لماذا أُقصِي فادي صوّان ومن القاضيان المرشحان لخلافته؟
أهالي ضحايا الانفجار يحتجون على قرار محكمة التمييز الجزائية
منذ بدء التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت، لم يجد اللّبنانيون غير التخبّط والإلتهاء بالمسؤولية المعنوية لرجال السياسة، بدل النظر في المسار الحقيقي لشحنة الموت وأسباب إهمالها في بيروت ومن هو المالك الحقيقي لنيترات الأمونيوم القاتلة.
التحقيق حلّق في فضاء معاكس لتحقيق العدالة وإظهار الحقيقة وطار معه اليوم المحقق العدلي القاضي فادي صوّان، فيما ملف التحقيق بجريمة المرفأ سيُحفظ في أحد جوارير القضاة حتى تعيين قاضٍ آخر. ومن سيكون القاضي “المغوار” المقبل؟ ليس معروفًا بعد..
القضاء يُخرج نفسه من النفق الذي أدخلته فيه عشوائية الأخطاء القانونية الجسيمة، التي ارتُكبت في ملف التحقيقات في تفجير المرفأ. فقد قرّرت محكمة التمييز الجزائية برئاسة القاضي جمال الحجار نقل ملف التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت من يد القاضي صوان إلى قاض آخر.
دعوى “الارتياب المشروع”
وبعد جدل طويل استمر منذ بدء التوقيفات والاستدعاءات، وافقت محكمة التمييز على قبول دعوى “الارتياب المشروع” المُقدَّم من الوزيرين علي حسن خليل وغازي زعيتر شكلًا، وفي الأساس قبول طلب نقل الدعوى من صوان إلى قاضٍ آخر على أن يُعيّن القاضي الجديد وفقًا لنص المادة 360 من أصول المحاكمات. وتشير المعلومات إلى أنّ قرار المحكمة التمييزية برئاسة القاضي جمال الحجار قد اتّخذ رغم مخالفة عضو الهيئة القاضي فادي العريضي لهذا القرار.
وعليه يكون القرار اتُّخذ بموافقة الرئيس وواحد من الأعضاء ومخالفة الثاني (محكمة التمييز مؤلفة من ٣ أشخاص، الرئيس ومستشارين إثنين).
وتنصُّ المادة 360، على التالي: “يتولى النائب العام التمييزي أو من ينوب عنه من المحامين العامين لدى النيابة العامة التمييزية مهام تحريك الدعوى العامة واستعمالها، يتولى التحقيق قاض يعيّنه وزير العدل بناء على موافقة مجلس القضاء الأعلى”.
وحسب قرار محكمة التمييز إنّ أهمّ سببين لتنحية القاضي صوّان، هما:
الأوّل: مصلحة شخصيّة، فمنزل القاضي صوّان متضرّر من الانفجار في منطقة الأشرفية، “مما يجعله متضرّرًا شخصيًا ويمنعه من الحكم في الدعوى بغير ميل عاطفي، ويؤدي إلى انعدام الحيادية في تعاطيه مع إجراءات الملف، الأمر الذي يوجب نقل الدعوى”.
الثاني: جوابه غير القانوني لمحكمة التمييز (ما رح أوقف عند أي حصانة..)، والذي جاء ردًّا على كتاب الرد، وعن عدم مُراعاته للأصول الدستورية والقانونية في ملاحقة النواب والمحامين الأمر الذي أشار إليه رئيس مجلس النواب نبيه برّي يوم تلقيه كتاب صوان بخط اليد، فالصلاحية الدستورية بالاتهام للوزراء والنواب تعود إلى المجلس النيابي.
هرطقات صوان
الخطوة القضائية كانت متوقعة منذ أن اتخذت التحقيقات والادّعاءات مسارًا محرجًا للقضاء اللّبناني. ومنذ ادعاء المحقق العدلي على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب والوزراء السابقين الثلاثة يوسف فنيانوس وعلي حسن خليل وغازي زعيتر، توّرط القضاء في ارتدادات خاطئة وسلبية أرهقت سمعته وأفسدت ثقة المجتمع اللبناني بالجسم القضائي، المشكوك في مصداقية جزء منه أصلًا.
وإن كانت خطوة صوّان تُعد جرأةً في الادّعاء على مسؤولين كبار بطريقة لم يشهد عليها اللّبنانيون، إلّا أن هذه الجرأة بقيت غير محسوبة ولا تستند لموجبات قانونية. وتبقى خطوة منقوصة قانونًا، طالما أنّها اقتصرت عليهم. فهي لم تشمل وزراء آخرين في حكومة دياب، كما لم تشمل رؤساء حكومات سبقوا رئيس الوزراء الحالي.
الادّعاء على هؤلاء بخلاف غيرهم من الوزراء والمسؤولين أثار ارتيابًا وسيلًا من الأسئلة. من نصح صوّان بانتقاء أشخاص دون غيرهم؟ ومن أقنعه أنّه يمكن مراسلة المجلس النيابي لاستجواب نوابًا ووزراءً وهو أمر بغير اختصاصه؟ وعلام تستند هذه الاستنسابية. وهل تناهى إلى عقله أنّ هذه الاستنسابية ستقوده إلى كشف المسار الفعلي لوصول شحنة “نيترات الأمونيوم” وسبّبت الانفجار الكبير الذي دمّر بيروت؟.
الغريب أنّ القاضي صوّان تعمّد من تلقاء نفسه تسريب خبر ادّعائه على هؤلاء الأربعة فقط أيّ دياب وزعيتر وخليل وفنيانوس، فيما كان قد ادّعى على مدير عام أمن الدولة اللّواء طوني صليبا، لكنّه أغفل تسريبه إلى الإعلام، بينما الحيادية والموضوعية تقتضي ذكره معهم ما دامت نيّة التسريب والنشر واستقطاب الرأي العام موجودة.
صوّان الذي أسكرته الخطوة الجريئة وعمل على تسريبها، يومها للإعلام لتقديم دليل على الإنجاز الكبير، لم يذكر يومها في تسريباته أنّه ادّعى على مدير عام أمن الدولة طوني صليبا، بل أغفل ذكره وأبقاه طيّ الكتمان وكأنّ هناك استهدافًا سياسيًا لشخصيات دون أخرى! والملف الفاجعة لا يحتمل التسييس بل التدقيق في الحقائق.
وترى مصادر مطّلعة على الملف أنه الأجدى حلّ لغز وصول سفينة “روسوس” والجهة التي تقف وراءها وكيف أهملتها في مرفأ بيروت بحمولتها المتفجرة من نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت. وكيف تُركت في مستودع العنبر رقم 12 ست سنوات ونيف”.
وتكرّ الأسئلة من هذه النقطة حول طريقة حصول الانفجار، وعدم متابعة قيادتي الجيش في عهد العماد جان قهوجي والعماد جوزيف عون نقل المواد الخطرة والتخلّص منها وفق قانون الأسلحة والذخائر.
ورغم استجواب قهوجي لنحو ساعة إلّا أن القاضي لم يقدم على أي خطوة بالادعاء عليه على غرار الآخرين وهو كان يعلم بوجود الشحنة، كما لم يتم متابعة مسؤولية الجيش بالتحقيق عبر استدعاء القيادة الحالية.
ومن الخطوات غير المحسوبة كان الادّعاء على الضباط الأربعة والموظفين المتقاعدين والحاليين في وزارة الأشغال والمديرية العامة للجمارك ومواطنين آخرين وتوقيفهم منذ أكثر من ستّة أشهر، وإبقائهم دون وجود أسباب قانونية قيد التوقيف الاحتياطي.
والموقوفون هم: الضباط داوود فياض وشربل فواز وجوزف الندّاف ورئيس المرفأ محمد المولى والمهندسة نائلة الحاج، والمدير العام للنقل البحري عبد الحفيظ القيسي الذي أجرى عددًا كبيرًا من المراسلات بشأن الشحنة.
بعد انقطاع عن القيام بأي تدبير أو تحقيق، منذ دعوى الارتياب، التي رفعها كل من خليل وزعيتر، عاد القاضي صوّان إلى التحقيق في قضيّة تفجير المرفأ لكنّه انتقى التحقيق مع وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس دون غيره، فأين دياب وصليبا ما دام قد ادّعى عليهم؟ ولمَ تسريب خبر إصدار مذكرة توقيف بحق فنيانوس لأنّه لم يمتثل للتحقيق؟ علمًا أنّها إجراء غير مسنود قانونيًا ولا يمكن إصدار مذكرة توقيف قبل موعد التحقيق!.
قرار وقف يد صوّان إن كان صائبًا أم لا، لا يُثلج قلب أهالي الشهداء الذين أنهكوا تحت ألم الفاجعة وزاد الاستهتار القضائي والسياسي من فجيعتهم. وبعد صدور القرار، نفّذ عددٌ من أهالي ضحايا تفجير مرفأ بيروت وقفة احتجاجية تحذيرية أمام مبنى قصر العدل في بيروت، رفضًا لقبول نقل ملف التحقيق بالانفجار من القاضي فادي صوان إلى قاض آخر.
احتجاج الأهالي
“وتحت شعار “عدم تمييع وتأجيل وتسييس التحقيقات، وإلى ضرورة كشف الحقيقة بأسرع وقت”، رفض الأهالي المكلومون “محاولات إرجاعهم إلى نقطة الصفر في موضوع التحقيقات”، معتبرين أنّ “التدخلات السياسية لعبت دورًا كبيرًا فيما حصل”، ومؤكدين أنّهم “لن يصمتوا على ما يجري وسيصعدّون تحركاتهم”.
مع قرار محكمة التمييز بنقل تحقيقات انفجار مرفأ بيروت من القاضي صوان إلى قاض آخر فإنّ البحث سيجري عن قاضٍ جديد، وبحسب القانون فإنّ تعيين محقق عدلي جديد لا يحتاج إلى مجلس الوزراء وإنّما اقتراح من وزيرة العدل وموافقة مجلس القضاء الأعلى.
من سيخلف صوّان؟
قاضيان في دائرة الترشيح لخلافة المحقّق العدلي وهما يَحظيان بثقة واسعة من قِبل أعضاء مجلس القضاء الأعلى، وهما، قاضي التحقيق الأوّل في الشمال سمرندا نصار ومفوّض الحكومة المعُاون لدى المحكمة العسكرية القاضي كلود غانم.
ما يجري في التحقيق في تفجير المرفأ لا ينبئ بأنّ حقيقة ستُكتشَف وبأنّ مسؤوليات ستُحمّل لمرتكبين. فحتّى اليوم، لم يُظهر المحقق العدلي أداءً يوازي خطورة الجريمة التي ارتُكِبت.
والقوى السياسية الطائفية التي عيّنت قضاة مجلس القضاء الأاعلى منشغلة بالبحث عن قاض يناسبها للتحقيق في انفجار المرفأ ليستبدل القاضي صوان. القاضي صوان لم ينجح تمامًا بما قد توقعوه منه. أمّا تحقيق العدالة فطريق طويل ويبعد يومًا بعد يوم ولا عزاء للضحايا.
رانيا برو