معراب المحطّة السياسيّة الأولى في زيارات البخاري ورسائل في اتّجاهات عدّة
مؤشرات عدة رافقت اللقاء المطوّل في معراب بين رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع والسّفير السّعودي في لبنان وليد البخاري السبت 6 آذار 2021 بمشاركة النائبين ستريدا جعجع وبيار بو عاصي.
فالعلاقة بين المملكة و”القوات” تعود الى ما قبل مرحلة سمير جعجع، وحجر أساسها زيارة مؤسسة “القوات” الرئيس الراحل بشير الجميل في 30 حزيران 1982 والتي دامت حتى 2 تموز تلبية لدعوة رسمية وجهت له لزيارة المملكة عشية ترشّحه لرئاسة الجمهورية.
طبيعة اللقاء الأخير الذي تخطى الإطار الرسمي للإجتماعات مع الدبلوماسيين وترافق مع عشاء في منزل جعجع مؤشر على عمق العلاقة بين الطرفين.
لكن المؤشر الأهم، أنّ معراب هي المحطة السياسة الأولى للسفير السعودي بعد عودته الى بيروت في 7 شباط 2021 التي وضعت حداً للإشاعات والتكهنات جراء غيابه الطويل الذي إستمر ثلاثة أشهر ونيف بعد مغادرته في 2 تشرين الثاني 2020. صحيح أنّ حركة البخاري منذ عودته كانت ناشطة ولكنها اقتصرت على المرجعيات الدينية ونظرائه الدبلوماسيين.
مصدر متابع للعلاقة بين الطرفين أوضح لـ”أحوال” أنه بعد خروج جعحع من سجن وزارة الدفاع في 26 تموز 2005 وفي ظل دور “القوات” كأحد أفرقاء “14 آذار” الرئيسيين ترسخت العلاقة مع دول الخليج العربي وفي طليعتها السعودية. هذه العلاقة التراكمية عبر السنين بين الطرفين أضحت مستدامة وتصاعدية في آن، وعزّزتها عوامل عدة:
أ- ثبات “القوات” في المشروع الإستراتيجي السيادي لـ”14 آذار” وعدم المهادنة مع مشروع “8 آذار” على حساب بناء الدولة.
ب- تعاظم إطارها التنظيمي وتنامي حجمها في اللعبة السياسية اللبنانية حيث نجحت في الإنتخابات النيابية الأخيرة بحصد 15 مقعداً في مجلس النواب فيما تراجع الحجم التمثيلي لباقي افرقاء “14 آذار” وسط تخبّط تنظيمي عند بعضها.
ج- الوضوح في الموقف لدى “القوات” والشفافية في العلاقة إذ لم تجارِ السعودية في أرائها على حساب قناعاتها وقراءتها للمشهد السياسي ولم تبيعها كلاماً معسولاً وتعود عنه. وخير مثال، رفض “القوات” المشاركة في حكومة الرئيس تمام سلام رغم التمنيات السعودية بدخولها في التسوية حينها، كما رفضت مؤخراً تسمية الرئيس سعد الحريري رغم التمنيات الفرنسية وإتصال الرئيس إيمانويل ماكرون بجعجع. لكن الواقعة الأهم، سير “القوات” بترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية رغم رفض الرياض وصوله الى بعبدا إذ كانت أقرب الى طرح الرئيس سعد الحريري النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. النقاشات بين السعودية ومعراب في الملف الرئاسي يومها وإختلاف وجهات النظر وتمسك “القوات” برأيها دفع الرياض الى القول لها “أهل بيروت أدرى بشعبها”.
يضيف المصدر: “أن يختار السفير السعودي أول محطة سياسية له بعد عودته في معراب لا أياً من المقرات الرئاسية الثلاثة أو الرئيس الحريري – الذي لا يزال ينتظر ترتيب موعد له بعد تكليفه في الرياض – أو رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط رسالة واضحة عن مكانة “القوات اللبنانية” لدى السعودية. إنها رسالة ليس فقط لأهل السلطة أو الخصوم بل لحلفاء الأمس في “14 آذار” بأنها على موقفها الذي يتقاطع مع طروحات “القوات اللبنانية” أكان من جهة ضرورة السير بالاصلاحات او التمسك بحكومة أخصائيين مستقلين بعيداً عن مشاركة الاطراف السياسية أو رفض إقامة ربط نزاع مع سلاح “حزب الله”.
في السنوات الماضية، رأى كثر أن السعودية إنكفأت عن المشهد اللبناني. فاعتبر بعض حلفائها أنها تخلت عنهم وتركتهم في نصف الطريق، فيما رأى أخصامها أنها يئست من حلفائها جراء التخبط الذي شهدته قوى “14 آذار” من جهة ومنهمكة في مشاكلها وفي طليعتها الحرب مع الحوثيين في اليمن. إلا ان الوقائع تؤكد مجدداً أن السعودية وإن حدّت من إندفاعتها تجاه الواقع اللبناني إلا أنها لا تستطيع أن تغض الطرف عن بلاد الأرز. موقف البخاري خلال لقائه مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في 17 شباط 2021 من أن “السعودية لن تتخلى عن الشعب اللبناني الشقيق وستبقى داعمة له ولمؤسساته” خير دليل.