سياسة

الشرع في البيت الأبيض: رئيس ضعيف في لعبة الكبار

قراءة في زيارة أحمد الشرع إلى واشنطن وانعكاساتها على مستقبل سوريا

إعداد: د. هشام الأعور

أولاً: حدث استثنائي يُخفي خللاً بنيويًا

زيارة أحمد الشرع إلى البيت الأبيض ولقاؤه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم تكن حدثًا دبلوماسيًا عاديًا.
فخلف مشهد الاستقبال الرسمي، يختبئ واقع سياسي هشّ لرئيس مرحلة انتقالية يسعى إلى تثبيت شرعيته عبر الخارج أكثر مما يستمدها من الداخل.
فاللقاء الذي أنهى أكثر من عقد من القطيعة والعقوبات، جاء في توقيت يعكس رغبة واشنطن في إعادة ترتيب أوراقها داخل سوريا من خلال شخصية قابلة للتطويع، لا من خلال حليفٍ متكافئ.

ثانياً: رمزية المكان… رئيس تحت الاختبار

اختيار مبنى إيزنهاور الإداري لعقد اللقاء بدل المدخل الرسمي للبيت الأبيض ليس تفصيلاً بروتوكوليًا.
فالمبنى يُستخدم عادة لاجتماعات “القادة قيد الاعتماد السياسي”، أي أولئك الذين لم تُحسم بعد هويتهم في نظر واشنطن.
الرسالة واضحة: الشرع قيد التجربة — يُختبر ولاؤه، وتُقاس حدود تجاوبه مع المشروع الأميركي في سوريا ما بعد الأسد.

مصادر دبلوماسية أكدت أن اللقاء جرى في أجواء أقرب إلى جلسة تقييم استراتيجي منه إلى استقبال رئاسي، وأن المداولات ركّزت على آليات إعادة توزيع السلطة داخل سوريا وليس على دعم الدولة المركزية كما روّج الإعلام الرسمي السوري.

ثالثاً: رفع العقوبات… ثمن الولاء السياسي

قرار واشنطن رفع جزء من العقوبات المفروضة على دمشق لم يكن مكافأة مجانية.
بل جاء مشروطًا بإعادة هيكلة الاقتصاد السوري وفتحه أمام الشركات الغربية، خصوصًا في مجالات الطاقة والبنية التحتية.
بمعنى آخر، فإن ملف إعادة الإعمار تحوّل إلى أداة مراقبة وضبط سياسي، تُبقي القرار الاقتصادي السوري مرتبطًا بالإرادة الأميركية وشبكة مصالحها الإقليمية.

رابعاً: واشنطن تكتب مسار “الرئيس الضعيف”

تتعامل الإدارة الأميركية مع الشرع بوصفه “الشخصية الانتقالية المناسبة” — أي الرئيس القابل للإدارة الذي يمكن استخدامه لتمرير المرحلة دون تهديد بنية النفوذ الأمريكي.
تراه واشنطن ضمانة لاحتواء النفوذ الإيراني، وواجهة “نظام منضبط” يقدّم الخدمات الأمنية المطلوبة مقابل حماية دولية.
لكن هذا النموذج، وفق مراقبين، ينزع عن الشرع استقلالية القرار ويحوّله إلى أداة تنفيذ داخل منظومة حكم تُدار من الخارج.

خامساً: السويداء وارتداد الفوضى المركزية

في الداخل السوري، برزت السويداء كمؤشر واضح على تآكل السلطة المركزية.
فبعد أحداثها الأخيرة وما رافقها من مواجهات واحتجاجات، خرجت الطائفة الدرزية لتُعلن رفضها العودة إلى دائرة الطاعة العمياء، مطالبةً بـ نمط من الإدارة الذاتية يضمن الأمن المحلي ويحدّ من تغوّل الأجهزة المركزية.
وترافق ذلك مع مطالب مماثلة — وإن متفاوتة — لدى الأكراد في الشمال والعلويين في الساحل، ما يعكس اتساع ظاهرة المناطقية السياسية على حساب الدولة الواحدة.

مصادر في دمشق تعتبر أن واشنطن تستثمر هذا التحول لتكريس نموذج فيدرالي مرن يُقسّم السلطة محليًا ويُبقي القرار الاستراتيجي بيد الخارج، في خطوة قد تُنهي فعليًا مفهوم “الدولة المركزية” التي تأسست عليها الجمهورية السورية الحديثة.

سادساً: من الدولة إلى الوكالة

الوقائع السياسية والميدانية تُشير إلى أن سوريا تتجه تدريجيًا نحو نظام الوكالات المحلية.
الرئيس المرحلي الذي يُفترض أنه يمسك بزمام السلطة، بات عمليًا مجرد نقطة توازن بين القوى الدولية المتنافسة.
ومع تآكل الثقة الشعبية، وانحسار القدرة المركزية على الضبط، تتحول مؤسسات الدولة إلى هياكل رمزية تُدار بالتفاهم مع العواصم الكبرى لا من داخل الحدود الوطنية.

سابعاً: الشرع “وكيل واشنطن في دمشق”

لم تعد زيارة أحمد الشرع إلى واشنطن تُقرأ كبوابة لانفراج سياسي، بل كعلامة على تدشين مرحلة الوصاية الأميركية المباشرة.
فالرجل الذي دخل البيت الأبيض بصفة “رئيس سوريا الجديدة”، خرج منه بصفة الوكيل التنفيذي للمصالح الأمريكية:
يُنفّذ التوجيهات، يلتزم بالحدود، ويُقدَّم للعالم كرئيس، بينما القرار الحقيقي يُصاغ في واشنطن وتل أبيب لا في دمشق.

لقد اختارت الولايات المتحدة أن تصنع رئيسًا على مقاسها، لا حليفًا على قناعتها.
وبينما تنادي الأقليات — وعلى رأسها الدروز في السويداء — بحقها في إدارة شؤونها ذاتيًا بعد عقود من التهميش،
تبدو سوريا اليوم مقسّمة بين رمزية رئاسية هشة وواقع سياسي متشظٍ،
يتحوّل فيه الرئيس إلى وكيل، والدولة إلى ساحة وصاية، والسيادة إلى ذكرى مؤجلة.

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى