أجواء فوضى وتسيّب تسود المدينة ليلاً.. طرابلس “مدينة أشباح”
لم تنم طرابلس ليل الخميس الماضي، فإطلاق الرصاص بشكل عشوائي في الهواء خلال تشييع قتيلَين في المدينة، جعل الأهالي يخافون من الذهاب إلى فراشهم قبل أن يتوقف إطلاق النّار الذي طال أغلب أحياء المدينة، وتسبّب بوقوع أضرار في سيّارات وواجهات أبنية ومحال تجارية ونوافذ وأبواب، نتيجة تكسّر زجاجها.
القتيلان سقطا في حادثَين متفرقَين؛ فالأوّل وهو الشّاب علي النّمري وُجد مقتولاً في محلّة شاطىء نبع أبو حلقة في بلدة رأسمسقا التي تقع في جنوب طرابلس، وتتبع قضاء الكورة إدارياً، بعدما أطلق مجهولون النّار عليه من سلاح حربي من داخل سيّارة ذات زجاج داكن، قبل أن يلوذوا بالفرار.
وعلى الرغم من أنّ التحقيقات التي باشرت بها القوى الأمنية لم تكشف بعد ملابسات الحادثة والمتورّطين فيها، فإنّ شبهات عدّة تدور حول وجود خلافات سابقة بين النّمري وآخرين من آل السمّان، وهي خلافات دفعت شقيق القتيل إلى إطلاق النّار من فوق دراجة نارية كان يركبها باتجاه “بورة” يملكها أشخاص من آل السمّان بالقرب من جامع طينال في محلة باب الرمل في طرابلس، لكنّ الرصاص الذي أوقع قتيلاً ثانياً أصاب شخصاً آخر عن طريق الخطأ، يُدعى عبيدة عوض، والذي نُقل إلى مستشفى النيني لتلقي العلاج، لكنّه ما لبث أن فارق الحياة.
بضع ساعات فصلت بين التشيعَين؛ السّاعة السّابعة مساءً وقبل منتصف الليل، كانت كافية لأن تشهد طرابلس إطلاقاً كثيفاً للنّار، جعل الأهالي يظنّون أنّ معركة ما تشهدها المدينة بين الجيش اللبناني والقوى الأمنية ومجموعة مسلحة، أو أنّ جولة إشتباكات جديدة على خطوط التماس التقليدية بين محلّتَي باب التبّانة وجبل محسن قد اندلعت مجدّداً، قبل أن تسهم منصّات وسائل التواصل الإجتماعي عبر نشرها أخباراً عاجلة في توضيح ما يجري، وتوجيهها نداءات طلبت فيها من أهالي منطقتَي باب الرمل وأبي سمراء -مسقط رأسي القتيلين- “توخي الحذر والتزام المنازل، والإبتعاد عن الشّرفات، نتيجة الرصاص الكثيف الطائش الذي يطال شرفات المنازل والسيّارات”.
روى بعض المواطنين لـ”أحوال” كيف أنّهم أمضوا تلك الليلة قابعين على الأرض في وسط منازلهم لأكثر من ثلاث ساعات، من غير أن يتجرؤوا على الذهاب إلى غرفهم أو إلى المطبخ أو الشّرفات بطبيعة الحال، أو الحمّامات إلّا عند الضرورة القصوى، وأنّ حالات من الخوف الهستيري سيطرت على الأطفال وجعلتهم لا يكفّون عن البكاء، إلى حدّ جعلت هؤلاء المواطنين يعلنون عن نيّتهم بيع بيوتهم والإنتقال للسكن خارج المدينة التي أصبحت الإقامة فيها لا تُطاق.
أجواء الرّعب والخوف التي يعيشها الطرابلسيون في الأشهر الأخيرة، مساء كلّ يوم، باتت مشهداً روتينياً، فمع هبوط الظّلام وانقطاع التيّار الكهربائي وتوقّف أغلب مولدات الكهرباء الخاصّة عن العمل بسبب شحّ المازوت، تحوّلت أحياء عدّة في المدينة وتحديداً في المناطق الشعبية والفقيرة إلى ما يشبه “مدن الأشباح”، إذ ينعدم كليّاً وجود أيّ محل أو مقهى فاتحاً أبوابه ليلاً، وتخلو الشّوارع كليّاً من السيّارات والمارّة، إلا أنّ هذا السكون يخرقه دائماً قطع الطرقات والشّوارع والسّاحات بالإطارات المشتعلة وحاويات النّفايات لأيّ سبب، وأصوات درّاجات نارية تجول الشّوارع مسرعة، مترافقة بصراخ وشتائم يتبادلها شبّان ليلاً في الشّوارع المقفرة، وأصوات إطلاق رصاص لا تعرف أسبابه.
قبل أيّام أحصت القوى الأمنية وقوع 14 حادث اعتداء وسرقة في طرابلس، من غير أن يتم توقيف أحد أو وضع حدّ لهذه الأعمال التي تتزايد يومياً على وقع تفاقم الأزمة المعيشية، ما جعل مواطنين يتهمون القوى السّياسية والأجهزة الأمنيّة بأنّها تغطّي “الزّعران” و”الشبّيحة” الذين يعيثون في المدينة فساداً، أو أنّهم عاجزون عن معالجة هذه الظاهرة الخطيرة، الأمرالذي دفع البلدية إلى إصدرا قرار منعت بموجبه تجوّل الدرّاجات النّارية ليلاً، لكن هذا القرار بقي حبراً على ورق لأنه لم يجد من ينفّذه، ولأنّ البلدية المنقسمة على نفسها لا تملك الحدّ الأدنى من الهيبة لفرض القانون واستتباب الأمن، ما أبقى الجيش لوحده في مواجهة مظاهر الفوضى والتسيّب الأمني التي تعم المدينة، والتي تنذر بالأسوأ.
عبد الكافي الصمد