سياسة

“مراوح الجولان” تعود بــ”دعوى شخصية”: المتعهد تحت الحرم الديني والاجتماعي

عادت، يوم أمس، قضية “مراوح الجولان” الى التداول العام في الهضبة السورية وفي “أراضي العام 48″، وتسببت بتوتر أجواء القرى الى حدٍ كبير خاصةً بعدما مثل عدد من المشايخ أمام محكمة “كريات شمونة”.

عودة القضية هذه المرة جاءت من زاوية دعوى شخصية تقدم بها أحد متعهدي تركيب هذه التوربينات ضد عدد من مشايخ الجولان، مالكي الأراضي المتضررة ورافضي المشروع، وللمفارقة المؤسفة أن يكون المتعهد، صاحب الدعوى القضائية، من أبناء بلدة جولس ومن أبناء الطائفة الدرزية ويدعى سليمان أبو حسن.

بالأمس شهدت القرى توتراً كبيراً وصل الى حدود التعرض للمدعي والتظاهر أمام المحكمة في كريات شمونة وتطوع عدد كبير من الأهالي للمواجهة ورفض هذا المشروع جملةً وتفصيلاً، ودفع وجهاء الطائفة لإصدار بيان “حرم”، ديني واجتماعي، بحقه لرفضه قبول تسوية ما وسحب الدعوى الشخصية بحق المشايخ.

تاريخ القضية

لا ضير من استعادة تفاصيل تلك القضية التي شغلت الرأي العام سابقاً وشهدت الهضبة على معارك كر وفر بين الأهالي وقوات الاحتلال الاسرائيلي، فما هي القصة؟

  • المراوح: تهجير مقنع تحت غطاء الطاقة المتجددة

يستهدف المشروع بناء عَنَفات “توربينات” هوائية مساحة 3800 دونم من الأراضي الزراعية الخاصة في الجولان، وكان في بدايته يشمل 52 مروحة، قبل أن تخفض الشركة العدد إلى 25 توربينة حصلت على تراخيص من سلطات الاحتلال لإقامتها في المرحلة الأولى.

في العام 2023، اندلعت مواجهات عنيفة بين سكان هضبة الجولان العربي السوري المحتلة والشرطة الإسرائيلية، احتجاجاً على المشروع الذي يصادر الاراضي، وسرعان ما امتدت الاحتجاجات إلى مناطق أخرى في الجليل، ما اضطر رئيس حكومة الإحتلال بنيامين نتنياهو، إلى إعلان تأجيل مؤقت لأعمال البناء.

وبعد الاحتجاجات الواسعة، حاولت الشركة تسويق “تسوية” تقضي بإقامة 8 مراوح فقط في المناطق القريبة من خط وقف إطلاق النار، إلا أن الأهالي رفضوا المقترح رفضاً قاطعاً، معتبرين أن أي قبول جزئي يعني إقراراً بالمشروع الاستعماري بكامله.

تقف وراء تنفيذ المشروع مجموعة “إنرجيكس”، وهي شركة إسرائيلية للطاقة المتجددة، تعمل في الولايات المتحدة الأميركية وبولندا وليتوانيا وإسرائيل، وهي تجسد نموذجاً واضحاً لما يمكن تسميته خصخصة الاستعمار الاستيطاني، وتثبيت السيطرة الإسرائيلية على الأرض والإنسان في الجولان.

  • مخاطر المشروع

يساهم المشروع بتحقيق هدفين:

أولا، الاستحواذ على المزيد من الأراضي تحت غطاء مشاريع التنمية والطاقة النظيفة،

ثانياً، التغلغل في المجتمع المحلي للسكان الأصليين، ومحاولة احتوائهم أو قمع مقاومتهم لفقدان أرضهم.

والهدف الرئيسي واحد: مصادرة الأرض وحشر العرب في أضيق مساحة من الأراضي، وبهذا، يتحول مشروع الطاقة إلى أداة مزدوجة، اقتصادية في ظاهرها، واستعمارية استيطانية في جوهرها، تعيد إنتاج السيطرة الإسرائيلية على الأرض والإنسان في الجولان العربي السوري المحتل.

  • تميّز الجولان

يعيش اليوم نحو 30 ألف مستوطن في الجولان، ويقيمون 35 مستوطنة، ويسيطرون مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي على 96% من الأرض، إضافة لذلك هناك ما لا يقل عن 167 شركة استيطانية “غير قانونية” تعمل في الجولان.

يتميز الجولان المحتل بخصوصية نابعة من جغرافيته وعدد سكانه القليل، إذ لا يتجاوز 27 ألف نسمة موزعين على خمس قرى رئيسية: مجدل شمس، بقعاثا، مسعدة، عين قنية، والغجر، وتبلغ مساحة الجولان 1860 كيلومترا مربعاً، احتلت إسرائيل خلال حرب حزيران/ يونيو 1967 الجزء الأكبر منها، أي نحو 1260 كيلومترا مربعاً. ومنذ ذلك الحين، عمدت إلى تدمير المشهد الديمغرافي والعمراني، حيث هدمت 341 قرية وبلدة ومزرعة، وهجرت أكثر من 138 ألفا من سكانها إلى العمق السوري، ولم تبق سوى القرى الخمس في شمالي الجولان.

وبحسب القانون الإسرائيلي، يمكن وضع اليد على أي أرض لا تستعمل لفترة طويلة، ولهذا يصر السكان على فلاحتها بشكل دائم، كنوع من المقاومة الصامتة ضد المصادرة.

إسرائيل تستخدم مشروع المراوح ومخطط تسوية الأراضي معاً كأداتين متكاملتين للسيطرة على الجولان، ويهدف إلى إلزام الأهالي بتسجيل الأراضي في دائرة الطابو الإسرائيلية، ما يعني إضفاء طابع “قانوني” على السيطرة الإسرائيلية مستقبلاً.

  • صراع طويل الأمد على الأرض والهوية

المراوح تهدد الصحة والبيئة وتحول الأراضي الخصبة إلى مناطق محظورة (كل مروحة بارتفاع 80 – 120 مترا وشفرات بطول 80 متراً)

والأضرار البيئية والصحية للمشروع تطال جميع سكان الجولان، وليس فقط أصحاب الأراضي الزراعية. فالمراوح العملاقة بارتفاعاتها ستحدث ضجيجاً دائماً وتلوثاً بيئياً، وتحول الأراضي الخصبة إلى مناطق غير صالحة للعيش أو الزراعة.

  • خلاصة

مع هذا الاحتلال كل مشروع يسوق كتنموي يخفي أطماعاً استيطانية

الأرض في الجولان ليست ملكية.. إنها هوية وكرامة ووجود

عامر ملاعب

كاتب وصحافي لبناني، يحمل شهادة الدبلوم في التاريخ من الجامعة اللبنانية، عمل في صحيفتي الأخبار والحياة. أعد وقدم برامج في قناة الثبات الفضائية، وإذاعة صوت الشعب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى