الدراما اللبنانية إلى الوراء در
نعيش اليوم على منحدر. كل ما نملكه يسقط. المستقبل، الطموح، الوطن، حتى القيم كلها تنهار في زمن الوباء وفي زمن الفساد. وحده الفن قادر أن يكون رافعتنا، يستر عرينا وإفلاسنا. وحده الفن يؤرشف نبوغنا. فإن سقط سقطنا معه الى غير رجعة. وإن ارتفع بقي لنا زاداً يُعرف أنّنا شعب ذات شأن.
في حين أنّ العالم يشد ركبه باتجاه الفضاء الواسع نحن ما زلنا ننتظر ما يصلنا من هذا العالم. الفن عندنا لا سيما الدراما ما زالت تتهدج وتحبو ولم تصل سن البلوغ بعد، بالرغم من أكوام السنين حولنا كان يجب أن تعلّمنا وتصقل مواهبنا.
وحجة أن هذه الدراما تعبّر عنا وعن واقعنا ونحن نستخلص الأحداث من تاريخنا ليست كافية. فالجمهور اليوم منفتح وخياراته عديدة بوجود نتفليكس والفضائيات المفتوحة والأنترنت. ولم تعد تكفيه هذه الجرار الضئيلة وينابيع العالم بين متناوله.
الدراما صناعة تحتاج امكانيات مادية عالية قد نفتقدها في الوضع الراهن. لكن النص والكتابة لا تحتاج سوى الى ذهن متقد ومبدع ونحن عبر العصور لم نتفوّق إلا بكلمتنا، ولم يكن لنا إبداع سوى نصوصنا، وبقي الأدب والشعر والكتابة نموذجاً يعبّر عنا ويعبر التاريخ ليسجّل هوّيتنا واسمنا. أمّا عن الممثل فهو حاضر وقادر على التعبير بأعلى نبرة وأجمل أداء.
علتنا تكمن في أولئك الذين يريدون أن يغشوا العيون ويفرضوا أعمالاً لا تصل الصفوف الابتدائية في نهج الدراما العالمية. عندما تطل علينا شاشتنا المحلية محملة بأعمال درامية محلية نترقبها بشغف لأنّ أشخاصها حفروا في قلوبنا، ولغتهم خاطبت اعماقنا وأماكن تصويرهم أيقطت وجداننا. لكن المشهدية العامة لبعض هذه الأعمال ليس فقط تغشنا بل تهزأ منا احياناً.
كأن يطالعك مسلسل “هند خانم” من بطولة الكبيرة ورد الخال ومعها يورغو شلهوب أو خالد القيش والذي عرض على شاشة “الجديد”. عمل شد أنفاسه أكثر من 50 حلقة في أبعد الأحوال لا يصلح لأن يكون نصف ما عرض.
هذا التكرار للحوارات والمشاهد العقدة نفسها تتكرر وتتمخّض. تغيب حلقات عن المتابعة وتعود لترى كل شيء في مكانه ولم يفوتك شيء.
هذا الاستسهال وهذه الرغوة الفارغة لا تصلح حتى لتعبئة هواء.
إنّها غربة الفن وضياعه والاستهزاء بنا كمشاهدين. هذا العمل الذي اعطى وجوهاً جديدة ككارين سلامة أو يمنى شري كان لها حضور مفاجئ معسها هذا الرخص والركاكة في العمل وهذه المطمطة التي لا طائل لها ولا مبرر.
في المقابل يطالعك “رصيف الغرباء” على شاشة LBCI يقال إنّ هناك مئة حلقة ستحكي عن كمال ونجاسته ورعونته وإجرامه، دون أن نشهد منه أي موقف انساني.
كمال وسعد بؤرة حثالة تصبغ العمل بمجمله وعلينا تحمّل هذه السلبية فصولاً أن عشنا .أما نديم فعلينا أن ننتظر معه إلى أن يكشف عن نفسه أمام حبيبته روى التي يلتقيها باستمرار.
مئة حلقة سنتحمّل هند خضرة وهي تكرر نفس التعابير والمواقف.
أكثر من نصف المئة مرّ ولم نكتشف حقيقة الرسام “عمار شلق ” ولم نعرف الرابط بين المهربين والخارجين عن القانون واحداث العمل الرئيسي، كل منهم يغرد في جهة دون تواصل أو اتصال وكأن هناك عملين في عمل غربة داخل نفس الاحداث لا تمت الى بعضها بصلة.
هوية هذا الذكاء المصطنع في شد المشاهد وخلق حبكات منفرة. العصب المشدود ليس تشويقاً أن طال بل بات عبء وسقطة.
وليكتمل شريط الوهن بالتساوي على كافة الشاشات المحلية يطل علينا “حادث قلب” على محطة mtv باقة من أهم الممثلين أمضينا حتى الآن سهرات ونحن لم نكتشف حقيقة المجريات، لولا أداء ستيفاني عطالله و كارلوس عازار ومؤخراً كريستين شويري لمات العمل في بدايته.
النص ليس رشيقاً ولا الأحداث مسلية بل منغصة ونحن لا نحتاج تنغيصاً، فحولنا من الكأبة ما يكفي. نحتاج بتلة مفتحة حواراً معزياً. شخصية مسبوكة من وجداننا من مخيلتنا النضرة من حقيقة نريدها سيدة. نريد دراما نتماهى فيها. نصاً يأخذ بقلوبنا. شخصية محورية تكون من طينتنا. شخصية تقوم بما لا نستطيع القيام به.
باختصار راهناً نحن نعاني من مشكلة نص ومشكلة كتابة ومشكلة رخاوة. نحتاج قصة نعرف متى تنتهي قبل أن تبدأ لأن هذا التطويل قاتل للفن ولا يزاد الا الى سلة الإخفاق.