الرقص فوق مأساتنا ليس بإنجاز!
عُرف اللبناني بحبّه للحياة وقدرته على التأقلم مع كافة الظروف مهما اشتدّت وطأتها، حتى بات مثالًا يُحتذى به في كيفية التغلّب على مصاعب الحياة ومشقّاتها، بروحٍ مرحة وإرادة صلبة قوية تجعله يجتاز تلك الصعاب إلى حين زوالها.
ولكن، حبّه للحياة قد لا يصبّ في مصلحته في بعض الأحيان، وخصوصًا في ظلّ الضائقة المالية والاقتصادية التي يعيشها الشعب اللبناني اليوم، والذلّ الذي يجابهه يوميًا سواء على محطات الوقود أو في الصيدليات أو الأفران أو المحال التجارية والسوبرماركت، أو غيرها من الأماكن التي باتت مشاهد الطوابير فيها تتكرّر باستمرار، وغالبًا ما تشهد مشادات بين المواطنين قد تؤدي أحيانًا إلى سقوط قتلى وجرحى، فداء “كيس حليب مدعوم” أو “ليتر بنزين” أو غير ذلك.
“الفضل” في هذا “الذلّ” الذي نعيشه، يعود طبعًا إلى طبقة سياسية فاسدة و”مسؤولين” استلموا البلد منذ أكثر من 30 سنة، أرجعوه عقودًا إلى الوراء، أفقروا شعبه، هجّروه، فجّروه وذلّوه، لكنهم رغم ذلك يرفضون التنحي عن عرشهم، غير آبهين بمصير الشعب أو الوطن.
لا عتب على هؤلاء إذا رفضوا الإنسحاب، طالما خلفهم فئة ليست بقليلة، قبِلت الذلّ وتأقلمت معه، فئة قدّست الزعماء وصفّقت لهم، وكأنها تشكرهم على ما اقترفت أيديهم -أي الزعماء، لا بل تدفعهم إلى “التنكيل” بالشعب أكثر فأكثر.
خير دليل على ما ذُكر، هو مقطع فيديو نشرته إحدى شركات الإنتاج في الساعات القليلة الماضية على مواقع التواصل الاجتماعي، أظهر الذلّ الذي يعيشه اللبنانيون على محطات الوقود، ولكن الصورة كانت مغايرة تمامًا للواقع الصعب؛ صورة أظهرت وكأن اللبناني مسرور بهذا الواقع ومتأقلم معه، فالضحكة رُسمت على وجه كل من ظهر في الفيديو.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، فشركة الانتاج تلك “استأجرت” فرقة رقص شعبية، رقصت على أوجاع الناس ومأساتهم على وقع أغنية الفنان عاصي الحلاني -المقيم في الإمارات- “قلّن إنك لبناني”، فكانت علامات الفرح والسعادة مسيطرة على الأجواء.
ومن يدري، ربّما عندما أُطفئت الكاميرات عادت الأمور إلى طبيعتها، فاستفاق هؤلاء من غفوتهم وعادوا إلى “التأفّف” والتذمّر و”النق” على ساعات الانتظار الطويلة لتعبئة سياراتهم بالوقود، ولكن ما من كاميرات متوفّرة لتصوّر هذا الواقع الأليم.
حبّك الحقيقي للحياة أيها اللبناني يكون بمطالبتك بعيش كريم ورفضك لكافة أشكال الذلّ التي نعيشها يوميًا؛ يكون بملاحقتك من أفقرك وهجّر أحبابك وسرق أموالك وفجّر مدينتك وتنعّم بحياته على حساب حياتك وسعادتك. حبك للحياة أيها اللبناني لا يكون بـ”الدبكة” على أوجاع شعب بأكمله، أو الرقص فوق مأساته وهمومه. وفقط عندما تنعم بحياة كريمة، يمكنك أن تقول للعالم بأسره من هو اللبناني، وأن تتباهى بحياتك أمام الآخرين؛ أما الآن وبينما البلد يغرق سياسيًا واقتصاديًا وماليًا، فإمّا أن تتحرّك بشكل جدّي ومسؤول وترفض هذا الواقع “المزري”، أو أن تلتزم الصمت بعيدًا عن كل الشعارات الرنّانة.
ياسمين بوذياب