منوعات

الحريري: “خليهن ينطروا” والعونيون: سيبقى مكلّفاً لأجل غير مسمى

أضحت عملية تأليف الحكومة في لبنان أحجية لم تنجح كل الجهود الداخلية والخارجية على فكفكة ألغازها. فالعقد، وإن بدت مرتبطة بصراع الأحجام والأوزان السياسية بين التيارين الأزرق والبرتقالي، إلا أنّ أبعاد الأزمة تبدأ بغياب الثقة بين رئيسي الجمهورية ميشال عون والحكومة سعد الحريري، ولا تنتهي بلعبة الصراع بين المحاور الإقليمية.

فالولايات المتحدة الأميركية لم تعطِ الضوء الأخضر للحريري للسير بتسوية مع عون ومن خلفه حزب الله، لإبقاء لبنان ورقة في يدها في إطار الصراع مع إيران التي ترفض حتى الساعة بحسب مصادر مطلعة لـ”أحوال” أي تفاوض مع الإدارة الحالية، فضلاً عن ملفات إقليمية خارج إطار ملفها النووي.

الحريري ينتظر تسلم بايدن

فهل ستظهر تباشير الإنفراج الحكومي بعد تسلّم الإدارة الأميركية الجديدة زمام الحكم؟ أم أن الأزمة الحكومية مرتبطة بالمفاوضات الأميركية الإيرانية في ظل إدارة بايدن؟ ولماذا أخّر الحريري عودته إلى بيروت؟

أوساط سياسية متابعة للشأن الحكومي، لفتت لـ”أحوال” إلى أنّ “الحريري ينتظر استلام بايدن مقاليد السلطة أملاً بتغيير في السياسة الأميركية تجاه المنطقة وبالتالي تجاه لبنان. ولذلك يتريث في إعلان الحكومة تخوفاً من فرض العقوبات إذا سار بحكومة لا تتواءم والشروط الأميركية لجهة مشاركة فعالة لحزب الله وحلفائه في التيار الوطني الحر وغيره. وبالتالي لن تنل الحكومة رضى الأميركيين ولا رضى المجتمع الدولي ما يعدّه الحريري قفزة في المجهول. إذ لن تجرؤ أي دولة أو صندوق مالي دولي على مساعدة لبنان بلا الإذن الأميركي. كما أن الحريري بحسب الأوساط، لا يريد حكومة تخلق مشاكل وعداوة مع الرئيس عون وحزب الله لأنها ستكون محكومة بالفشل، والتجارب السابقة أثبتت بأن أي حكومة لن تقلّع بلا تغطية من حزب الله. ولهذه الأسباب، لا يريد الحريري تأليف حكومة الآن، فيعمل على تمرير الوقت بحجج وطروحات يعرف مسبقاً أنها لن تنل موافقة عون، رهاناً على نضوج الظروف الإقليمية والدولية لتصبح مهيأة لتسوية في لبنان. وبهذه الحالة يكون الحريري أنقذ نفسه من العقوبات الأميركية ولم يعتذر عن التكليف ولم يدخل بمواجهة مع عون وحزب الله”.

واسطة الإمارات مع “المملكة”

وفسّرت المصادر نفسها تصلّب الحريري بضغوط واشنطن والخليج الذين يريدان حكومة شبيهة بمجلس إدارة شركة. وكشفت معلومات لـ”موقعنا” أنّ “الحريري قصد الإمارات طلباً لوساطتها مع المملكة العربية السعودية محاولاً خطب ودها أكثر من مرة لكنه أخفق”. كما كشفت “أن شخصيتين من أركان تيار المستقبل إتصلا بالحريري المتواجد في الإمارات سائلين عن نتيجة الإتصالات التي أجراها، فردّ بأن لا جديد ولينتظروا طويلاً”. وعلم موقعنا أيضاً أن الحريري كان من المفترض أن يصل إلى بيروت مساء الثلاثاء ويترأس مباشرة اجتماع كتلة المستقبل، لكنه استأخر عودته لأسباب سياسية بحتة.

ولفتت الأوساط إلى أن “الحريري لم يعد يعتمد في الملف الحكومي على الفرنسيين الذين لن يستطيعوا تغطيته في أي خطوة يُقدم عليها في الملف الحكومي. لذلك يعوّل على إشارة أميركية تنقلها إليه السعودية، لكن الأخيرة لم تُغيّر موقفها حتى الساعة من الحريري، الذي حاول ثلاث مرات الحصول على موعدٍ من الأمير محمد بن سلمان أو من ينوب عنه في الديوان الملكي، لكن لم يحصل على ما يبتغيه. ويتردد في الأروقة الضيقة بأن “المملكة” فقدت الأمل من “ولدها سعد”.

ورأت الأوساط أن “الحريري محكوم بمعادلة خارجية إما الإعتذار مع عقوبات تطاله ومقربين منه، وبين تأليف حكومة تُحضر لانتداب أميركي فرنسي جديد عبر تدويل التحقيق في انفجار مرفأ بيروت وخصخصة المرفأ والمطار والقطاعات الإنتاجية الحيوية كالكهرباء والإتصالات، والسيطرة على الملف النفطي، وفرض الوصاية المالية والاقتصادية على لبنان عبر الصناديق والبنوك الدولية تحت غطاء دعم وإنقاذ لبنان من الإنهيار”.

في المقابل، كشف مصدر وثيق الصلة بالأميركيين لـ”أحوال” أن لا حكومة في المدى المنظور. فالأميركيون منهمكون بأحوالهم وأهوالهم الخطيرة على كافة الصعد الاقتصادية والصحية والأمنية والسياسية والدستورية. فضلاً عن أن واشنطن لن تفاوض طهران ودمشق حالياً بل ستنتظر نتائج الإنتخابات الإيرانية والسورية في حزيران المقبل لتبني على الشيئ مقتضاه. لذلك لبنان سيبقى في دوامة الإنتظار طويلاً.

علوش: الحريري ينتظر رد عون

في المقابل أشار نائب رئيس تيار المستقبل النائب السابق الدكتور مصطفى علوش إلى أن “الرئيس الحريري لا ينتظر أي تغييرات في الوضع الاقليمي أو الدولي؛ بل ينتظر رد رئيس الجمهورية على الإقتراح الأخير الذي قدمه الرئيس المكلّف لتقليص مساحة الإختلاف والتوصل إلى حلٍ وسطي. وبالتالي الجواب عن مصير الحكومة عند رئيس الجمهورية”.

وأوضح علوش تفاصيل إقتراح الحريري بأنه يتضمن حكومة من 18 وزيراً ولا يكون لأي طرف السيطرة على قرارها أو إمكانية تعطيل قراراتها، سيما على الوزارات الأمنية الدفاع والداخلية والعدل. والأمر الثالث عدم امتلاك أي طرف الثلث المعطّل والبند الأخير أن يكون وزراء مستقلين”. ولفت إلى ضرورة حصول اتفاق على توزيع عادل للحقائب الأمنية والقضائية. فإذا نال رئيس الجمهورية الدفاع، فيجب أن تؤول العدل إلى رئيس الحكومة فيما تُسند الداخلية إلى وزير مستقل يسميه الحريري بالتفاهم مع عون”. أما إذا ما بقي عون على موقفه وتمسكه بوزارات يعتبرها من حصته وحقه قال علوش: “عليه أن ينتظر طويلاً”.

ولفت علوش إلى أن “المقترحات الوسطية تتجلّى في الطرح الأخير الذي قدمه الحريري لعون ولم يُجِب عليه حتى الآن وهذا أقصى ما يمكن أن يصل إليه الحريري”. ونفى المعلومات المتداولة عن إمكانية اعتذار الحريري عن متابعة عملية التأليف إذا ما استمر الوضع على حاله.

وإلى ذلك الحين سيضع الحريري ورقة التكليف في جيبه من دون أي مهلة قانونية تقيده. وأضاف علوش في هذا السياق: “هذا يفرض على رئيس الجمهورية التوقيع على طرح الحريري وولادة الحكومة وإحالتها إلى مجلس النواب”. وأضاف: “إذا كان عون يتحصّن بالأكثرية النيابية… فلتسقط الحكومة في المجلس النيابي إذا لم تكن راضية عنها”. ولفت علوش إلى أن الحريري لن يزر بعبدا بل سينتظر مبادرة أو اتصالاً من رئيس الجمهورية يبلغه موافقته على طرحه الأخير”.

عون: الحريري سيبقى مكلّفاً طويلاً

إلا أن عضو تكتل لبنان القوي النائب الدكتور ماريو عون رد على كلام علوش بالقول: “إذن الحريري سيبقى مكلفاً لوقت طويل وحتى إشعار آخر”.

ولفت عون في حديث لـ”أحوال” إلى أن “سلوك الحريري يُظهر أنه لا يريد الحل ويعمل مع حلفائه في حزبي القوات والإشتراكي على أخذ البلد إلى المجهول تلبية للإملاءات والضغوط الخارجية”. ولفت إلى “أننا لسنا نعاجاً لكي نسكت على الظلم الذي نتعرّض له، بل سنرد على أي تعدٍ وتهجم يطالنا”. وشدد على أننا “أول من نادى بتأليف حكومة إختصاصيين بأسرع وقت ممكن لكن دعونا إلى تطبيق المعايير الموحدة للحكومة ولن نقبل بمنطق “إبن الست” و”إبن الجارية”.

وأوضح عون أن “العقدة في أن الحريري يريد تسمية الوزراء المسيحيين، فيما القوى السياسية الأخرى تسمي الوزراء المحسوبين عليها، كما أن الحريري يطرح خلال لقائه مع رئيس الجمهورية شيئاً ثم يصدر عن بيت الوسط كلاماً مغايراً قبل وصول الحريري إلى منزله… فبتنا لا نعرف من يؤلف الحكومة، أفي الخارج أم الداخل؟ فكيف يريد الحريري حكومة إختصاصيين فيما هو السياسي الأول فيها؟ لذلك أضاف عون: “على الحريري أن يحاور رئيس الجمهورية بحسب الدستور وليس مصادرة ورقة التكليف واحتكار عملية التأليف، فلن نسير وفق معادلة الحريري: “إما بتمشوا بحكومة كما أريد وإلا فلا حكومة وتحملوا مسؤولية إنهيار البلد فاللعبة مكشوفة”.

فيما كشف مطلعون على موقف بعبدا وميرنا الشالوحي أن “عون ورئيس التيار جبران باسيل يزينون الحكومة الجديدة بميزان الذهب، لأنهما يدركان بأنها ستكون آخر حكومات العهد وبالتالي ستتخذ القرارات في مختلف الملفات والقضايا الحيوية والمصيرية. كما ستشرف على الإنتخابات النيابية المقبلة إن حصلت. وكذلك سترِث صلاحيات رئيس الجمهورية إن تعذر إنتخاب رئيس جديد بعد انتهاء ولاية عون ودخلنا في فراغ رئاسي قد يطول. لذلك وفق المنطق العوني يجب “التحصن المسيحي” في الحكومة قدر الإمكان للمواجهة الحتمية المقبلة. وتوقع المطلعون تكرار تجربة حكومة الرئيس تمام سلام حيث تحوّل كل وزير إلى رئيس للجمهورية.

حزب الله: متسمكون بالثوابت

أما حزب الله بحسب ما أوضحت مصادره لـ”أحوال” بأنه لن يسير بحكومة تفرض على اللبنانيين وتلغي الأكثرية النيابية وتمس بالتوازنات والمعادلة الداخلية. لذلك يدعو الحزب الرئيس المكلّف إلى البحث جدياً مع رئيس الجمهورية لإنتاج حكومة توافقية لا تغيّر الثوابت السابقة وتحترم المواقع والصلاحيات ولا تسلّم البلد لقوى خارجية. وأكدت بأن الحزب لن يسلم أسماء وزرائه قبل إنجاز الخلطة الحكومية كاملة مع الأطراف الأخرى.

محمد حمية

 

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى