حسابات الانتخابات ومفاجآت التحالفات
لا مصلحة لأي فريق سياسي بأن يتولى زمام السلطة، عبر المشاركة في الحكومة، في زمن الغلاء وتدهور قيمة اللّيرة وطحن الاقتصاد وفقر الناس، والأخطر أنّ الحكومة العتيدة ستضطر لاتخاذ قرارات قاسية تزيد من آلام المواطنين، مثل رفع الضرائب وتنفيذ إجراءات يطالب بها صندوق النقد الدولي كممر إجباري لمؤازرة لبنان. لذا، تحاول قوى سياسية، كحزب “القوّات” الهروب من المسؤولية والتفرج عن بُعد، لا بل ممارسة دور المعارض، لأنّ تلك القوى تدرك أبعاد وعدم شعبوية القرارات الحكومية الصعبة الآتية.
كان بالإمكان تأليف حكومة منذ أوّل شهر لتكليف سعد الحريري بالمهمّة. حينها، كان المشهد اللّبناني أقل سوءاً مما هو عليه الآن، لكنّه تغيّر حالياً، وباتت رهبة المهمة تفرضها الوقائع المعيشية الخطيرة قبل موعد الانتخابات النيابية ببضعة أشهر، لأنّ قيادة البلد ستكون مكلفة وباهظة الثمن شعبياً: لا مجال لإقناع المواطنين الموجوعين بجدوى الإجراءات الحكومية ولا بوجوب ممارسة الصبر والتقشف.
فهل تعني تلك الإشارة أنّ الحريري الذي استقال من آخر حكوماته لأسباب شعبوية أقل بعشرات المرّات ممّا هي عليه الآن، لن يشكّل حكومة تتلقى الضربات الشعبية القاتلة قبل موعد الانتخابات النيابية؟
سبق وصارح الرئيس المكلّف تأليف الحكومة الروس بأنّه سيقدم اعتذاره بسبب شروط النائب جبران باسيل ومطالب “العهد الرئاسي”. لكنّ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف طلب من الحريري آنذاك التروي وعدم الإقدام على هذه الخطوة. ثم مهّد الحريري لفكرة الاعتذار خلال حديثه في اجتماع المجلس الشرعي الإسلامي في دار الفتوى، عندما استخدم جملة: كل الخيارات واردة. فُهم وقتها أنّ الحريري اتخذ قرار الاعتذار لكنّه يريد وضع ممر اجباري لأيّ بديل منه، يكون بموجبه قرار البديل في بيت الوسط.
بغض النظر عن التباينات بين رئيسي التيارين البرتقالي والأزرق بشأن عملية تأليف الحكومة، فإنّ هناك مقرّبين من الحريري يقولون: ما عادت محرزة. ثم يأتي طرح تأليف “حكومة انتخابات”، أيّ حكومة تشرف على الاستحقاق في مطلع صيف العام المقبل.
اذا تم الاستناد إلى كلام الحريري في دار الفتوى، فإنّه فتح الباب على كلّ الاحتمالات، وأهمها عدم رغبته في تولي مسؤولية تداعيات قرارات الحكومة الموجعة، والتفرغ للانتخابات النيابية في زمن انفتاح “المستقبل” على تحالفات جديدة.
فلنفترض أنّ خيار الانتخابات أولوية حريرية، كما حال القوى السياسية الأخرى. لن يكون “المستقبل” حليف “القوات”، ولا “الوطني الحر”، بل هو سيتحالف مع “المردة” مسيحياً، وتيار “العزم” سنّياً، وشخصيات أخرى في مختلف الدوائر، إضافة إلى الحزب “التقدمي” و “الثنائي الشيعي”. وبما أنّ الموحدين الدروز يسعون إلى لمّ الشمل، فإنّ ضبابية المشهد الانتخابي ستزداد في ظلّ تعدّد تحالفات كل فريق من الموحدين.
لذا، ستحمل التحالفات الانتخابية مفاجآت، ركيزتها أنّ كلاً من “المستقبل” و “الوطني الحر” و “التقدمي” و “التوحيد العربي” و “الديمقراطي” وحركة “النضال اللبناني” و “المردة” والأحزاب التي كانت تنخرط في جبهة “8 آذار”، هم على وفاق مع “الثنائي الشيعي” أو أحد فريقيه، فكيف سيُترجم الأمر في الانتخابات؟ لا بدّ أنّ تحالفات جديدة ستنشأ على أنقاض التموضعات القديمة ركيزتها أنّ “الثنائي الشيعي” حليف القوى جميعها. ستضطر مختلف القوى السياسية، باستثناء “القوات” و “الكتائب” لصياغة تحالفات انتخابية بحسب الخريطة التي يرسمها تحالف “الثنائي” المذكور بحسب الدوائر. ومن هنا بات هاجس الانتخابات هو أولوية سياسية ضمنية لا تولي المسؤولية الحكومية. هل يعني ذلك أنّ تمديد مهام حكومة تصريف الأعمال؟ هناك محاولات جدية تجري بصمت لتذليل العقبات بشأن الوزيرين المسيحيين بما يرضي فريقي النزاع البرتقالي والأزرق. لكنّ الوقائع اللّبنانية الخطيرة تُبعد امكانية وجود نيّة لولادة حكومة جديدة قبل أشهر من موعد الانتخابات النيابية.
عباس ضاهر.