ماذا خلف قرار الرياض بإعادة تفعيل حضورها في لبنان سواء عبر إعادة سفيرها وليد البخاري الى بيروت او عبر إطلاق صندوق المساعدات الإنسانية بالتعاون مع الفرنسيين، وكل ذلك عشية الانتخابات النيابية المقررة في ايار المقبل؟
هذه العودة السعودية، بعد “النزوح السياسي” عن لبنان، تخضع لتحليلات واستنتاجات متفاوتة، في محاولة لفهم ابعادها ودلالاتها الحقيقية.
ومن الواضح ان تزامن الحراك السعودي مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية اعطى ارجحية للتفسيرات التي ذهبت في اتجاه الربط بين الحدثين واعتبار نشاط السفير في بيروت عشية الاستحقاق النيابي كإشارة الى انخراط الرياض فيه، ولو من موقع “الناخب المستتر.”
وما عزز هذا الانطباع هو الإفطارات المتلاحقة التي استضافها البخاري في مقر السفارة ولقاءاته مع بعض الشخصيات السنية التي تخوض الانتخابات في بيروت بشكل مباشر او غير مباشر كالرئيس فؤاد السنيورة والنائب فؤاد مخزومي.
وهناك من ذهب في توقعاته الى حد الافتراض بأن من بين مهام البخاري في بيروت إجراء “حصر إرث” انتخابي للرئيس سعد الحريري وتياره وملء الفراغ الذي تركه غيابه عبر دعم لوائح سنية تواجه حزب الله وحلفاءه في الانتخابات.
لكن بعض الزوار اللبنانيين للبخاري يؤكدون انه يتفادى في الإفطارات واللقاءات التي ينظمها الغوص في تفاصيل الاستحقاق الانتخابي مكتفيا بمواقف عامة حيال الوضع السائد في لبنان، من غير الدخول في زواريب الدوائر.
ويبدو ان الحيرة حيال حقيقة موقف السعودية من الانتخابات وحدود تدخلها فيه، لا تقتصر على اللبنانيين، إذ ان احد السفراء الاوروبيين استفسر من شخصية لبنانية خلال لقاء بينهما عما اذا كانت تعرف ماذا تريد السعودية حقا، وما هو او من هو بديلها عن الحريري في الوسط السني عقب انكفائه وابتعاده.
لكن الشخصية المشار اليها لم تكن تملك تفسيرا واضحا لسلوك المملكة غير لفت انتباه محدثها الى ان الرياض ارتكبت في السنوات الأخيرة أخطاء عدة في التقدير، من الحرب السورية الى الحرب اليمنية مرورا بتصفية جمال الخاشقجي والانسحاب الانفعالي من لبنان قبل أن تعود اليه لمحاولة استدراك التوازن المفقود مع إيران وحزب الله، وبالتالي فإن إقصاء سعد الحريري عن المعادلة الداخلية قد يندرج أيضا ضمن سياق سوء التقدير في الحسابات.
ورجحت تلك الشخصية أمام السفير الغربي ان الرياض ربما تنتظر ما ستوؤل اليه المفاوضات السعودية الإيرانية حتى يبنى على الشيء مقتضاه في ما يتعلق بتوزع النفوذ في ساحات المنطقة.
وحتى ذلك الحين، هناك من يعتبر ان
السعودية تؤيد حصول إقبال كثيف من قبل الناخبين السنة على التصويت في صناديق الاقتراع، اولا حتى تثبت ان البيئة السنية لم تتأثر بغياب الحريري وهي بألف خير، وثانيا للحؤول دون تمدد واسع لحزب الله في هذه البيئة. وبهذا المعنى، لا لائحة محددة ترعاها مباشرة ولا وريث سنيا معينا للحريري تدعمه كخليفة له في الزعامة، الا انها تبارك عموما الاتجاه العام للوائح التي تناهض الحزب وحلفاءه من دون أن تكون هناك “وكالة حصرية” لاي منها، مع إعطاء الأفضلية لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع.
المستوى الآخر من الحضور المتجدد للمملكة في لبنان يعكسه الصندوق السعودي الفرنسي لدعم الشعب اللبناني الذي تم إطلاقه قبل أيام لمساعدة عدد من القطاعات الحيوية، انما عبر سلوك “خط عسكري” خارج التعاطي مع الدولة، في رسالة واضحة إلى عدم الثقة لا في خيارات السلطة ولا في تصرفاتها عشية الانتخابات وهو موقف سياسي بامتياز وان كان مغلفا بقشرة انسانية.
عماد مرمل
