بعد مجازر غزة والسويداء والسودان: افتوني للخروج من العروبة والإسلام

بقلم ناجي علي أمهز
من رحم المآسي التي حفرت أسماءها في وجداننا – من غزة إلى السويداء والسودان – يولد سؤال وجودي مرير: كيف يمكن للمرء أن يستمر في انتمائه لهوية أصبحت تُستخدم كذريعة لأبشع الفظائع؟ هذا المقال هو صرخة ألم ومحاولة للخروج من دائرة العروبة والإسلام بعد أن تحولت راياتها إلى أكفان.
على مر القرون، برعت الذهنية العربية الإسلامية في إيجاد “شماعات” خارجية لتعليق إخفاقاتها وجرائمها عليها، في سلسلة متصلة من إنكار الذات والهروب من المسؤولية:
- قبل 700 عام: عندما كانت دماء الأقليات (مسيحيين وشيعة ودروز) تُستباح في المشرق العربي، وتُسبى نساؤهم وتُنهب أراضيهم، كانت الفتاوى جاهزة لتصنيفهم كـ “أهل ذمة” أو “كفار”، مما يمنح الغزاة صك براءة شرعيًا لجرائمهم.
- قبل 150 عامًا: مع تفشي التخلف العلمي والاجتماعي، وُجهت أصابع الاتهام إلى الحكم العثماني. قيل إن العثمانيين، بكونهم غير عرب، قد “شوهوا” نقاء الإسلام بعاداتهم، وهكذا نُسب الانحطاط الحضاري إلى الآخر.
- قبل 100 عام: عندما غابت عن المنطقة أي بوادر للتطور السياسي والصناعي، كانت الحجة هي الاستعمار الغربي الذي نهب الخيرات وأبقى العرب في حالة من التخلف. ورغم أن فترة الانتداب شهدت تأسيس المدارس والجامعات وإرسال بعثات علمية إلى الغرب، إلا أن خطاب المظلومية ظل هو السائد.
مع دخول الألفية الجديدة، تطور الوحش ليأخذ أشكالًا أكثر تطرفًا، لكن منطق التبرير ظل ثابتًا:
- القاعدة: عندما ظهر إرهاب القاعدة، سارعت المؤتمرات العربية والإسلامية إلى التبرؤ منه، معتبرة أن فكر التنظيم مستورد من ثقافات عنيفة في أفغانستان وباكستان والقوقاز، وأن الإسلام “دين رحمة للعالمين” بريء من أفعالهم.
- داعش: ثم جاء تنظيم “داعش” ليتجاوز في إجرامه كل تصور شيطاني. نحر الأطفال، حرق الأحياء، اغتصاب النساء، وتدمير الإرث الحضاري والمستقبل معًا بتفجير المواقع الأثرية والمدارس. ورغم هذه الوحشية، وجد التنظيم دعمًا من منابر إسلامية عربية تحت ذريعة قتاله “الأنظمة المرتدة التابعة لإيران”، التي تقف حائلاً دون “تحرير القدس”.
إن ما نشهده اليوم ليس مجرد تكرار للتاريخ، بل هو انهيار كامل لأي قناع أخلاقي أو إنساني:
غزة والإبادة الصامتة: دُمرت غزة وأبيد أهلها على مرأى ومسمع من العالم. لم تتحرك أي جهة في العالم الإسلامي للدفاع عن إخوتهم في الدين، بل والأدهى من ذلك، أن رجال دين كانوا يبررون لداعش، صمتوا أو حتى برروا لإسرائيل قتلها للأطفال والنساء. وفي مفارقة تصم الآذان، كلما اشتد القصف على غزة، علت أصوات حفلات الغناء والموسيقى في العواصم العربية، وكأن النخوة العربية التي تغنى بها شعراء الجاهلية قد تبخرت تمامًا.
عندما تحركت فصائل شيعية للدفاع عن غزة، وقدمت كل ما تملك في سبيل الدفاع عنها، قوبلت بهجوم وتكفير، بحجة أن “الشيعة أشد خطرًا على الإسلام من اليهود”، الذين يعتبرون “أهل كتاب”. هذا الموقف كشف عن عمق الصدع الطائفي الذي يتجاوز أي شعور بالوحدة الدينية أو العروبية.
مع سيطرة “جبهة النصرة” (الوريث الفكري لداعش) على مناطق في سوريا، ارتكبت مجازر مروعة بحق الأقليات. شُرّد وقتل مئات الآلاف من العلويين بذنب وحيد هو انتمائهم للدولة السورية. ثم جاءت الطامة الكبرى في السويداء، حيث هاجمت “النصرة” القرى الدرزية وارتكبت فظائع يندى لها جبين الإنسانية. قُتل الأطباء والمرضى في المستشفيات، وأُعدم الناس في بيوتهم وعلى الطرقات، واغتُصبت النساء. وعند السؤال عن السبب، خاصة أن الدروز وقفوا معهم وقاتلوا إلى جانبهم، كان الجواب أنهم “كفار”. فجأة، وبعد عقود من الجيرة، أصبحوا كفارًا حلال الدم.
ما ترتكبه قوات “الدعم السريع” في السودان من جرائم اغتصاب وقتل وتطهير عرقي يتجاوز كل الحدود. التقارير التي تتحدث عن قتل المدنيين من قبائل غير عربية وهم يصرخون “نحن مسلمون سنة”، ليأتيهم الرد بأنهم “غير عرب”، تكشف أن المرض أعمق من الدين، إنه عنف هوياتي يبرر القتل لمجرد القتل.
أمام هذا الواقع، لم يعد هناك ما يبرر البقاء. فالقتل يتم باسم الإسلام والهوية العربية:
- غزة السنية لم تشفع لها سنيتها لأن الشيعة دعموها.
- الدروز العرب لم تشفع لهم عروبتهم وحسن جيرتهم لأنهم “كفار”.
- السودانيون السنة لم تشفع لهم إسلامهم لأنهم ليسوا عربًا.
إضافة إلى ذلك، هناك دين يتمسك بنصوص ترفض حقائق علمية مثل كروية الأرض، ويحرم التبرع بالأعضاء الذي ينقذ الأرواح، ويضطهد المرأة باعتبارها “ناقصة عقل ودين”، ويحارب الفن والموسيقى والنحت والرسم.
اذا كنا لم نتطور في علم الاجتماع حيث يكفر الشاعر وتمنع اعماله، ومتخلفين في الديمقراطيات وتداور السلطة باساليب حضارية، ولم ننجح في الصناعات المعدنية وحتى البلاستيكية، ومغيبين تماما عن البرمجة والتكنولوجيا، كما اننا خارج الزمن بالطب ومعالجة الامراض، فماذا نفعل بهذا العالم وما هو دورنا.
الرجاء أفتوني: ماذا يجب أن نفعل؟ إذا كان هذا الدين وهذه العروبة يضعاننا في مجاهل التاريخ، ويخرجاننا من إنسانيتنا، ويعيشاننا في إرهاب وقلق وجودي، فكيف السبيل إلى الخلاص؟



