هيئة الإشراف على الانتخابات جهاز محنط لاستحقاق مرتبك
تبدأ الحملات الانتخابية رسميًا صباح الأربعاء المقبل بعد إقفال باب الترشيحات عند منتصف ليل الثلاثاء- الأربعاء، ليضع اللبنانيين أمام مرحلة تمتد لشهرين كاملين من الخطب والشعارات والمهرجانات والتسريبات المضادة خلال الحملات الانتخابية، لتعبئة الجماهير وإثارة حماستهم.
ما يُقدم للبنانيين حتى اللحظة من مشاريع وخطط وشعارات انتخابية لم ترقِ حتى اللحظة إلى مستوى البرامج الوطنية، التي من شأنها إخراجهم من المحنة الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية. ولا يدغدغ مشاعر الفئات المسحوقة من الناخبين سوى ما يمكن أن يصرفه الطامحون لدخول عرين التشريع النيابي بعض “المال الانتخابي” الذي لا يُسمن ولا يُغني عن جوع.
لم ترتقِ العملية الانتخابية في لبنان إلى مستوى التنافس على البرامج التقدميّة المتطورة وأتى القانون النسبي مع صوت تفضيلي واحد في دوائر صغيرة، وتحت سقف التوزيع الطائفي للسلطة، الى تدمير الفكرة الصراع الديموقراطي المدني. وأتت تبعاته بكل ما يُعمّق الطائفية بوجهها السافر، ويقضي على التوازن السياسي فاتحاً الأبواب أمام شرذمة مجتمعية طائفية ومناطقية من شأنها الإسهام في تفكيك ما تبقى من عرى التماسك في بلد يتوحّد أبناؤه فقط تحت الفقر والجوع والمعاناة والحرمان من الماء والدواء والكهرباء.
في غمرة الانشغال باستحقاق الانتخابات النيابية، لا يمكن إغفال عمل هيئة الإشراف على الانتخابات، والسؤال عن دورها في مراقبة ولجم السعار الانتخابي القائم على الدعاية، التي تحمل كل ما في القاموس السياسي من شعارات شعبوية تدغدغ مشاعر الناس، وعلى الرشاوى وشراء الذمم السياسية والإعلامية.
في الدولة المتهالكة، أغفلت الحكومات دعم عمل الهيئة الجهاز الناظم لشفافية العملية الانتخابية ووضعت أمامها العوائق اللوجستية والمالية التي تحول دون أدائها مهامها المطلوبة. فالهيئة المحنطة بحسب ما يقول أفرادها جهاز “دون بطاريات” ولا طاقة لتشغيله، بل أن إهمال السلطات التنفيذية أدّى إلى “تحنيط” الهيئة وجمّد أعمالها. الأمر غير طارئ ولا مستحدث فبعد الانتخابات النيابية العامة في 2018، أصدرت الهيئة قراراً تٌقرّ فيه بعد تمكنّها من مراقبة الإعلان الانتخابي، ودراسة بيانات الحسابات المالية للمرشحين، كما التمويل والإنفاق الانتخابيين بشكل فعّال. وسلّمت في قرارها ذاك بعدم قدرتها على رصد المخالفات والرشاوى بسبب عدم وجود جهاز بشري كاف يغطي كافة المناطق والمحافظات اللبنانية.
في العام 2017 باشرت الهيئة الحالية عملها دون أن تُمارس مهامها فعليًا بحكم القانون وبعد أن انتهت مهلة تشكيل هيئة الإشراف على الانتخابات في 21 تشرين الثاني 2021 بغياب انعقاد مجلس الوزراء، فيما كان يجب تعيين هيئة جديدة منذ أواخر عام 2018 بحسب قانون الانتخابات 44/2017. وكان فُتِح باب الترشيح للانتخابات البرلمانية في 10 كانون الثاني الماضي قبل تعيين هذه الهيئة أو على الأقل إصدار مرسوم بتمديد عمل الهيئة الحالية.
تتألّف هيئة الإشراف على الانتخابات من أحد عشر عضواً، فيما يتطلب اتخاذ القرارات اكتمال نصاب سبعة أعضاء على الأقلّ. وبعد استقالة ثلاثة من أعضائها يعرّضها عدم ملء الشغور لشلّ عملها.
وبحسب ما يقول رئيسها القاضي نديم عبد الملك فإن الهيئة تنتظر انضمام الأعضاء الثلاثة المعيّنين من قبل مجلس الوزراء، بعد أدائهم اليمين أمام رئيس الجمهورية قبل تسلّمهم مهامهم. هذا الأمر تأخر على الرغم من وعود وزير الداخلية القاضي بسام مولوي بإنجاز ذلك.
نصاب الهيئة مؤمن، بحسب عبد الملك، رغم شغور ثلاثة مقاعد فيها، لكن لاستكمال مهام الهيئة يأمل أن يتم تعيين الاعضاء الجدد من قبل مجلس الوزراء في أقرب وقت ممكن لأن المقاعد الثلاثة الشاغرة تعود لقاضي مالي وعضوين عن نقابة الصحافة والمجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع.
وعلى الرغم من هذا الشغور باشرت الهيئة أعمالها في 5 كانون الثاني الفائت بعد صدور مرسوم دعوة الهيئات الناخبة والتعميم الذي صدر عن وزير الداخلية بتحديد مهل التصاريح وتأمين مقر كبير للهيئة، علمًا أن مجلس الوزراء أقر موازنة خاصة بها وهي 3 مليار و500 مليون فيما كانت تطالب بموازنة 5 مليار و500.
لم تحصل الهيئة حتى اليوم على مخصصاتها، والأمر منوط بإقرار الموازنة في المجلس النيابي وهذا أمر غير محسوم بسبب التمنّع عن إصدارها وتحمّل أعبائها المالية والاقتصادية والاجتماعية والحديث عن نوايا لترحيلها إلى المجلس النيابي الجديد، مما يعني حتماً استمرار شلل عمل الهيئة.
لوجستيًا، تعمل الهيئة حتّى الآن بهبات المجتمع الدولي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي يتكفل بتأمين 3 موظفين إداريين، في وقت تحتاج فيه إلى 10، و30 إعلامياً، و18 محاسباً. وقد أمّن البرنامج مقرّاً جديدًا للهيئة ويقوم بتجهيزه لاستقبال 30 مراقباً لوسائل الإعلام الأسبوع المقبل. رغم تأخر متابعة الأنشطة الانتخابية للمرشحين ولحملاتهم الإعلانية والإعلامية، إلّا أن رئيس الهيئة يُشير إلى عدم إغفال المخالفات والنشاطات الانتخابية التي حصلت قبل انتظام عمل الهيئة وتلك التي ستجري في المستقبل. كما ستُراجع الهيئة استطلاعات الرأي التي نشرتها وسائل الإعلام من دون الحصول على ترخيص منها، والطلب من وزارة الداخلية تغريم المخالفين مبالغ قد تصل إلى 15 و25 مليون ليرة لبنانية والإحالة إلى محكمة المطبوعات.
في معركة انتخابية تعمل في مجملها على إثارة الفتن والنعرات، ويتسيّد مشهدها المرشحين الأثرياء، تغيب الهيئة أيضًا عن المشهد الإعلامي. وفي رصد سابق، لمؤسسة “مهارات” لحظت في تقرير عن التغطية الانتخابية في محطات التلفزيون المحليّة، غياب القيّمين على العملية الانتخابية كوزارة الداخلية وهيئة الاشراف على الانتخابات عن المشهد الإعلامي وحلّ ممثّلو إدارة العملية الانتخابية آخِراً لناحية الظهور الإعلامي، وهو ما يشير إلى غياب وزارة الداخلية ومديرية الشؤون السياسية وهيئة الإشراف عن الظهور الإعلامي والتواصل مع الناخبين والمرشّحين”. وتسيّد السياسيون التقليديون الشاشات ووسائل الإعلام كافة، تلاهم المحللين الصحافيين وخبراء الشأن الانتخابي، يليهم مجموعات سياسية ناشئة، وبعض المرشّحين ورجال الدين وناشطون عن المجتمع المدني.
ضمان شفافية الانتخابات وسلامة العملية الانتخابية بمجملها موضع تشكيك بغياب المساواة وعدم تكافؤ الموارد المالية للمرشحين وما يرافقها من تبعية إعلامية تُفقد الوسائل مصداقيتها ومن شأن غياب هيئة الإشراف على الانتخابات عن أداء دورها الفعّال أن تستمر الممارسات غير الديموقراطية وغير السوّية، وليس في ذلك ما يدعو للعجب!