وساطة ابراهيم.. جولة أخيرة لآخر حكومات العهد؟
بين وسط بيروت وبعبدا يتحرك مدير عام الأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم، لتعبيد خطّ تقريب وجهات النظر بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلّف نجيب ميقاتي. يكاد يكون هذا المستجد الوحيد على صعيد تشكيل الحكومة، في بلد يعيش أهله على مصائب يومية غير منتظمة ما خلا الانتظام اليومي لطوابير تأمين الدواء والخبز والوقود.
في الأجواء ثمّة من يُشيع عن تقدم لناحية البت في الأسماء التي ستتولى الوزارات بعدما أُنجز توزيع الحقائب، وبحسب مطّلعين من الميّالين إلى نشر الإيجابية، فإن المطبات والعقد التي ظهرت خلال الأسبوعين الماضيين بدأت تتفكك.
نجاح تحرك ابراهيم غير محسوم النتائج، وهو ليس الأول على الخط الحكومي بل الأول بين عون وميقاتي بعد اعتكاف سياسي وحملة طالته على خلفية استدعائه للتحقيق في ملف تفجير مرفأ بيروت. فالرجل خاض تجارب الوساطة الحكومية منذ تكليف مصطفى أديب ومن بعده الحريري، فما الذي يمكن أن ينجزه بعد عام من التجاذبات العسيرة والوساطات المتعثرة؟.
باعتقاد مصادر مطلعة أن فشل المبادرة وعدم ولادة الحكومة يعني الفشل التام والذهاب نحو اعتذار الرئيس المكلف وهو أمر يحمل مخاطر جمّة على طريق الانهيار والانحلال الذي أدخل البلاد تحت قيادة مافيات السوق السوداء. ورغم كل التجاذب والتعطيل السياسي يجب التعويل على أي وساطة أم مبادرة، كما تقول المصادر، على أمل الوصول إلى الخاتمة المرجوة.
وسيط الجمهورية، الذي تخطّت حركته لبنان إلى العالم، زار القصر الجهوري ثلاث مرات يوم الثلاثاء في محاولة لإزالة العقبات حول توزيع الحقائب، ويُقال إنه نجح في حل عقدتها وانتقل إلى الأسماء التي لا يرفضها رئيس الجمهورية، ولا تُزعج الرئيس المكلّف. وبحسب المصادر نفسها فإن التركيز حالياً ينصب على ضمان عدم حصول أي طرف على الثلث المعطل وحصر النقاش حول آخر حقيبتين بعد أن تمّ الإتفاق مبدئيًا على حقيبتي الداخلية والعدل وحقائب أخرى أساسية.
بالتوازي مع خطوط اللواء ابراهيم الحكومية، قام المعاون السياسي للرئيس نبيه بري النائب علي حسن خليل بمحاولات لرأب الصدع الحكومي، فزار الرئيس المكلف نجيب ميقاتي ثلاث مرات خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية، في محاولة لتسريع وتيرة التشكيل، من دون أن يحمل أي بنود جديدة للعمل عليها ما عدا تقديم كل التسهيلات الممكنة لولادة الحكومة.
بالنسبة لرئيس الحكومة المُكلف نجيب ميقاتي، كان قد عزل الشأن الحكومي عن دائرة انشغالاته، بعد اللقاء الأخير الثالث عشر مع رئيس الجمهورية، وتفرّغ للشؤون الحياتية في دائرته، وبصفته نائباً عن طرابلس كرّس اجتماعاته لإيجاد الحلول لأزماتها التي تفوق سوءاً باقي المناطق اللبنانية وتعاني من نسبة فقر مُرتفعة فيما هَم التوترات الأمنية يدُقُّ أبوابها.
لكن الإجتماع الطرابلسي، الذي ضمّ نواب المدينة مع المسؤولين الأمنيين والخدماتيين لم يمر دون أن يعرج على مسألة التشكيل الحكومي. وحين سُئل ميقاتي عن المعضلات التي تحول دون ولادة الحكومة، ردّ بإيجابية مُطمئنة بأن كل العقد قابلة للحل وأن الزمن الفاصل للخروج بالخاتمة المنشودة ليس بطويل، وباختصار قال “بتنا في الأمتار الأخيرة من ماراتون التشكيل”.
ثلاث عشرة جولة بين الرئيس المكلّف وشريكه الدستوري في التأليف رئيس الجمهورية ميشال عون بعد شهر كامل من تسمية ميقاتي، ارتدى فيها ثوب التعاون والإيجابية، لكن بعد وضعه تصورًا كاملًا بين يدي الرئيس في اللقاء الأخير خرج من القصر الجمهوري دون عودة.
وتبع هذا الخروج بيان متفجر لنادي رؤساء الحكومات السابقين أخرجت ميقاتي من ثوب “الوسطية” إلى عباءة النادي المناوئ لرئيس الجمهورية.
لكن رغم ذلك، فإن النائب الطرابلسي، عضو نادي رؤساء الحكومات السابقين، والمكلّف بتشكيل الحكومة، أوحى بإبعاد فكرة الاعتذار، ميقاتي، الباهظ الثمن سياسيًا وأمنيًا وهذا ما دفعه للتروي، بحسب مقرّبين، والتموضع ما بين التكليف والإعتذار، بانتظار الحل المنشود. الاعتذار المكلف كان نقطة بحث في الداخل والخارج، وقد تمنت فرنسا على ميقاتي عدم أخذ هذا الخيار، فيما حذّر ثنائي “أمل” و”حزب الله” من تبعات الانفجار الداخلي على كافة الصُعد في حال اتخذ الرئيس المكلّف مثل هذا القرار.
حزب الله، الذي سبق وعبّر أمينه العام السيد حسن نصر الله عن استياء مبطن “أما آن للنقاش في الحقائب الوزارية أن ينتهي؟” لا ينفك يُرسل إشارات التسهيل لولادة حكومية ميسّرة، ويرفض التسليم للعقد الصادرة من بعض الأطراف.
بدوره دعا رئيس المجلس النيابي نبيه بري، خلال كلمته السنوية لإحياء ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه، إلى “الإسراع بتشكيل حكومة خلال هذا الأسبوع كحدّ أقصى، لتحرير اللبنانيين من طوابير الذل، والتحضير لإجراء انتخابات نيابية”، معتبراً أن “لدى جميع الأطراف فرصة للنظر في قانون عصري خارج القيد الطائفي وفقاً للنظام النسبي وتأسيس مجلس شيوخ”.
في القصر الجمهوري ثمّة إصرار على طلب تأمين الضمانات الوزارية، لا الثلث المعطّل، في الحكومة المنتظرة، هذه الضمانات التي لا تجعل من الحكومة “معادية” للرئاسة في السنة الأخيرة من عمر العهد. ولا يبدو أن هناك أي اتجاه للتنازل عن هذا المعيار، بالنسبة للرئاسة التي تتعرّض لأسوأ حملة مناهضة لا تقل عن “الحصار”، بحسب توصيف الفريق الرئاسي.
حكومة أم لا حكومة؟ ينام اللبنانيون ويصحون، على هذا السؤال لاستشراف لحظة أمل تنتشلهم من طوابير الذل الممتدة على مساحة كيلومترات لبنان العشرة آلاف ونيف. ولكن رغم ذلك لا يزال المزاج السياسي يلهو باعتبارات أحجام وحصص وقوة حكامه، ولا تقدّم ملموس يشي بانفراج مرتقب وكذلك لا موعد مرتقبًا للرئيس المكلَّف في قصر بعبدا.
رانيا برو