
في تحول دراماتيكي يعيد رسم خارطة الأمن القومي للقارة العجوز ، لم تعد “طبول الحرب” مجرد استعارة بلاغية ، بل تحولت إلى خطط عمل ميدانية فوق طاولات هيئة الأركان في لندن وباريس.
التعبئة العامة: من الدبلوماسية إلى الميدان
كسر قائد القوات المسلحة البريطانية، ريتشارد نايتن، عقوداً من الركون إلى “السلام البارد”، معلناً صراحةً توجه بلاده نحو “التعبئة الشاملة”.
هذا الإعلان ، الذي يمثل ذروة الاستنفار العسكري ، لا يعني فقط تحريك الجيوش ، بل تهيئة المجتمع والموارد البشرية والمادية لصدامٍ يراه القادة العسكريون “حتمياً” ولا يشبه في شراسته الحربين العالميتين السابقتين، خاصة مع دخول السلاح النووي في معادلة الردع الحالية.
على المقلب الآخر، لم يكن الموقف الفرنسي أقل حدة ؛ إذ أكد رئيس أركان الجيش الفرنسي جاهزية بلاده للدخول في حالة الاستعداد القصوى ، مما يعكس وحدة المسار والمصير بين ضفتي القنال (بحر المانش) الإنجليزي في مواجهة الأخطار المحدقة بحدود أوروبا الشرقية.
يرى مراقبون أن هذا التزامن في الخطاب العسكري البريطاني – الفرنسي ليس وليد الصدفة ، بل هو استجابة لثلاثة دوافع استراتيجية:
كسر حاجز الأمان: انهيار التوازنات التقليدية على حدود أوروبا الشرقية جعل خطر المواجهة المباشرة حقيقة واقعة.
الردع الاستباقي: توجيه رسالة حازمة للخصوم بأن القوى الكبرى في القارة مستعدة لتجنيد كافة مواردها للدفاع عن سيادتها.
تهيئة الرأي العام: تحضير الشعوب الأوروبية لتبعات اقتصادية وسياسية قاسية، تتصدرها زيادة الإنفاق العسكري على حساب الرفاه التقليدي.
انعطافة تاريخية
إن أوروبا التي استنزفت موارد العالم لقرون لبناء رخائها، تجد نفسها اليوم مجبرة على مواجهة “صفيح ساخن” يهدد مستقبلها الوجودي.
دعوات التعبئة ليست مجرد تصريحات، بل هي مؤشر لولادة نظام عالمي جديد، يضع القارة العجوز أمام اختبار تاريخي : هل ستتمكن من احتواء الانفجار القادم، أم أن “الزاب” الجيوسياسي الجديد سيكتب نهاية حقبة الاستقرار الأوروبي؟
خلاصة القول : إن العالم يراقب اليوم قادة أوروبا وهم يطوون صفحة “الدبلوماسية الناعمة” ليفتحوا سجلات “التعبئة الشاملة”، في انتظار ما ستسفر عنه الأيام القادمة من مواجهات قد تغير وجه التاريخ.


