”.
قد يكون خبر قتل أم لطفلها من أكثر الأخبار التي تصعق متلقيها، ويرى كثيرون أنّ اسقاط أقصى العقوبات بالمجرمة هو من البديهيات، وتكثر حول هذه الجريمة التأويلات والاجتهادات، فالمشهد المألوف أن تقترف الأم فعل القتل دفاعًا عن أطفالها أمّا أن ترتكب القتل بحقّ أطفالها فهذا ما يفتح الباب أمام فائض من النقاشات. ولعلم النفس موقف أكثر رحمة من القانون، حتى يكان يكون اخصّائي علم النفس شفيع الأم المجرمة.
وتقول أخصائية علم النفس يمنى نافعة عن جريمة الأم بحق أطفالها “أي تصرّف يبدو أن يكون مدمّرًا وخارج عن السيطرة برأيي هو مربوط بشكل مباشر لمرض نفسي معيّن، بحالة “الأم” سواء كانت الحالة ناتجة عن الولادة أو عن حدثٍ مأساويّ أو حتى بعد اكتئاب الولادة الجريمة الحاصلة في الواقع قد لا تكون نفسها في عقل هذه المرأة”.
وتضيف: ربّما هي كانت تحرق نفسها في السيناريو الداخلي ولا تقتل أطفالها. علينا أن نتطلّع إلى الصحة النفسية لديها، أن نرى كيف تعالج المواضيع البسيطة، كيف تدرك الأمور قبل أن نحكم عليها بأنّها قاتلة”.
وإذ ترى في الأم العراقية التي رمت طفليها في النهر “ربما ارتأت أنّها تقوم بفعل جيّد لأطفالها ولربّما سمعت صوت يوجّهها على هذا الفعل”، تضيف مستدركةً “ولكن لأكون منصفة أي كانت الحالة النفسية هذه الحالة لا تبرّر الجريمة.”
يتقارع القانون مع علم النفس، بحيث تخفّف النظرة النفسية من وطأة الجريمة بارجاع نيّة القاتل لعدم الإدراك لفعله. ولكنّ هذا لا يغيّر الفعل الحاصل: جثمان طفلٍ يُدفن دون ذنب.
ربى حداد