مفاجأة الانتخابات القادمة: الناس في مواجة التسلط وحاصبيا نموذجاً

كتب رئيس تحرير موقع الثائر اكرم كمال سريوي
تداولت الصحف خبراً، مفاده أن اجتماعاً حصل بين الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ورئيس الحزب الديمقراطي طلال أرسلان، اتفقا خلاله على ترشيح مروان خير الدين، عن المقعد الدرزي النيابي في حاصبيا.
في الانتخابات السابقة حصل الأمر عينه تقريباً، لكن أهالي حاصبيا كما عدة مناطق أخرى في لبنان، رفضوا أن يُعيّن نائباً عنهم، وقرر القسم الأكبر منهم، الاقتراع عكس رغبة الزعيمين التقليديين للدروز.
قبيل الانتخابات الماضية كان مروان خير الدين يتصرف وكأن الأمر بات محسوماً، وأنه أصبح فعلاً نائباً للمنطقة، وليس بحاجة إلى رضا الناخبين أو إلى أصواتهم.
لم أكن يومها أعرف فراس حمدان، مثلي مثل الكثيرين من أهالي منطقة حاصبيا، والتقيته صدفة يوم الانتخابات، وحتى الآن ما زلت لا اعرفه سوى من بعض اطلالاته الاعلامية، وكان فراس شاباً نشيطاً ومحامياً متواضعاً، شارك في مظاهرات ثورة 17 تشرين، وكان مؤمنا بصدق بحاجة لبنان إلى ثورة وتغيير.
تلك الثورة التي انطلقت احتجاجاً على فرض الحكومة ضريبة 5 سنت على الواتس اب، ثم سقطت الثورة واختفى رموزها وكأنها لم تكن، رغم أن رواتب الموظفين انهارت لتصبح حوالي 15% فقط من قيمتها يوم انطلاق الثورة.
لا شك أن شباب لبنان كان وما زال توّاقاً إلى إحداث تغيير حقيقي، لكن ما لم يدركه غالبية المشاركين في الاحتجاجات، أن التغيير الحقيقي يحتاج إلى؛ تنضيم، وبرامج، واحزاب، وأن تنطلق الثورة من الارادة الوطنية الجامعة، ويقودها لبنانيون، لا تحركهم السفارات وتموّل مشاريعهم الشخصية، بل قادة يحملون في قلوبهم وعقولهم مصلحة الوطن والمواطن.
لا شك أنه جرى التلاعب بمشاعر اللبنانيين، وتم استغلال نقمتهم على الفساد ونظام الحكم السائد، كما حصل في كل مظاهرات الربيع العربي، التي تبين لاحقاً أنها تحرّكت بأوامر خارجية، خدمةً لمشروع تفتيت دول المنطقة، التي راحت تتهاوى مؤسساتها، لتتحول إلى دول فاشلة.

لا نتّهم الغرب بصناعة؛ الفساد، والظلم، والجهل، والبطالة، وسياسة التفرقة والضغائن المذهبية والطائفية في دولنا، فهذا كله صناعة محلية، استثمر فيها الغرب لتمرير مشاريعه وتحقيق مصالحه.
يتحدّث وينتقد زعماء الاحزاب اللبنانية الانظمة الشمولية، وهم يمارسون الدكتاتورية والشمولية داخل أحزابهم وطوائفهم، بابشع الأشكال وأسوأ الطرق.
ولقد حولوا المراكز الوزارية والنيابية إلى سلعة تُعرض للبيع، وبعضهم يفتتح مزاداً علنياً لبيع مقعد نيابي، ومن يدفع أكثر يفوز، والأمثلة على ذلك كثيرة في كل الأحزاب والمذاهب والمناطق.
بالعودة إلى حاصبيا، فلقد تجرّأ فراس حمدان حيث لم يتجرأ الكثيرون من أبناء المنطقة، وترشّح في مواجهة مرشح الزعامات الدرزية والسلطة، وفاز بأصوات الناخبين، الذين بغالبيته كانوا ناقمين على الاسلوب، الذي اتبعه جنبلاط وأرسلان ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، في تقرير من ينوب عن حاصبيا، دون الالتفات إلى رأي ورغبة الناس.
في عام 1983 في احتفال بسيط في ثانوية حاصبيا، وفي كلمة لي باسم الطلاب قلت: “أن الدولة اللبنانية تخلّت لسنوات عن المنطقة، وحولتها إلى فتح لاند مستباحة، لكن حاصبيا لم تتخلَ عن الدولة والوطن. لقد باعوا حاصبيا باسم القضية، فسقط الوطن في آتون الحرب، ثم بعد أن سقط الوطن باعوا القضية.”
عندما تسمع اليوم كلمة “قرر الزعيم” أو “اتفق الزعيمان على ترشيح فلان، وهو بالاصح تعيين فلان، لا بد أن تشعر كمواطن لبناني بالإهانة، وأنك حتى أقل من رقم في حسابات هؤلاء الزعماء، الذين ناضلت خلفهم لسنوات، معتقداً أنهم يبحثون عن مصلحة الشعب والوطن، ليتبين لك أن كل ما يهمهم هو مصالحهم الخاصة، والبحث في جيوب الناس، وكل وظيفة في الدولة بات لها ثمن لديهم، فلقد حوّل الزعماء هذه الدولة، إلى اقطاعات سياسية، وجعلوا من الوظائف عطايا ومكرمات، يجودون بها على اتباعهم وأزلامهم، كما كان يجود هارون الرشيد على شعراء البلاط، كلما أحسنوا وبالغوا في مديحه.
بعد إعلان النتائج في الانتخابات السابقة، رفض خير الدين تصديق النتيجة، وأن أهالي حاصبيا فعلاً لهم رأي، وقدّم طعناً في نتائج الانتخابات، لكن المجلس الدستوري ثبّت فوز فراس حمدان، وأكّد هزيمة مروان خير الدين وما مثّل من فوقية في التعاطي مع أهالي منطقته، الذين بالكاد يعرفهم أو يعرفونه، وما زال يريد أصواتهم ولا يريد التعرف اليهم.
هذه المرة المفاجأة لن تأتي فقط من حاصبيا، بل من كل دوائر لبنان، وانتظروا وسترون،وكما قال الرجل الشهير قرّاد بن أجدع للملك النعمان، حيث يُحكى أن الملك النعمان بن المنذر خرج بوماً للصيد، وضلّ طريقه واضطر للمبيت عند رجل من طيء يُدعى حنظلة، فأكرمه الطائي رغم فقره.

بعد فترة، أصاب حنظلة الفقر، فذهب إلى الحيرة، وصُدف أنه يوم غضب النعمان الذي كان يقتل فيه الناس.فأمر النعمان بقتل حنظلة، لكن الأخير طلب مهلة ليُودّع أهله، وكفله رجل يُدعى قراد بن أجدع.
قبل نهاية المهلة بيوم، ظهر حنظلة مجدداً بين يدي النعمان، فقال له النعمان: “ما الذي حملك على الرجوع بعد إفلاتك”.
فقال قراد حينها: “فإن يك صدرُ هذا اليوم ولّى.. فإنَّ غداً لناظرهِ قريبُ”.
ثم عفا الملك النعمان عن حنظلة تقديراً لوفائه، وبسبب قول قراد، ومن يومها أصبح هذا القول شائعاً يُضرب مثلاً في الصبر والتفاؤل والوفاء، فتفاءلوا بالخير تجدوه، وإن غداً لناظره قريب.



