اللبناني لا يأبه للإنهيار حتى الآن.. فلنستفد من حسنات ما نحن فيه!
الإنهيار الحقيقي لم يحدث بعد، ولا شكّ أن مراحله المتعدّدة قد مرّ بعضها على لبنان، ما أدّى إلى ضعف القدرة الشرائية لدى شريحة كبيرة من اللبنانيين؛ لكنّ حقيقة الأمر هي أنّ الإنهيار لم يزل بعيد المنال، طالما أن الأجواء العامة في البلاد لا توحي بذلك.
من المؤكد أن وجود الدعم على السلع الأساسية يقف في وجه هذا الإنهيار ويمنع تسارع التدهور، لكن اعتماد البيوت اللبنانية -بجزء كبير منها- على تحويلات المغتربين، قد ساهم في تخفيف وتيرة الإنهيار بشكل كبير جدًا.
اليوم، وفي ظلّ تأقلم المجتمع اللبناني مع جزءٍ كبيرٍ من هذه الأزمة، يجب على الحكومة المقبلة أن تستفيد من النقاط الإيجابية من هذا الهامش المهم، وأن تعتمد بشكل أساسي على سياسة تشجيع المغتربين على النهوض بالوطن، عبر توسيع الأفق الإنتاجية الوطنية من خلال المغتربين، وبالتالي الضغط على كل ما هو استهلاكي ليتناسب الأمر مع التحوّلات المحلية على المستوى المعيشي لمختلف طبقات المجتمع، ما سيؤدّي حتمًا إلى تحوّلات في الإقتصاد المحلي الوطني وفي معيشة اللبنانيين.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، إذا تقدّم أحد المغتربين في قرية غير بعيدة عن البحر في مشروع استثماري لبناء مصنع لصناعة القطع البلاستيكية، سيكون لديه مكاسب عديدة، أهمّها أنّ هذه السلع مطلوبة بشكل يومي وسعرها تضاعف مع ارتفاع سعر صرف الدولار، ما يعني أنّ المصنع الجديد سيقدّم مردودًا ماديًا بناءً لسعر صرف الدولار المنتج، أي بالتوازي بين الدعم الذي قد تقدّمه السلطة التنفيذية وتكلفة السلعة الإجمالية، ما سيساهم بخلق منتجات وطنية منافسة وغير “مدولرة” كالسلع المستوردة، دون أن ننسى حجم فرص العمل التي قد تنتج عن أي مشروع إنتاجي يتم إطلاقه على المستوى المحلي.
من المؤكد أن هكذا سياسة تحتاج إلى ذهنية صناعية تتناسب مع تطور التكنولوجيا، لكي نستطيع أن نتجنّب الهدر الذي ساد سياسة الدعم العشوائية التي تسير فيها المنظومة الحالية، والتي عملت بشكل كبير على المحسوبيات والثغرات في سياسة الدعم، الأمر الذي حوّل الدعم الإيجابي إلى دعم سلبي، وحوّل أموال المصرف المركزي إلى نقمة على المواطن اللبناني، وكأن حاكم مصرف لبنان يسارع في إغراق الوطن في الإنهيار من خلال هذه السياسة.
إحدى أهم حسنات ما نحن فيه هو الشعور بالأزمة، وبالتالي إمكانية تقديم الحلول من قبل الحكومة الجديدة، مع العلم أننا نواجه نقطة سلبية خطيرة جدًا، تتمثّل في التعايش الذي دخله اللبناني مع الأزمة، ولهذا الأمر تبعات سلبية في المرحلة المقبلة إذا ما لم يتم وقف الإنهيار بشكل سريع، ذلك لأن جزءًا كبيرًا من الطبقة السياسية مستمر في سياسة تضييع الفرص من أمام اللبنانيين، وكأن لبعضهم مصالح شخصية في انهيار البلد بشكل كلّي، ومن المؤكد أن مصالح بعض الفئات الإقليمية تصبّ في هذا الإطار.
الإنهيار لم يحصل حتى الآن وهذه نعمة ربّانية، لذلك قد يكون التصويب نحو عملية الإنقاذ أهم من تضييع الوقت في تقديم طروحات معقّدة من قبل الرئيس المكلّف، وتعقيد رئيس الجمهورية لجميع طروحات الأخير، وبين المعقّد وتعقيده يوجد وطن ينهار، إنقاذه سهل ونحره سهل، وبينهما قضايا عالقة تحتاج إلى حسّ وطني عالٍ، فقط لا غير؛ فلنستفد من حسنات ما نحن فيه، قبل فوات الأوان.
زكريا حمودان