خلقت “رابطة سيدة إيليج” حالة يلّفها الغموض وعلامات الاستفهام حتى داخل المجتمع المسيحي نفسه، إذ إنّها تتأرجح بين السياسة والاجتماع والدين وقد اختلف كثيرون حول طبيعة الرابطة وماهيتها ومؤسسيها والهدف من ورائها.
وفي حين ينسب البعض الرابطة إلى مجموعة منشقين عن حزب “القوّات اللّبنانية”، يجهد المنتسبون إليها لتقديمها على أنّها فريق يحمل “رسالة الشهداء والمقاومة اللّبنانية”، لذا فإنّ المحطة الرئيسية التي تلفت الانتباه إلى الرابطة هي القداس السنوي الذي تقيمه لـ”شهداء المقاومة اللّبنانية”.
وللوقوف على أنشطة الرابطة وسياقها وإطارها، وللاطلاع على خلفيّات ما يحدث حالياً من منظار الرابطة وتطلعاتها، كان لـ “أحوال” لقاء مع رئيس رابطة “سيدة إيليج” صعود أبو شبل، الذي أجاب عن الأسئلة التالية.
يُقال إنّ تفاعل رابطة سيدة إيليج مع المجتمع المسيحي يقتصر فقط على جبيل والبترون، فما ردّكم على هذه المقولة؟
إنّ رابطة سيدة إيليج تضم أشخاصاً من كل المناطق اللبنانية، ونحن لدينا حضورنا الفاعل في معظم المدن والقرى، من القبيات في عكار وصولاً الى عين إبل في الجنوب…
يقال انه من خلال تواجدكم الواضح في مدينتي البترون وجبيل، تشكّلون عائقاً أمام القوات اللبنانية وغيرها من الأحزاب المسيحية التي لها تواجد فاعل ومميز في هاتين المنطقتين، فما ردّكم على ذلك؟
نحن، كرابطة، لا نزاول العمل السياسي لعدم قناعتنا بأي عمل سياسي مُنتج، لأننا اعتبرنا من بداية تأسيسنا أنه لا يمكننا أن نتخلى عن نهج المقاومة، وليس ضرورياً أن تكون المقاومة من خلال السلاح، علماً أننا خضنا سابقاً المقاومة العسكرية كمقاتلين في القوات اللبنانية ثم خضنا المقاومة السلمية. وبالتالي، المقاومة لا تتوقف قبل تحرير هذا الوطن. صحيح أنّ السوري خرج من لبنان سنة 2005، ولكن بقي هناك احتلال لا نزال نعانيه حتى اليوم، أكان بشكل مباشر أو غير مباشر. نحن لم نكن مقتنعين بضرورة التخلي عن المقاومة كنهج، والدخول ضمن حزب سياسي يزاول ألاعيب السلطة السياسية كما هي في لبنان. وبالتالي، لم نر أنفسنا في أي حزب، مع أننا نحترم أحزاب المقاومة اللبنانية، وعلى رأسها حزب القوات اللبنانية، عندما تأخذ الموقف المناسب استناداً الى القواعد الفكرية والاتجاه المقاوماتي، وعندما تخطىء في اتخاذ خيار ما نقول لها انه ليس صائباً لذلك فإننا لن نلتزمه.
في الانتخابات النيابية تحديداً، يجري تواصل مع فادي الشاماتي ومَن “يَمون عليهم” لكي ينتخبوا مرشّحي حزبي القوات اللبنانية أو الكتائب أو غيرهما من مرشحي الأحزاب الأخرى، فما صحّة هذا الاعتقاد؟
بما أنّ ثقافتنا هي ثقافة مقاوماتية، فإننا في الانتخابات النيابية أو البلدية أو الاختيارية نترك لشبابنا حرية الاختيار استناداً الى قاعدة المقاومة ومعاطاتها مع الأحزاب التي تخدم فكر رابطة سيدة إيليج المقاوم. وبالتالي القوات والكتائب هما الحزبان الأكثر قرباً لنا في المنهجية المقاوماتية، وشباب رابطة إيليج وشاباتها يأخذون خياراتهم الانتخابية انطلاقاً من هذا المبدأ، علماً انّ فادي الشاماتي ليس “مفتاحاً انتخابياً”، ولو نُظِر إليه أو إلى أيّ من مسؤولي الرابطة من هذا المنظار.
هناك مقاتلون ضمن رابطة سيدة إيليج كانوا من “الصقور” لا من “الحمائم”، هل ما زال يشدّكم الحنين الى تلك المرحلة خصوصاً أنّ الكثير من “الصقور” ما زالوا “يشتغلون” سياسياً ضمن حزب القوات اللبنانية؟
لا يُخفى على أحد أننا قمنا بقراءة نقدية لمسيرتنا المقاومية عندما كنّا في سجون الاعتقال نقاوم المحتلّ، وكنّا من أكثر المجموعات اللبنانية التي تعرّضت للتنكيل والاعتقال والقمع. وإنّ الهزيمة التي تعرّضنا لها حَتّمت علينا القيام بقراءة نقدية لكل المرحلة التي سبقت، وأخذنا منها خلاصات وعِبَراً. وأهم عبرة أخذناها أنّ انقسامنا وتشرذمنا هما اللذان أدّيا الى انهزامنا سنة 1990، فنحن في تلك السنة لم ننهزِم أمام عدو خارجي إنما أمام بعضنا بعضاً. لذلك تعلّمنا أنّ أي مسألة تساهم في تشرذم أو انقسام او احتكاك سلبي في الشارع المسيحي علينا أن نساهم في تخفيفها ومن ثم مَحوها. ونحن قمنا بكثير من الخطوات ضمن هذا الاطار، أهمها المصالحة التي أنجزناها مع ضبّاط الجيش اللبناني سنة 2015.
إنّ قداس شهداء المقاومة اللبنانية الذي تقيمه رابطة سيدة إيليج يكون دائماً برعاية غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي وحضوره، لماذا يعطيكم غبطته هذه اللفتة المُحبّبة كل سنة؟
من ضمن قراءتنا النقدية السابقة وجدنا أنّ العلاقة السيئة كانت سائدة بين المقاومة اللبنانية والكنيسة، بعكس ما هو شائع، ولقد ساءت هذه العلاقة تحديداً مع القوات اللبنانية منذ سنة 1985، أي في زمن البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير. فأصبح لدينا هاجس أن نقوم بالسعي الى مصالحة المقاومة مع الكنيسة، لأننا كنّا ندافع عن حرية المعتقد الذي تشكّله الكنيسة. ومنذ أيام الاعتقالات بدأت خطوات المصالحة العميقة مع الكنيسة، خصوصاً لأنها اقتنعت أنّ شهداءنا في الحرب هم شهداء الإيمان والوطن، وليسوا شهداء الأحزاب التي انتموا إليها. وهذا الايمان تحدث عنه البطريرك الراعي في عظته الأخيرة في قداس الشهداء الذي أقامته رابطة سيدة إيليج. ولقد ساهم هذا الحوار الذي أقمناه مع رأس الكنيسة وأساقفتها في مصالحة المقاومة مع الكنيسة، ومن ضمن هذه المصالحة يأتي تبَنّي البطريرك لرابطتنا، خصوصاً أنّ الكنيسة ليست بعيدة عن المقاومة اللبنانية، فهي والدها ووالدتها. هذه هي السنة الرابعة التي يرعى فيها البطريرك الراعي قداس سيدة إيليج ويحضره مع بعض الأساقفة والكهنة. ومنذ فترة لاحظتم أنّ غبطته ركّز في كلامه على المقاومة اللبنانية، وفعل مثله الكثير من الأساقفة والكهنة، وإنّ هذا التقدّم يؤسّس لالتصاق الشعب المقاوم بالكنيسة ورأسها، علماً أنّ البطريك لا يرعى هذا القداس ويحضره كرمى لرابطتنا، بل كرمى للمقاومة. فرابطة سيدة إيليج هي “بَحصة” تسند المقاومة، والشهداء هم شهداء المقاومة اللبنانية لا شهداء رابطة سيدة إيليج. وإنّ التفكير عكس ذلك هو إضعاف للمقاومة اللبنانية وشهدائها وضرب لهما.
هل هناك طموح سياسي لرابطة سيدة إيليج؟
لا على الإطلاق. لكن لدينا موقف من القضايا الوطنية لأنّ شهداءنا لم يستشدوا على الهامش، بل فداء للقضية، وعندما يتعرّض الوجود الحر للخطر سيكون لنا موقف واضح، ولكن ضمن المقاومة السلمية الحضارية.
طوني طراد