إسرائيل تسّتعد لسيناريو حربٍ بحرية مع حزب الله
لم يَكُن وقع كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الأخير عابراً ويسيراً على الجبهة الداخلية الإسرائيلية. فالمعادلة الجديدة التي أرساها نصرالله في خطابه الأخير تصدّرت واجهة المشهد السياسي والإعلامي الإسرائيلي، وانشغل بكلامه المحلّلون والمعلّقون والخُبراء السياسيّون والعسكريّون، فضلاً عن ظهور تعليقات قيادات إسرائيلية اشعلت مواقع عسكرية وأمنية رفيعة، في تحليل أبعاد الرسائل وترجمتها العملية.
لم يُمرِر السيد نصرالله تهديدات القادة الإسرائليين شبه اليومية ضد لبنان. فردّ بمعادلة اختصرت مشهد الحرب المقبلة مخاطباً بشكلٍ مباشر المجتمع الإسرائيلي: “إذا قصفتم مدنيّين، فسنردّ على مواقعكم العسكرية بين المدنيّين، وإذا قصفتم قرية، فسنردّ على مستوطنة، وإذا قصفتم مدينة، فسنردّ على مدينة، ولا أحد يضمن أنّ الأيام القتالية لن تتدحرج إلى حرب!”.
حطيط: نصرالله قلب المعادلة
فبعدما أفرغ نصرالله مضمون تهديدات رئيس أركان الجيش أفيف كوخافي، دخل وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، على خط الحرب النفسية لمحاولة ترميم التداعيات التي أحدثها كلام الأمين العام لحزب الله على الجبهة الداخلية، وضخ غانتس جُرعة معنوّيات للمستوطنين الذين أُصِيبو بذهولٍ وقلقٍ شديديّن بعد رسائل نصرالله بحسب مصادر متابعة للشأن الإسرائيلي. وتضمن رد غانتس تهديداً للبنان وبأنّ “حزب الله سيدفع ثمناً رهيباً في حال اضطرت إسرائيل للدخول في مواجهة عسكرية مع الأخير”.
يقول الخبير الإستراتيجي العميد أمين حطيط لـ”أحوال” إنّ “المتغيّر في معادلة الصراع بين العدو الإسرائيلي والمقاومة في السنوات الأخيرة هو أنّ الإسرائيليّين لطالما كانوا يُطلِقون التهديدات بشن حربٍ على لبنان في أي وقتٍ ومن دون الـ “إذا الشرطية”، لكن اليوم يُرّفِقون التهديد بـ “إذا” أقدم حزب الله و”إذا” شنّ حزب الله هجمات على إسرائيل. ما يشير إلى أنّ المقاومة استطاعت قلب المعادلة التي تتجسّد بردع العدو عن شن حربٍ على لبنان من دون ردٍ قاسٍ ومؤلم”.
ويضع حطيط كلام وزير الدفاع الإسرائيلي في خانة التعويض عن النكسات المعنوية التي أصابت كيان الاحتلال، جرّاء رد نصرالله الأخير الذي أسقط أهداف وقيمة الحرب النفسية التي أطلقها رئيس الأركان الإسرائيلي”. ويلفت حطيط إلى أنّ “التهديدات الإسرائيلية تأتي في سياق الحرب النفسية واستعراض القوة لإبعاد كأس الحرب المرّ عن إسرائيل. فيما كلام نصرالله جاء كردّ على التهديدات وتثبيت لمعادلات الردع”. وتوقف حطيط عند أهمية نشر الإعلام الحربي للمقاومة فيديو، يُظهر مشاهد عن أهداف في العمق الكيان تضعها المقاومة على لائحة بنك أهدافها في أي حرب مقبلة. وهذا جاء كتأكيد على كلام السيد بأنّ المقاومة قادرة على ضرب العمق الإسرائلي”.
هذا الفيديو أحدث زلزالاً في الشارع الإسرائيلي، بحسب حطيط الذي يوضح بأنّه يعكس اقتداراً إستخباراتياً ومعلوماتياً للمقاومة وامتلاكها وسائل تقنية جوية وعسكرية من طائرات مسيرة وغيرها لكشف مواقع الإحتلال الحيوية واستهدافها في أي وقت”.
ثلاثة أخطار بارزة تهدّد “مناعة إسرائيل”
محلّل الشؤون العبرية في قناة “المنار”، حسن حجازي، يلفت لـ”أحوال” إلى أنّ “خطاب الأمين العام للحزب حظي باهتمام واسع في كيان الاحتلال على مستوى الإعلام والمستوى الرسمي، وطُرِح على بساط البحث في النقاشات داخل قيادة الإحتلال وفي حوارات البرامج السياسية على الهواء مباشرة؛ سيّما خطابه الأخير عن استهداف الجبهة الداخلية الإسرائيلية مقابل استهداف المدنيين في لبنان، وتهديده بأنّ “الداخل الإسرائيلي سيشهد حرباً لم يشهدها في تاريخه”. ويتساءل حجازي عن سبب حجم القلق الذي يسود في أوساط المستوطنين علماً أن نصرالله لم يُهدد بشن حرب على إسرائيل، بل كان يرد على تهديدات القادة العسكريين الإسرائيليين. لكن حجازي يرى أن القلق يظهر لدى مستوطني الشمال من رد الحزب على عملية اغتيال أحد عناصره في سوريا، وبالتالي تدحرجها إلى حرب واسعة النطاق.
3000 صاروخ دقيق يومياً
وأشار حجازي إلى كلام قيادات سابقة في جيش الإحتلال، كرئيس شعبة الإستخبارات السابق عاموس يدلين في معهد أبحاث الأمن القومي في كيان العدو الذي يترأّسه يدلين، في تقديره الإستراتيجي السنوي للعام 2021. فقد أدرج الأزمة الداخلية باعتبارها أحد ثلاثة أخطار بارزة تهدّد ما وصفها بمناعة “إسرائيل”. فيما أشار مفوّض شكاوى الجنود السابق في جيش العدو، اللواء احتياط إسحاق بريك، في مقابلة مع القناة السابعة العبرية، الى أنّ إسرائيل تواجه تهديداً وجودياً مع 150 ألف صاروخ لدى حزب الله، المئات منها دقيقاً، وما ليس دقيقاً يستطيع أن يحمل عشرات الكيلوغرامات من المواد المتفجرة، وهذه الصواريخ تصل إلى أي نقطة في إسرائيل”.
ووصف بريك هذا الوضع بالأمر الفظيع، حيث أنه حتى لو كان لدى حزب الله بضع مئات من الصواريخ الدقيقة فقط، فهو كافٍ لاغراق “إسرائيل” في الظلام لسنوات طويلة. وبحسب بريك، فإنّ “السيناريو الذي يجري الحديث عنه في المؤسسة الأمنية هو 3000 صاروخ في اليوم”.
ويشير خبراء في الشأن العسكري لـ”أحوال” إلى أنّ “جيش الاحتلال والجبهة الداخلية غير مؤهلين لحرب قد تمتد لأشهر مع مئات الصواريخ يومياً تصيب أهداف حيوية كالكهرباء والمياه والاتصالات وغيرها، ما يدفع بالمستوطنين إلى الضغط على قيادتهم السياسية والعسكرية بعدم الذهاب إلى خيار الحرب تجنباً للتداعيات الكارثية”.
ووفق معلومات “أحوال”، فإنّ أغلب المسؤولين الأمميّين الأميركيّين والأوروبيّين طرحوا خلال لقاءاتهم والمفاوضات مع الرؤساء والمسؤولين اللبنانيين، مسألة الصواريخ الدقيقة التي يملكها حزب الله وما إذا كان يملكها فقط أم لديه مصنعاً لصناعتها. إلا أنهم لم يحصلوا على جواب شافٍ.
سيناريو الحرب مع حزب الله
الأخطار القادمة من الجبهة الشمالية لم تقّتصر على الصواريخ الدقيقة وضرب الأهداف في قلب الكيان؛ بل توسّعت لتشمل الحدود البحرية مع لبنان. هذا ما كشفه الخبير العسكري الإسرائيلي شاي روبين في مقاله بصحيفة “معاريف”. وقال إنّ “جهاز الإستخبارات العسكرية الإسرائيلية-أمان، يقدّر أنّ حزب الله يستعد لأيام من القتال مع إسرائيل، والجيش يدرك أنّ الحزب قد يهاجمه عبر البحر المتوسط من خلال ضرب السفن، واقتحام الغواصات، وحتى محاصرة الطائرات بدون طيار، ما يحفّز سلاح البحرية الإسرائيلية للاستعداد لمواجهة تهديدات الحزب البحرية”. ويضيف الخبير: “إنّ التهديدات القادمة هذه المرة من البحر قد تكون مغايرة لسابقاتها، وهذا بالضبط سبب عقد الجيش الإسرائيلي دورة تدريبية هذا الأسبوع تحاكي سيناريوهات متطرّفة ومعارك شديدة الكثافة، خاصة السرب 914 في سلاح البحرية، المسؤول عن أمن القطاع الشمالي من رأس الناقورة شمالا إلى إيلات جنوباً”.
ويشير الخبراء إلى “أحوال”، أنّ “المقاومة بنت في السنوات الأخيرة استراتيجية دفاعية وهجومية لردع أي تقدم أو هجوم إسرائيلي من البحر عبر الغواصات لقطع الطريق على طول الساحل اللبناني كما حصل في عدوان تموز 2006”. وأكد الخبراء على تمكّن المقاومة من ضرب بارجة إسرائيلة كانت تقصف المدن والقرى اللبنانية وبالتالي إسقاط السلاح البحري من المعادلة؛ مضيفين أنّ “المقاومة طوّرت هذه القدرات بشكل كبير، ما يمكّنها من استهداف أي بارجة على طول البحر المواجه للجنوب اللبناني”.
محمد حمية