منوعات

“المظلة” الخارجية و”الغطاء” الداخلي يُشكلان طوق النجاة لـ”الحاكم”

لماذا يرفض الأميركيون إقالة سلامة؟ وماذا عن الموقف الفرنسي؟

سجل ملف الملاحقة القضائية لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة اليوم تطورات دراماتيكية، مع انتقال الملاحقة القضائية والإعلامية لسلامة على مدى العام الماضي الى ملاحقة أمنية بهدف احضاره الى جلسة الاستجواب التي تغيب عنها للمرة الثالثة في قصر عدل بعبدا.

إذ حضرت قوة من أمن الدولة إلى منزله الأول في الرابية وقوة أخرى الى منزله الثاني في منطقة الصفرا والى مكتبه في مصرف لبنان، لكنها لم تعثر عليه في الأماكن الثلاثة فأفادت النيابة العامة بذلك التي أصرت على ملاحقته حتى إحضاره.
تحرك أمن الدولة أتى على خلفية تخلف سلامة عن حضور جلسة استجوابه المقررة اليوم في قصر عدل بعبدا، ويُبرر “الحاكم” ذلك بأنه سبق وتقدم بدعوى رد أمام محكمة الاستئناف ضد المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون.

الخطوة الأمنية حوّلت سلامة من مشتبه به ومتهم بقضايا اختلاس وفساد وملاحق قضائيًا، الى متوارٍ عن الأنظار وفارٍ من وجه العدالة بحسب ما تشير مصادر قانونية.

ووفق المعلومات المتوافرة فعند وصول قوة من أمن الدولة الى الرابية تفاجأت بوجود قوة من قوى الأمن الداخلي مكلفة بحماية سلامة ومقرات سكنه، ما دفع بقوة أمن الدولة للانسحاب منعًا للاصطدام مع قوى الامن الداخلي. إلا أن المديرية العامة لقوى الامن نفت ذلك وأوضحت ما جرى في بيان، إلا أن ذلك لا يخفي الخلاف المستتر بين الأجهزة حول هذا الملف والي يعكس الخلاف السياسي في طبيعة الحال.

لكن القاضية عون أعادت الكرة الى ملعب القوى الأمنية، وأكدت أنها مستمرة في ملاحقة حاكم مصرف لبنان حتى إحضاره إلى قوس العدالة. وبحسب معلومات “أحوال” فقد أرسلت عون كتاباً الى أمن الدولة لتنفيذ مذكرة الإحضار مجدداً، كما وجهت كتابًا للمديرية العامة لقوى الامن الداخلي للاستفسار عن وجود قرار من المديرية أو من أي جهة أخرى بتوفير الحماية لسلامة ما يستوجب المساءلة القانونية وعلى ماذا استند هذا القرار.

لكن السؤال: هل المداهمة الأمنية لمنزلي سلامة مسرحية و”تخريجة” قضائية – أمنية للإيحاء بأن أمن الدولة أدى واجبه ونفذ مذكرة الاحضار القضائية وإبقاء سيف القضاء مسلطًا على “عنق الحاكم”؟ أم هو ترجمة عملية لتهديدات رئيس الجمهورية ميشال عون الذي توعد سلامة بمفاعيل قانونية وسياسية لعدم تلقفه للفرصة الأخيرة والمهلة الزمنية التي حددها عون بتسليم “داتا” المعلومات والمستندات إلى الشركات المكلفة بالتدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان.

هذه الصورة الأمنية التي لفت “منازل” حاكم مصرف لبنان وتعذر احضاره تطرح السؤال التالي: هل لا يزال سلامة يتمتع بمظلة الحماية السياسية الداخلية والخارجية؟

مصادر مطلعة على الملف تشير لـ”أحوال” الى أن الفرنسيين ومنذ مدة طويلة يضغطون باتجاه إقالة سلامة بهدف تعيين آخر مكانه يدين لهم بالولاء الكامل، وتردد اسم سمير عساف في اطار التوجه الفرنسي الجديد الذي برز بعد انفجار مرفأ بيروت لإحكام السيطرة على بعض المؤسسات والمرافق الحيوية في لبنان كمرفأ بيروت وقطاعات الكهرباء والاتصالات والنفط ومصرف لبنان في ظل الحديث عن إعادة هيكلة المصارف والبنك المركزي في سياق خطة التعافي المالي.

إلا أن الموقف الفرنسي بحسب المصادر يصطدم بـ”الفيتو” الأميركي على سلامة الذي يُعتبر “الرجل الأميركي” الأول في مصرف لبنان وفي الإدارة المالية والنقدية للدولة. وتكشف المصادر عن ضغط وإصرار أميركي كبيرين على الحكومة الماضية للتجديد لمحمد بعاصيري في منصب النائب الأول للحاكم.

وتشير المصادر الى أن سلامة بالنسبة للأميركيين أحد أهم الأدوات الرئيسية لتنفيذ سياسة العقوبات والحصار المالي والاقتصادي والنقدي المفروض على لبنان، وكذلك يمكنهم عبره السيطرة على النظام المصرفي والتحكم بحركة الأموال والحسابات والتحويلات والرصد والرقابة على الأموال المحولة من الخارج الى لبنان والتي يقول الأميركيون أنها تصل إلى حزب الله.

تتقاطع التغطية والمصلحة الأميركية تحديداً مع التغطية الداخلية التي لا يزال يلوذ بها سلامة.. فحتى الساعة يتمتع سلامة بمظلة حماية سياسية من تيار المستقبل الذي سارع الى التحذير في بيانه من أن “ما حصل اليوم خطوة في مسار الانهيار وليس خطوة في أوهام الحل ومكافحة الفساد”.
في المقابل تنقل أوساط صحافية عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تهديده بالاستقالة في حال توقيف سلامة أو إقالته وطلب من المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات التريث بأي قرار قضائي بهذا الاطار.

أوساط مطلعة على موقف ميقاتي توضح لـ”أحوال” موقفه بالتالي:

-ميقاتي لا يدافع عن أشخاص، بل الهدف الحفاظ على المؤسسات
-ليس ميقاتي الذي جدد لسلامة في منصب الحاكمية
-رئيس الحكومة لا يتدخل بعمل القضاء وتفاصيل الملف من منطلق فصل السلطات ويفضل أن يأخذ القضاء مجراه وعندما تثبت إدانة الحاكم لكل حادث حديث
-لا اجماع سياسي على ملف حاكمية مصرف لبنان

وانطلاقاً من هذه الاعتبارات يفضل ميقاتي بحسب الأوساط أن يستمر سلامة في منصبه وعمله في ظل الظروف الاقتصادية والمالية والنقدية الخطيرة التي تمر بها البلاد.

أما مصادر مطلعة على أجواء عين التينة فتكرر عبر “احوال” ما سبق وقاله رئيس مجلس النواب نبيه بري بأننا بحاجة الى الجميع لإنقاذ البلد، ولا يفضل اتخاذ خطوات تزيد الأوضاع سوءاً وتأزماً.

أما بعبدا فتشير أجواء مقربة منها لـ”موقعنا” الى أن “الهدف ليس توقيف سلامة وسجنه، بل الضغط عليه للمثول أمام التحقيق واحترام القضاء وحضور جلسة الاستجواب وتقديم كافة المعلومات والمعطيات التي تطلبها الشركات المولجة عملية التدقيق الجنائي وكشف جميع الحقائق عن ما حصل في مالية الدولة ومصرف لبنان والمصارف من تحويل وسرقات وفساد”.

يبدو من المؤشرات والمعطيات الحالية أن سلامة لايزال يتمتع بطوق النجاة الداخلي وحبل الإنقاذ الخارجي ويمكنه من البقاء بعيدا من الملاحقة والتوقيف حتى تأتي لحظة التسوية السياسية التي تؤمن له خروجاً آمناً من منصب الحاكمية الذي شغله لمدة 30 عاماً.

محمد حمية

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى