الفصل السابع بطريق التنفيذ: هذه المرة ليست ككل مرة

في المشهد السوري المعقد، حيث تتداخل الدماء مع السياسة، تتكرر الجرائم وتُردد عبارات الإدانة حتى أصبحت أشبه بطقس مألوف. لكن بعض الجرائم تحمل في طياتها بذور العاصفة، وتضع سلطة الجولاني أمام اختبار وجودي مختلف. هذه المرة ليست ككل مرة.
فجأة، انفجر السكون بجريمة بشعة ذهب ضحيتها سيدة ورجل من عائلة سنية، لُطخت جدران المكان بعبارات لها دلالات طائفية واضحة. وكالعادة، تدانت الأصوات الرسمية الجريمة، محاولة احتواء الغضب المشروع لأهل الضحايا.
ولكن هذه المرة ليست ككل مرة.
فبينما نكتب هذه السطور، تتلقى غرف الأخبار تصريحاً عاجلاً من قناة سكاي نيوز يفيد بأن قبيلة بني خالد تقوم بنصب “خيمة حرب” في سهل الغاب بريف حماة، وسط توافد العشرات من المسلحين إلى الموقع وتصاعد المطالبات بالثأر. هذا التصعيد الخطير يثير مخاوف حقيقية من توسع دوائر العنف خارج نطاق حمص، ويدق ناقوس الخطر باندلاع مواجهات عشائرية – طائفية شاملة قد تستهدف الطائفة العلوية في مناطق متفرقة، في مشهد يذكر بأسوأ أيام الحرب.
هذه المرة، سلطة الجولاني تحت المجهر بشكل غير مسبوق. في أروقة الأمم المتحدة، وعلى طاولة مجلس الأمن، يُناقش قرار دولي جديد بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. والمعلوم من مصادر دبلوماسية أن هذا القرار لن يستهدف فقط سلطة الجولاني، بل سيمتد ليضرب في عمق تشكيلاتها المسلحة الخارجة عن السيطرة أيضاً.
فـ “الفصل السابع سوف ينفذ على حكومة الجولاني”، حيث يتم التداول بشكل جدي لإرجاع اسم زعيمها أبو محمد الجولاني إلى قوائم الإرهاب الدولية، وفرض عقوبات مشددة على كيانه، باعتباره طرفاً أساسياً في فشل منظومة الأمن والاستقرار.
القرار الذي قد يُطرح للتصويت قريباً، يحمل في ثناياه أسئلة مصيرية تضع أداء السلطة في موضع الاتهام المباشر:
· هل استطاعت السلطة حماية المدنيين؟
· هل ضبطت ردود الفعل ومنعت الانزلاق إلى الفوضى؟
· هل منعت عمليات الانتقام الجماعي؟
· هل حاسبت الجناة الحقيقيين بسرعة وشفافية؟
الواقع على الأرض يجيب عن هذه الأسئلة بطريقة مأساوية. فبدلاً من أن تبقى الجريمة الفردية البشعة في إطارها الجنائي، تحولت في ساعات إلى هجوم جماعي مُنظم استهدف منطقة سكنية لعائلات علوية. مشاهد التفلت العشائري، وانتشار السلاح غير المنضبط، والفوضى الأمنية المُتعمدة، والتعبئة المذهبية على وسائل التواصل، كلها رسمت صورةً لسلطة عاجزة، أو ربما متواطئة.
الدولة – أي دولة – تحاسب الفرد، لا الطائفة. هذا هو أساس العقد الاجتماعي. لكن ما حدث هو العكس تماماً: عقاب جماعي وتحويل جريمة فردية إلى صراع هويات.
هنا لا يهم المجتمع الدولي من بدأ المشكلة. لن تقول وثائق الأمم المتحدة: “بدأت الأزمة بجريمة ضد عائلة سنية”. ما سترصده وتؤكده هو: “السلطة فشلت في السيطرة على قواتها والفصائل المتحالفة معها، وفشلت فشلاً ذريعاً في إدارة الملف الطائفي والحيلولة دون تصاعده.”

هذا الفشل هو البوابة الذهبية التي سيعبر منها القرار الدولي. وهو ما سيؤدي مباشرة إلى اتهام السلطة بعدم الوفاء بالتزاماتها بموجب القرارات الدولية السابقة، مثل القرار 2799، ما يفتح الباب أمام تحرك دولي مضاد. لن تكون الإدانة فقط، بل ستبدأ المطالبات العملية:
· آليات رقابة دولية مباشرة.
· نشر قوات دولية لفصل المتحاربين أو قوات مراقبة.
· تعزيز دور التحالف الدولي كضامن وحيد للأمن.
· بل وربما إعادة فتح ملف “إدارة انتقالية موسعة” تُسحب فيها صلاحيات واسعة من السلطة الحالية.
الحجة ستكون واضحة ومدوية: السلطة لا تسيطر على الوضع، وهي عاجزة عن حماية شعبها من نفسه.
وفي لحظة فارقة، يأتي بيان “التحالف الديمقراطي الكردي – العلوي – الدرزي – المسيحي” ليسجل موقفاً تاريخياً ويعطي الشرعية المحلية لهذا التوجه الدولي. ففي ظل “تصاعد الانتهاكات وازدياد المخاطر… وبسبب العجز الدولي عن حماية المدنيين”، يعلن التحالف مطالب واضحة لا لبس فيها:
“نطالب بنشر قوات دولية محايدة، غير عربية أو إسلامية، تحت إشراف الأمم المتحدة، لحماية المدنيين ومنع أي اعتداءات أو عمليات تهجير قسري… ندعو إلى وضع سوريا تحت وصاية دولية مؤقتة لإيقاف النزيف، وحماية المواطنين، وتهيئة الظروف لمرحلة انتقال سياسي حقيقي.”

هذا البيان ليس مجرد بيان عادي؛ إنه صفعة سياسية ودليل إدانة من داخِل المكونات الأساسية التي طالما شكلت جزءاً من نسيج سوريا أو مناطق نفوذها. هو اعتراف بأن الدولة لم تعد قادرة على حماية مواطنيها، ونداء استغاثة للمجتمع الدولي ليتحمل مسؤوليته.
الرسالة وصلت. الفصل السابع لم يعد تهديداً بعيداً، بل هو في طريق التنفيذ. والسلطة، التي اعتادت على لعبة الإدانة ثم الانتظار، تجد نفسها في موقف لا تحسد عليه: إما أن تثبت أنها “دولة” قادرة على فرض القانون وحماية الجميع دون تمييز، أو أن تترك الساحة لقوى دولية ستفعل ذلك نيابة عنها، وسيكون الثمن السياسي هو فقدان ما تبقى من سيادتها. الخيارات ضيقة، والوقت يدق ساعة الحسم.



