نتائج الجلسة: تثبيت أكثرية “الثنائي” – “التيار” وكشف “التغييريين” و”أكثرية” جعجع الوهمية
التوازنات الجديدة ستنعكس على استحقاقي تأليف الحكومة وانتخاب رئيس الجمهورية
وضعت معركة الرئاسة الثانية، ونيابتها وهيئة مكتبها، أوزارها، وانجلى غبارها، لتطوي صفحة جديدة من “دفتر” الاستحقاقات، بعد إنجاز الانتخابات النيابية في 15 أيار الماضي، وتفتح الباب على استحقاق جديد بالدعوة الى استشارات نيابية لتكليف رئيس لتأليف الحكومة، وما سيعقبه من استحقاقات ستنجز وفق موازين قوى جديدة، أفرزتها نتائج انتخابات النواب ورئيسهم ونائبه وطاقمه الداخلي.
وشكلت جلسة ساحة النجمة، بوقائعها وأرقام الفائزين وما دار من سجالات وإشكالات دستورية مفتوحة، أولى اختبارات الأحجام والأوزان النيابية والسياسية، لجميع الكتل النيابية والقوى والسياسية، والتي سيُبنى عليها المقتضى في قابل الأيام، وبالتالي كرست مشهداً نيابياً جديداً، وبتوازنات جديدة وفريدة.
بدا واضحاً أن مختلف الكتل والنواب، لا سيما الجدد منهم، حاولوا في الجلسة الأولى للمجلس الجديد، عرض عضلاتهم وقواهم، وفرض أنفسهم من “أول الطريق”، وتظهير أحجامهم النيابية ومواقفهم، فكان الاشتباك الأول مع الرئيس نبيه بري حول الآلية القانونية لفرز الأصوات بمطالبة نواب قوى “المجتمع المدني” بري بتلاوة مضمون الأوراق الملغاة خلال عملية الفرز لانتخاب الرئيس، فيما رفض بري بداية ليعود لاحقاً لاحتواء “التغييريين” وقراءة محتوى الأوراق، ما عكس “قوة الضغط” التي تمثلها هذه القوى للتأثير في آليات إدارة المجلس وجلساته وقراراته لاحقاً، رغم أنها لا تملك أكثرية وازنة.
في الموازاة، سارعت “قوى التغيير” الى فتح باب الاشتباك من البوابة الدستورية باكراً مع الرئيس بري الذي بدوره سدد ضربات دستورية سياسية متتالية عا”الناعم”، كما تُنذر مداخلة عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب حسن فضل الله الدستورية، والتي تحمل رسائل سياسية لزملاء “مقاعد المجلس” الجدد مضمونها “إعرفوا حجمكم وأوزنوا كلماتكم من أولها”، تنذر بسجالات حامية بين “حزب الله” و”القوى المدنية”، تضاف الى السجالات مع النواب القدامى من “القوات” و”الكتائب”.
ووجه “الأستاذ” “ضربة معلم” على “أُم الرأس” بمطرقته لجميع خصومه، من حزب “القوات اللبنانية” وقوى “التغيير” و”المستقلين”، بفوزه بأكثرية نصف المجلس النيابي ومن الدورة الأولى بـ65 صوتاً، قاطعاً الطريق على محاولات نجاحه من الدورة الثانية أو الثالثة بـ”شق النفس” وبأصوات هزيلة، لتسييل ذلك في السياسة كتعبير عن انتقال الأكثرية النيابية من فريق المقاومة – 8 آذار و”التيار الوطني الحر”، إلى خندق يضم تحالف يضم “القوات” و”التغييرين” و”المستقلين”. لكن فوز بري بالدورة الأولى، وبـ65 صوتاً، يؤكد نجاح فريق المقاومة بالحفاظ على الأكثرية النيابية في استحقاقات حاسمة كانتخاب رئيس للمجلس، لكن قد لا تكون هذه الأكثرية ثابتة في استحقاقات أخرى، والتي قد تخلط أوراق التحالفات والإصطفافات على “القطعة”، وتتحول الأكثرية في قضية ما إلى أقلية في قضية أخرى، ربما في الجلسة نفسها.. لكن بالتأكيد ستتوسع أكثرية “الثنائي” ـ “التيار” لأكثر من 70 نائباً في القضايا الكبرى والمصيرية، كسلاح المقاومة والتوطين والتطبيع وحماية حقوق البلد وثرواته… ورسّمت الجلسة ملامح أكثرية نيابية يقودها “الثنائي”، سيغرّد وليد جنبلاط في سربها في بعض الاستحقاقات، منها انتخاب رئيس الجمهورية المقبل، وقد تتجاوز الـ 70 نائباً.
وقد نجح “الثنائي” بإعادة مرشحه الى كرسي رئاسة السلطة التشريعية، عبر نقل المعركة من الرئاسة الى نيابة الرئاسة وتشتيت “طاقة” الكتل الخصمة وإلهائها بالنيابة، فيما كان منهمكاً بحياكة “ديل” مع النائب جبران باسيل عبر أبو صعب على النيابة والرئاسة معاً، وقد عبّر العناق الحميم بين بري والنائب محمد رعد بعد الجلسة، واقتراب أبو صعب من بري على مقام الرئاسة، عن نجاح الخطة المرسومة بإتقان، وعكس الاقتراب السياسي لعين التينة من “البياضة” وبُعدِها عن “معراب”، وتظهّر جلياً برسالة بري العاجلة والنارية الى “القوات” عبر نائبها ملحم رياشي بقوله: “خبر جماعتك بأن نبيه بري لا يتدخل في القضاء ولا في الفضاء”.
وأسقط فوز بري بأكثرية 65 صوتاً ونائبه مرشح “التيار” أبو صعب بـ 64 صوتاً، الأكثريات الوهمية التي استبق رئيس “القوات” سمير جعجع النتائج الرسمية للانتخابات بالحديث عنها، والتي تشمل “القوات” وقوى “السيادة” و”التغيير”، وكل حديث عن تحجيم تحالف “حزب الله” – “التيار الوطني الحر”. كما أكدت الجلسة صعوبة نسج تحالف بين كتل “القوات” وقوى “التغيير” و”المستقلين”، رغم توحّدها خلف المرشح لمنصب نائب الرئيس غسان سكاف، علماً أن “القوات” صوتت لسكاف على مضض كُرهاً بـ”التيار” لا حباً بسكاف.
وظهر فوز أبو صعب بـ 65 نائباً مقابل 59 نائباً لسكاف بأن تحالف “القوات” و”الكتائب” و”التغيير” و”المستقلين”، لا يملكون الأكثرية النيابية، فلم يتمكنوا من جمع أكثر من 59 صوتاً، ما يجعلهم أكثرية غير موصوفة وغير مقررة، ولم تملك حتى قدرة “التعطيل” أو “الثلث المعطل”، إلا في حال انضمام كتلة جنبلاط اليهم.
وكشفت أيضاً أوراق “القوات”، باكراً، الهروب الى الأمام من معركة نيابة الرئاسة والإحجام عن ترشيح غسان حاصباني والرهان على “حصان” مرشح المستقلين و”اللقاء الديموقراطي” غسان سكاف، لتحقيق نصرٍ على “التيار” بإسقاط النائب أبو صعب. وفشلت “القوات” ايضاً مع بعض النواب التي استقطبتهم بالحصول على ثلث مجلس النواب تظهرت بنيل مرشحها لأمين السر النائب زياد حواط 38 نائباً مقابل 65 لمرشح التيار الوطني الحر آلان عون، وبالتالي لم تنل “القوات” قدر تعطيل الاستحقاقات التي تتطلب ثلثي المجلس على رأسها انتخابات رئاسة الجمهورية، مقابل حصول “ثنائي” “امل” و”حزب الله” والمردة مع النواب الحلفاء و”التيار” أو مع كتلة جنبلاط على أكثرية 65 نائباً تكفي لتكليف رئيس للحكومة وتشكيل حكومة ومنحها الثقة النيابية، وايضا تتسيل هذه الاكثرية بانتخابات رئاسة الجمهورية بعد تأمين نصاب انعقاد الجلسة.
وبينت الجلسة الحجم الحقيقي لقوى “التغيير” الذين تتقلص قدرتهم الى حدود متدنية إذا لم يتحالفوا مع أحد كتل “القوات” أو “الاشتراكي”، وذلك بخروجها من “مولد” الجلسة “بلا حمص”، وخالية الوفاض، أكان في رئاسة المجلس وفي النيابة وهيئة مكتب المجلس (أميني السر والمفوضين)، فيما سقط مرشح “القوات” في أمانة السر زياد الحواط أمام مرشح “التيار” آلان عون.
وثبتت الجلسة دور كتلة “اللقاء الديمقراطي” كـ”بيضة قبان” في ميزان الاصطفاف بين فريقي “الثنائي” ـ “التيار” من جهة، و”القوات” وقوى “التغيير” من جهة ثانية. وأعطى السجال الدستوري المفتوح حول آليات الاقتراع والنظام الداخلي لمجلس النواب، عينة عما ستكون عليه الحال في جلسات المجلس المقبلة، لا سيما وأن نواب “التغيير” سيدخلون في “كتاب غينس” لتسجيل المخالفات للنظام الداخلي للمجلس ولجدول أعماله وآليات التصويت على مشاريع واقتراحات القوانين في الجلسات المقبلة، وبالتالي سيصطدمون بـ”سيد المجلس” ومدير جلساته نبيه بري، ما يحول قاعة المجلس إلى حلبة للسجالات وتبادل الرسائل السياسية المباشرة، ما يُعقد عمل المجلس ويعطل دوره في عملية الإنقاذ المقبلة، فضلاً عن إعاقة إنجاز الاستحقاقات الدستورية المقبلة، من تكليف وتأليف حكومة جديدة ورئاسة جمهورية.