موضة فرضتها “كورونا”… الحفلات “أونلاين” في ميزان الربح والخسارة مادياً وجماهيرياً
لم يعد جديداً القول أن فيروساً غير مرئي قضى تماماً على مختلف تفاصيل حياتنا اليومية، كما لم يعد مجدياً التذكير بأنه يصعب فعلياً تخيّل حياة البشر بعد تلك الجائحة التي صالت وجالت في مختلف أنحاء العالم وتركت آثارها المدمرة في كلّ شيء وعلى نحو لم يتخيّله أحد… حتى الفن لم يسلم من تأثيراته، ما اضطر نجوم الغناء ومتعهدي الحفلات الى ابتكار فكرة إحياء الحفلات في العالم الافتراضي، اي حفلات “اونلاين”. ولكن هل نجحت هذه الحفلات وحققت الأهداف المطلوبة؟
وهل من طعم أو لون يمكن أن يبقى لحفلة يغني فيها الفنان وحيداً دون هتافات او تصفيق جمهور ولا حتى تفاعل؟
وبم تختلف مشاهدة هذا النوع من الحفلات عن أي حفل مصوّر قبل فترة ويمكن مشاهدته عبر “يوتيوب” على سبيل المثال؟
الفكرة انطلقت بداية من عالم الغرب، وكانت الحفلات مجانية بهدف الترفيه عن الناس في ظلّ الإقفال التام الذي حصل في دول عدّة بسبب جائحة كورونا، أو بهدف جمع مساعدات للمتضررين من الجائحة، لتنتقل الفكرة بعد ذلك الى العالم العربي، متحولة الى منصة تجارية ذات أهداف مادية بحتة حسبما يرى عدد كبير من النقاد.
هذه الأسئلة وسواها توجهنا بها الى أحد أشهر متعهدي الحفلات في العالم العربي، السيد ميشال حايك الذي أقام في الفترة الماضية حفلة للفنان كاظم الساهر، وأيضاً الى السيد زياد حمزة مدير عام القطاع الموسيقي والاذاعي في مجموعة MBC التي قدّمت أهم الحفلات أونلاين عبر منصّة “شاهد”.
ميشال حايك: الحفلات الافتراضية لا طعم لها ولا لون
يعتبر ميشال حايك أنّ فيروس كورونا غيّر العالم بأسره، بينما عمد نجوم الغناء الى إيجاد مساحة بيضاء يتنفّس فيها الناس الصعداء وسط الصعوبات التي يعيشونها.
ويذكّر حايك بأنّ مهمّة كل فنان الحفاظ على وجه بلده الثقافي والفني، وأنه من المهم جداً التواصل مع الجمهور باستمرار.
يتحدّث حايك يتحدث بحسرة عن لبنان والحال التي وصلت إليها البلد، مشيراً إلى أنّ الوضع الفني تأثر حتى قبل كورونا، وذلك بسبب السياسيين الذين أوصلونا الى ما نحن عليه اليوم.
من جهة اخرى، يرى الحايك أنه رغم أهمية التواصل مع الجمهور التي أشار إليها سابقاً، إلاّ أنه يؤكد أن “لا نكهة ولا لون للحفلات الافتراضية، لأنها تتم دون تواصل مباشر مع الجمهور. فكيف يغني الفنان بفرح وسعادة إن لم يشعر بتفاعل الجمهور؟ ولكن الجميع مضطر الى ذلك وسط هذه الظروف وعلى طريقة “من الموجود جود”.
وعن مسألة اقتباس الفكرة من الغرب، يقول حايك إنّ الغرب لطالما كان سباقاً في كل شيء، والدليل ان معظم البرامج التلفزيونية مأخوذة من الغرب، دون أن يمنع ذلك وجود مبدعين في العالم العربي وفي مختلف المجالات من المخرجين الى مقدمي البرامج وحتى شركات الانتاج.
وسألنا حايك إن كان نجوم الغناء اليوم يعمدون الى تخفيض أجورهم تماشياً مع الوضع القائم فقال: “هذه سياسة تتعلق بكل مؤسسة أو شركة او فنان”. وأضاف: “بالتأكيد لم تحقّق الحفلات الافتراضية النجاح ذاته كما الحفلات والمهرجانات الحيّة ولكنها واقع فرض نفسه”.
وعن الحفل الافتراضي الذي أقامه في الفترة الماضية للفنان كاظم الساهر، قال إنّه تم بناء على طلب من هيئة أبو ظبي للسياحة في اول أيام عيد الفطر المبارك، وبأنها كانت منقولة مباشرة، مشدداً على أنها كانت من اجمل الحفلات التي نظّمها ولكن كان ينقصها حلاوة الجمهور وتفاعله.
وعن نظرته المستقبلية لواقع الحفلات عموماً في ظلّ الظروف الصعبة التي تتخبط بها معظم دول العالم حتى ما قبل كورورنا، قال حايك المقيم حالياً في استراليا إن الحفلات هي الحدّ الأقصى في الكماليات، وإن كانت تجارة الضروريات بالكاد تعمل، فكيف الحال بالنسبة للحفلات؟ وبأسى يعتبر أنّ “السياسيين في لبنان يعيشون في كوكب آخر منفصل عن الواقع ولا ضمير يحرّكهم، ما أثر كثيراً على واقع الحفلات اليوم، لكن مع التفاؤل والعزم سيعود كل شيء أفضل مما كان إن شاء الله”، مستذكراً قول الشاعر الكبير نزار قباني عن بيروت “آه يا عشاق بيروت القدامى/ هل وجدتم بعد بيروت البديلا؟ إن يمت لبنان متّم معه كل من يقتله كان القتيلا/ كل قبح فيه قبح فيكم، فأعيدوه كما كان جميلا”.
زياد حمزة: بعض النجوم قدّموا حفلاتهم مجاناً
أما زياد حمزة فيقول إنّ “جائحة كورونا أدت إلى تغيير جذري في نمط حياتنا، ومن الطبيعي أن نحاول التأقلم مع هذه الظروف الاستثنائية”.
وعن الترفيه الرقمي يقول “هو أّحد الحلول التي من شأنها التخفيف من ظروف الحجر، والحفلات أونلاين هي بالطبع ايجابية بالكامل، ولا سلبيات فيها، لأنّ المشاهد يستمتع بمتابعة فنانه المفضل من دون تعريض نفسه أو عائلته لخطر التقاط الفيروس”.
وعن مسألة التفاعل المباشر مع الجمهور والذي يؤثر حكماً على أداء الفنان نفسه، يرى حمزة أنّ هذه الطريقة أفضل من عدم إقامة الحفلات بالمرة، “بحيث لا يمكننا الحصول على الباقة الكاملة من الترفيه حالياً، وعلينا بالتالي الاكتفاء بما يمكن تنفيذه”.
ويرفض حمزة اعتبار الحفلات الرقمية في العالم العربي مجرد تجارة بحتة، حيث أن العديد من الفنانين العرب كانت حفلاتهم مجانية، خصوصاً تلك التي اعتمدت ميزانية متواضعة أو التي جرى بثها من المنزل. أما الحفلات الاكبر والتي تقام في مسارح، فتلك تحتاج الى فريق عمل اكبر، وفيها مصاريف متعددة، فبالتالي من الطبيعي ان يجري دفع مبلغ صغير لحضورها، علماً ان المبلغ رمزي مقارنة بسعر تذكرة الحفلات الفعلية”.
ويضيف ” حفلات منصة شاهد التي انتجتها مجموعة اmbc كانت ميزانيتها كبيرة، الا أنها كانت مجانية لجميع المشتركين، كما انه سيجري بثها تلفزيونياً ايضاً.”.
ويؤكّد حمزة أنّ هذه النوعية من الحفلات لا تهدف الى الربح أصلاً، بل الهدف من بيع تذاكرها هو محاولة جمع قسم من مصاريفها، ويتابع ” بالنسبة لنا كمجموعة، فنحن نهدف الى صناعة محتوى ترفيهي يساهم في تنوع الخيارات امام المشاهدين”.
ويتحدث حمزة عن مسألة تخفيض أجور الفنانين مراعاة للوضع، وبقول إنّ “الفنانين يدركون تماماً مقدار التراجع الكبير في الاقتصاد العالمي، وهذا ينعكس أيضاً على النشاطات الترفيهية التي جرى تقليصها. على الفنانين الانسجام مع هذا الواقع الجديد، والا قد يجدوا انفسهم خارج الحفلات والنشاطات، كون جميع الجهات المنتجة خفضت ميزانياتها الى النصف تقريبا، وأجور الفنانين أيضاً انخفضت، وعليهم التأقلم مع الواقع المستجد.”.
أما عن أكثر الحفلات نجاحاً من بين الحفلات الافتراضية يقول حمزة ان حفلات “شاهد اونلاين” التي بدأت في عيد الفطر كان لها النجاح الأكبر، وكذلك نجحت حفلات اليوم الوطني السعودي.
ويؤكّد أنّ “الحفلات التي تنتجها شركات كبيرة مثل MBC وروتانا تكون دائماً ناجحة، كونها تتم برعاية هيئة الترفيه في السعودية، وإشراف من معالي المستشار تركي آل الشيخ الذي أضاف كثيراً للترفيه، وتلك الحفلات تعتمد معايير محتوى وتقنيات عالية”.
ويبقى السؤال، بعد انحسار جائحة “كورونا” هل سيذكر الجمهور يوماً أنّ ثمّة حفلات كان تجرى أونلاين، يغنّي فيها الفنان وحده، ويشاهدها الجمهور من منزله، كما يشاهد الفيديو كليب؟ أم أنّ الذّاكرة ستودّ حذف كل ما له علاقة بهذه المرحلة الصعبة؟
رولا نصر