بين تعددية الخطاب وسلطة الأمر الواقع.. مقارنة نقدية للمشهد السوري

تمر سوريا بمرحلة معقدة من الصراع ، تتصارع فيها خطابات وسلطات متعددة ، كل منها يدّعي الشرعية ويسعى لفرض روايته.
يحاول هذا المقال تقديم مقارنة نقدية بين أبرز هذه الجهات، مع تحليل الفجوة بين خطابها المعلن وممارساتها على الأرض، وذلك لفهم أعمق للدينامكيات السياسية والميدانية الحالية.
هيئة تحرير الشام وسلطة الأمر الواقع: التناقض بين الخطاب والممارسة
تقدم جماعة هيئة تحرير الشام ، تحت قيادة أبو محمد الجولاني ، نفسها عبر خطابين متباينين.
فأمام الجمهور، ترفع شعارات مثل “ارفع راسك فوق انت سوري حر” و”الشعب يقرر”، في محاولة لبناء شرعية شعبية وتقديم نفسها كممثل للإرادة الوطنية. غير أن هذه الصورة تتعارض مع ممارساتها القائمة على إرساء هياكل سلطوية صارمة ، تتحكم في المفاصل الحيوية وتقيد الحريات تحت مبررات الأمن والسيطرة.
كما برزت استراتيجية “بيع السيادة” كأداة تفاوضية في المحافل الدولية، مما يطرح تساؤلات حول جدية الخطاب السيادي الذي تتبناه.
جماعات العشائر: بين الاستغلال السياسي والاتهامات الدولية
في إطار الصراع على الشرعية يتم تصوير جماعات عشائرية معينة في الخطاب الإعلامي الموجه للخارج على أنها “الخزان البشري” لتنظيم داعش، ولا يخفى على أحد ان وزر خارجية الجولاني أسعد الشيباني ارسل تقارير مفصلة لكل السفارات الدولية في سورية محملاً فيه العشائر مسؤولية كل ما حصل من ابادة جماعية وتطهير عرقي بحق الدروز .
هذا التوصيف والتقارير لا تخدم فقط في تسويق رواية معينة، بل يجعل هذه الجماعات تحت طائلة الاتهامات الدولية والإدراج المحتمل على قوائم الإرهاب.
في هذا السياق، تُوجه اتهامات لهذه الجماعات بارتكاب انتهاكات منهجية ضد الأقليات، تصل حد وصفها بـ “التطهير العرقي”، مما يزيد من تعقيد المشهد الإنساني والأخلاقي ويورط هذه الجماعات في دوامة من العنف والاتهامات.
الخطاب التحريري وسؤال الشرعية: مقارنة مع الرواية الرسمية يثير المشهد حدثان رمزيان متناقضان
من جهة، هناك خطاب “الفتح” المنسوب للجولاني، والذي يرفع شعار “الذي يحرر هو يقرر”. ومن جهة أخرى، هناك حدث بث النشيد الوطني “الإسرائيلي” في “ساحة الأسد” بالقنيطرة ، وهي ساحة ارتبطت رمزياً بتحرير عام 1974 ورفع العلم السوري فيها على يد الرئيس الراحل حافظ الأسد.
وعلى هذا الإرث استمرت الدولة الوطنية السورية، متمسكة بشرعية استمرارية الدولة تحت قيادة الرئيس السابق بشار الأسد، الذي كسب هذا الإرث من والده.
في المقابل، خناك الخطاب “التحريري” لجماعات ما يسمى المعارضة حيث يتم تسليط الضوء على التناقض بين شعارات التحرير وبين بعض الممارسات التي تشير إلى ارتباطات أو سياسات تتعارض مع المصلحة الوطنية السورية.
ختاماً : تكشف المقارنة بين هذه الخطابات والفاعلين عن مشهد سوري مليء بالتناقضات وأزمات الشرعية عن الفجوة الواسعة بين الخطاب الشعبوي الحقوقي والممارسة السلطوية على الأرض، واستغلال المكونات المجتمعية في الصراع ، وإشكالية الروايات المتضاربة حول التحرير والسيادة ، كلها عوامل تُظهر تعقيداً غير مسبوق.
يفسر هذا التحليل الادعاءات المطلقة لأي من الأطراف، ويدعو إلى قراءة نقدية تستند إلى الممارسات الفعلية أكثر من الشعارات البراقة، مقدماً صورة أوضح عن التناقضات التي تشكل واقع السوريين اليوم.