دمشق للبنانيين: اللي فينا مكفينا
مع ان الجيش السوري غادر الاراضي اللبنانية منذ عام 2005 وانسحب معه الدور السياسي السوري الوازن، الا ان بعض خصوم دمشق يتهمونها بأن لها حنين الى تلك الحقبة، وبانها تحاول انتهاز اي فرصة لاستعادة نفوذها في الساحة اللبنانية.
ويترافق هذا الهاجس مع همس في بعض الاروقة السياسية حول احتمال إعادة تلزيم الملف اللبناني لسوريا بعدما أصبح عبئا على الجهات الخارجية التي ورثته.
الا ان الزوار اللبنانيين الى دمشق خلال مرحلة الانتخابات الرئاسية عادوا بانطباعات مغايرة تماما، ويُنقل عن احدهم انه عندما اراد ان يفاتح إحدى الشخصيات السورية الرسمية في الشأن اللبناني ويستمزج رأيها في التطورات المتعلقة به، تفادت إعطاء اي موقف واكتفت بتعليق مقتضب قائلة: “اللي فينا مكفينا.”
هذا التخفظ يؤشر يؤشر بوضوح الى ان دمشق لا تزال ثابتة على معادلة النأي بالنفس عن التفاصيل الداخلية اللبنانية، خصوصا انها مطمئنة الى ان حلفاءها يعتمدون الخيارات الملائمة التي تتناسب مع الخط الاستراتيجي العام وبالتالي لا حاجة لها للتورط مجددا في الوحل اللبناني، خصوصا انها تعطي كل اهتمامها في هذه المرحلة لاولويتين: تحرير الأرض التي لا تزال تحت احتلال الارهاب والأميركيين، ومواجهة مفاعيل الحصار الخارجي وتداعيات الازمة الاقتصادية التي ترهق شريحة كبيرة من الشعب السوري.
اما على مستوى تطورات الإقليم، وتحديدا في ما يخص تجدد الحوار مع السعودية وما رافقه من اجتهادات، ينصح زوار دمشق بتجنب التضخيم او المبالغة في تقدير طبيعة ما يجري على خط دمشق- الرياض منذ فترة، لافتين الى ان الجليد بين العاصمتين قد كسر، لكن من المبكر التبشير بدخولهما فصل “الربيع السياسي.”
وعُلم في هذا الإطار ان الوفد المخابراتي السعودي الذي زار سوريا قبل فترة انما كان في مهمة محددة، يغلب عليها الطابع الامني.
والظاهر ان دمشق ليست حاليا في وارد حرق مراحل الترميم لعلاقتها مع السعودية، مفضلة في هذا المجال اعتماد دبلوماسية الخطوة خطوة، خصوصا انه من المعروف تاريخيا ان الدبلوماسية السورية غالبا ما تأخذ وقتها في النقلة من خانة الى أخرى وهي ليست من النوع الذي يُِعرف بالاستدارة السريعة.
وبهذا المعنى، فإن دمشق ترحب باي انفتاح سعودي عليها وتبدي استعدادها لملاقاة كل ايجابية بمثلها، انما من دون أن تعطي اي إشارة الى انها متلهفة او مستعجلة لاعادة الحرارة والدفء الى العلاقة الثنائية، كيفما اتفق.
والى جانب هذه “الكوة” في جدار القطيعة مع الرياض، يؤكد مطلعون ان تواصلا على المستوى الامني والاستخباري حصل اخيرا بين الأميركيين ودمشق التي ربطت اي تفعيل لهذا الخيط الرفيع بانسحاب الجيش الأميركي من الاراضي السورية التي يحتلها، معتبرة ان هذا الانسحاب هو مدخل الزامي للبحث في اي أمور أخرى.
اما في ما يتعلق بالنظرة الى حركة حماس، فإن عودتها الى سوريا لا تزال تنتظر إعادة بناء الثقة، علما ان القيادة السورية كانت تقف الى جانب غزة في المواجهة الأخيرة على قاعدة انها تدعم كل مقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي بمعزل عن تسميتها.
لكن فتح أبواب دمشق امام “حماس” من جديد يرتبط بحسابات أخرى، لا تخلو من بعض التعقيدات، فيما يؤكد العارفون ان لا عودة لها الى سوريا الا اذا خرجت من عباءة الاخوان المسلمين وحضرت كفصيل للمقاومة، من غير أبعاد اضافية.
وهناك من يستنتج بأن سوريا تتصرف بعد تجاوزها الجزء الأصعب من الحرب على اساس أنها دفعت الثمن الأكبر دفاعا عن محور المقاومة وخياراته، بالتنسيق مع الحلفاء، الأمر الذي يمنحها موقعا متقدما في صفوف المحور وقضاياه، وهذا ما عكسه استقبال الرئيس بشار الأسد لوفد من فصائل المقاومة الفلسطينية بإستثناء “حماس”، قبل مدة قصيرة، بكل ما يحمله الحضور والغياب من رسائل ودلالات.