“دولرة” الإقتصاد في لبنان.. بين الواقع والتداعيات
بات الدولار أمراً واقعاً في تعاملات المواطن اليومية، فمعظم الأسعار أصبحت محددة “بالأخضر”، والأمر لم يعد يقتصر على المازوت الذي حددته الدولة رسمياً بالعملة الصعبة، بل تسلل ليطال مختلف القطاعات من مطاعم وفنادق، ومحلات الألبسة والمستشفيات وأقساط المدارس، والجامعات واشتراكات المولدات وغيرها، فهل يتسع نطاق “الدولرة” في لبنان حتى يستغني تدريجياً عن عملته المنهارة؟
الخوري: تسعير عائم للخدمات الحكومية
الخبير الاستراتيجي البرفسور بيار الخوري يقول في حديث لـ “أحوال ميديا”: “منذ بداية الأزمة عام ٢٠١٩ بدأ مسار انفكاك أسعار السلع والخدمات المستندة أو المسعرة بعملة أجنبية، بالانفكاك التدريجي عن سعر صرف الدولار الأميركي الرسمي تجاه الليرة اللبنانية، ووصل ذلك إلى الفصل ضمن ربطة الخبز بين مكونات الطحين المدعوم مثلاً وبين النايلون والبلاستيك في غلاف الربطة”.
ويضيف الخوري: “تأخرت الخدمات الحكومية عامة عن الاندراج في هذا المسار لأسباب سياسية، والخوف من ردات فعل عنيفة نتيجة لذلك، لقد شكلت خطة التعافي المالي الأساس لتحويل سعر الخدمات الحكومية إلى سعر الصرف العائم أو سعر منصة صيرفة ضمن اتجاه متوسط المدى لتوحيد أسعار الصرف. بمعنى آخر سنكون قريباً وبغض النظر عن مستوى الدخل أمام تسعير عائم للخدمات الحكومية”.
ويلفت الخوري إلى أنّه قد يكون تعويم سعر الصرف مدخلاً لإلغاء فروقات أسعار الصرف، ولكن ليس بالضرورة للقضاء على ظاهرة دولرة الأسعار للمستهلك. فتلك تحتاج إلى استقرار سعر الصرف لا فقط تعويم وهذا مرتبط بسياسات الإصلاح أكثر من ارتباطه بالإجراءات السعرية”.
ويشير إلى أنّه سوف تتعاظم ظاهرة الدولرة طالما أن عملة المحاسبة غير المعلنة هي الدولار الأميركي، رغم أن القانون اللبناني يمنع التسعير بغير العملة المحلية، حيث التزمت محلات البيع بذلك حتى فترة وجيزة، ولكن الآن نرى بشكل واسع التسعير المباشر بالدولار او التسعير بالكود وهو في الواقع تسعير بالدولار إنما غير مباشر.
سعد: لبنان قد يتحول الى الدولرة الشاملة
أما المحلل الاقتصادي د. طالب سعد فيرى في حديث لـ “أحوال ميديا أنّ لبنان يعتمد بتداولاته ومدخراته على الدولار الاميركي بشكل كبير ، فعندما نقول أن لبنان قد يتحول الى الدولرة الشاملة فهذا حتماً يشمل كل العمليات التجارية والمالية بين الافراد والمؤسسات والشركات، وذلك لعدم ثقة المواطن اللبناني بالليرة الوطنية وتآكل قيمتها أمام الدولار الأميركي.
بنتيجة ذلك، يرتفع الاعتماد على الدولار في السوق بحكم الأمر الواقع، وفي ظل عجز كبير في ميزان المدفوعات وعدم دخول عملات اجنبية، توازن وتغذي حاجات السوق من العملة الاجنبية المطلوبة محليا، لا سيما في بلد نسبة وارداته بحدود ٨٠ % من حاجاته، الأمر الذي سيؤدي الى نتائج أكثر تعقيدا على المجتمع والاقتصاد في المديين المتوسط البعيد.
وبالرغم من اعتبار البعض أن نظام الدولرة الشاملة هو امر لا بد منه كخيار متاح، لاسيما في ظل حالة انهيار الليرة المتصاعد وذلك لمحاولة التخفيف من التضخم والتدهور، فهو يحذر من التداعيات السلبية الناجمة عن الدولرة والمتمثلة في عدم قدرة البنوك المركزية على التحكم في السياسة النقدية للدولة، وإمكانية إجراء تعديلات على المعروض النقدي، وحاجات السوق من العملة مما يؤدي إلى ضعف النمو الاقتصادي.
الدولة رهينة للعملة الأجنبية
بمعنى آخر، سيصبح البنك المركزي عاجزاً امام اتخاذ قرارات تجعله قادراً على التحكم بالسياسة النقدية وحاجات السوق، حيث تبقى الدولة رهينة للعملة الأجنبية بتحسنها أو تعثرها في الخارج. قد يبدو هذا الأمر جيداً أمام سؤ إدارة وقرارت السياسية النقدية لكن من الأفضل معالجة الموضوع من حيث مسبباته وليس نتائجه.
وبحسب سعد تعتبر اعادة بناء النظام الاقتصادي على قاعدة تفعيل القطاعات الانتاجية بهدف تقوية العملة، وإعادة الثقة اليها وتكوين نظام مصرفي جديد قائم الثقة والمبادلات والتحويلات والاعتمادات أمر ضروري لتحقيق النهوض الاقتصادي في البلد.
حمود: الاقتصاد اللبناني يتجه الى دولرة نفسه بنفسه
بدوره يقول الخبير الاقتصادي د. علي حمود في حديث لـ “أحوال ميديا أنّه وبعد الارتفاع المستمر لسعر صرف الدولار، وانعدام ثقة المواطن بالعملة المحلية وسط انهيار اقتصادي ومالي كبير، وفشل السياسات الاقتصادية والنقدية بسبب الفساد وعدم الشفافية، يتجه الاقتصاد اللبناني الى دولرة نفسه بنفسه لأن لبنان يستورد أكثر من 80% من منتجاته، وعندما نتحدث عن دولرة الاقتصاد، نعني بذلك أن الدولرة ستشمل كل القطاعات وهو ما يحصل حالياً حيث أن 75% تقريباً من السلع والخدمات في لبنان، يدفع المواطن ثمنها بالدولار. حيث بدأت هذه الظاهرة بالانتشار شيئاً فشيئاً بين القطاعات.
الدولار عملة لبنان الرسمية
ويتابع: “إذا كانت الدولرة الجزئيّة تعني استخدام عملة أجنبيّة إلى جانب العملة المحليّة في البلد بشكل طبيعي، فإنّ الدولرة الشاملة تعني الاستغناء عن العملة الوطنية، والإبقاء على العملة الأجنبية المعتمدة، لذلك يجب التمييز بين الدولرة الجزئية التي يعيشها لبنان اليوم وهي أن كل مواطن يحمل في جيبه الدولار، ولديه ودائع دولارية إلى جانب الليرة اللبنانية، وبين الدولرة الشاملة التي تقضي بسحب الليرة بشكل كامل من السوق، وإيقاف التداول بها على أن تصبح عملة لبنان الرسمية الدولار”.
ويوضح حمود أنّه في لبنان حالة الدولرة تبقى غير رسمية، لأنّ الدولة لا تقبل الحصول على الرسوم والإيرادات إلا باللّيرة اللّبنانية.
نحو الدولرة الشاملة
ويردف: رغم أنّ التعامل بالدولار يشكل عامل أمان للتجار إلا أنه يزيد من الاعباء المعيشية 14 ضعفاً على المواطن، مشيراً إلى مدى خطورة هذه الظاهرة على الاقتصاد اللبناني.
أمام هذا الواقع فإن الدولرة تعني الفشل في وضع السياسات النقدية والعجز عن السيطرة على الفوائد وإدارة عملة البلد، وإن لم يصل لبنان إلى دعم الدول العربية والخليجية والمؤسسات الدولية، فنحن متجهون نحو الدولرة الشاملة والاستغناء عن العملة الوطنية.