
أثار قرار هيئة التربية والتعليم في «الإدارة الذاتية» منع تدريس المناهج الحكومية لكل المراحل الدراسية في مناطق سيطرتها شمال البلاد وشرقها، ردود فعل غاضبة لدى أهالي محافظة الحسكة الذين سيحرم هذا القرار نحو ربع مليون طالب من أبنائهم من حقّهم في التعليم بالمناهج التي يختارونها، وخصوصاً في ظلّ عدم وجود أي اعتراف بمنهاج «الذاتية»، الذي يوصف بأنه «مؤدلج».
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي حملات احتجاج كبيرة على القرار، طالب المشاركون فيها بتأجيل تطبيقه إلى حين انتهاء المفاوضات الخاصة بتطبيق اتفاق 10 آذار، معلنين نيّتهم تنظيم احتجاجات للضغط في هذا الاتجاه، ومنبّهين إلى أن المنطقة ستشهد موجات هجرة كبيرة في اتجاه العاصمة ودير الزور والمحافظات الداخلية، في حال أصرّت «الذاتية» على تطبيق القرار.
وتأتي هذه الخطوة قبل عدة أيام من بدء العام الدراسي للطلاب الذين يدرسون منهاج «الإدارة الذاتية»، وقبل ثلاثة أسابيع من بدء العام الدراسي للطلاب الذين يدرسون المنهاج الحكومي، وسط مطالبات شعبية بترك حرية اختيار المنهاج للطلاب وذويهم، وتحييد التعليم عن الصراعات السياسية والعسكرية.
كما يأتي القرار بعد نحو عام دراسي كامل قضاه طلاب الحسكة في منازلهم من دون تعليم، بفعل إغلاق المدارس التي كانت تدرّس المنهاج الحكومي في كل من الحسكة والقامشلي وأريافهما (إثر سقوط النظام السابق)، ورفض وزارة التربية في الحكومة الانتقالية استيلاء «هيئة التعليم في الإدارة الذاتية» على المدارس والوثائق والأختام، وإصرارها على إدارة العملية التربوية والتعليمية في كامل مناطق شمال شرق سوريا.
وبحسب إحصاءات حكومية رسمية، فإن المدارس الحكومية التي كانت منتشرة في ما يُعرف سابقاً بـ«المربعات الأمنية» في القامشلي والحسكة وأريافهما، تشمل نحو 200 مدرسة، كان يدرس فيها قرابة 240 ألف طالب، بما في ذلك المدارس المنزلية المنتشرة في عدة مناطق، بالإضافة إلى تلك التي كانت تدرس منهاج «الفئة ب». واللافت أن قرار «الذاتية»، شمل، للمرة الأولى، مدارس الطوائف المسيحية التي بقيت سابقاً مُحيّدة عن الصراعات، وحوفظ فيها على تدريس المنهاج الحكومي، بما فيها مدارس في المالكية والقحطانية التي تسيطر عليها «الوحدات» الكردية منذ عام 2012.
شمل القرار مدارس الطوائف المسيحية التي بقيت سابقاً مُحيّدة عن الصراعات
ويبدو أن قرار «الذاتية» يأتي في الغالب في إطار الضغوط على الحكومة الانتقالية، التي اعترفت بالجامعات في إدلب وحلب، لكنها رفضت حتى الآن الاعتراف بالجامعات في مناطق «الذاتية» أو مناهجها. وفي هذا السياق، عقد الوفد التفاوضي لـ«إقليم شمال وشرق سوريا»، أمس، اجتماعاً مع «هيئة التربية والتعليم» التابعة لـ«قسد»، بحضور وبمشاركة الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في «الذاتية»، إلهام أحمد، التي قدّمت عرضاً لنتائج لقاءاتها الأخيرة في دمشق.
وإذ أكّدت أحمد أن «ملف التعليم سيكون المدخل الأول لبدء الحوار بين الجانبين»، استعرضت «هيئة التربية والتعليم» رؤيتها للحل، إلى جانب التحديات والصعوبات المحتملة التي قد تواجه مسار الدمج. وفي ختام اللقاء، أكّدت الهيئة «جاهزيتها للانخراط في حوار مباشر مع الحكومة في دمشق».
وإزاء ما تقدّم، يؤكّد مصدر مطّلع، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «وفداً من هيئة التربية والتعليم وصل أمس إلى دمشق لإجراء مفاوضات مع ممثّلين عن وزارة التربية»، مشيراً إلى أن الأخيرة «سرّبت قرار منع المناهج الحكومي، ليكون ورقة ضغط على دمشق للاعتراف بمناهجها».
ويرجّح المصدر أن «يتم الاتفاق على الحفاظ على الوضع الذي كان قائماً قبل سقوط النظام، مع إرجاء فكرة الاعتراف بمنهاج «الذاتية» إلى حين دراسة ملف الاعتراف بتعليمها»، كاشفاً أن ««الذاتية» تتجه لمنع إدراج كليات الحسكة في المفاضلة العامة لطلاب السنة الأولى، وهو ما يعني إلغاء تدريجياً للتعليم الجامعي، الأمر الذي طلبت دمشق إلغاءَه أيضاً». ويتوقّع المصدر، في الوقت نفسه، أن «يتم التوافق على الحفاظ على المنهاج الحكومي، وسط إمكانية إدخال حصص دراسية مكثّفة باللغات الكردية والسريانية والآشورية».
بدوره، يلفت مصدر في المجمع الكنسي في الحسكة، إلى أن «الكنائس في المحافظة أبلغت هيئة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية رفضها قرار حظر تعليم المنهاج الحكومي»، مبيّناً أن «ذريعة هيئة التربية هي أن حكومة الشرع تخطط لأدلجة التعليم ليصبح سلفياً متشدّداً مع حلول العام القادم». ويؤكد، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «الكنائس ترفض تدريس مناهج غير معترف بها رسمياً، ومدارسها مرخّصة منذ مرحلة ما قبل الاستقلال»، مطالباً «الذاتية» بـ«التراجع عن القرار، نظراً إلى أنه سيؤثّر على كل منزل في المحافظة»، مضيفاً أن «مدارس الكنائس ستدرس منهاج دمشق حصراً، ولن تقبل بغير ذلك».