منوعات

اقتراح “كابيتال كونترول”.. أم عفو عام عن الارتكابات المالية؟

منظومة المصارف ومشرّعيها، تضع أمام اللبنانيين ما يشبه مشروع قانون “عفو عام مالي” لتشريعه في مجلس الأمة من خلال اقتراح جديد لـ”الكابيتال كونترول” يطلق يد المنظومة على مدى 5 سنوات ويمنحها صلاحيات غير محدودة لمحو ما تبقى من أموال اللبنانيين و”إبراء” أركانها المالية والسياسية.

في ليلة ظلماء من ليالي لبنان القاتمة، وبعد ارتفاع خسائر القطاع المصرفي من ٦٩ مليار دولار في تشرين الأول الماضي، إلى ٧٣ مليار دولار حالياً، خرج مشروع قانون “كابيتال كونترول” بعد سنتين من الأزمة المالية الشاقة ويفرض الاقتراح تشكيل لجنة مؤلفة من مهندس الانهيار حاكم مصرف لبنان وأمين سره وزير المال، ورئيس الحكومة ووزير الاقتصاد، ويعطيها تفويضاً بالتحكم بالنقد والمصارف من دون أي رادع. أي أن اللجنة ستتحكم بمصير اللبنانيين، فهي القانون والقانون هو “اللجنة” إلى أجل تحدده “اللجنة” كما تُعلّق الخبيرة المالية الدكتورة سابين الكك “اللجنة تقرّر وتحدد وتحظر وتعاقب وتعفي وتلغي وتحيل الى القضاء وتراقب وتعدّل وتمدّد وتسعّر العملات وتأمر المصرف المركزي بإصدار التعاميم”. ما يُعطيها حق تقرير مصير البلد والمواطنين على الرغم من أن أعضاءها هم المتهمين بالمجزرة المالية التي يعيشها اللبنانيون.

مناقشة ودرس مشروع الكابيتال كونترول الجديد ستتم على عجل في جلسة يعقدها مجلس النواب الثلثاء المقبل، بعدما تأكد استحالة موافقة صندوق النقد على خطة التعافي من دون إقرار هذا القانون الاصلاحي، بحسب نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي. ويعقد المجلس جلسة عامة قبل ظهر الثلثاء في قصر الاونيسكو على جدول أعمالها ستة عشر بندًا أبرزها مشروع قانون فتح اعتماد اضافي استثنائي في موازنة العام 2022 لصالح وزارتي الداخلية والخارجية بقيمة 320مليار ليرة لتغطية نفقات الانتخابات النيابية المقبلة و60 مليارًا لصالح وزارة الخارجية تخصص لنفقات انتخابات المغتربين و260 مليارًا في وزارة الداخلية تخصص لانتخابات الخامس عشر من أيار.

المشروع، الذي أعدّه الشامي بصيغة جديدة ستدرسه اللجان المشتركة الاثنين بعدما ضمّن ملاحظات صندوق النقد الدولي عليه، كما يقول نائب رئيس المجلس إيلي الفرزلي، أثار عاصفة من الانتقادات الرافضة لبنوده المجحفة بحق المودعين والمبيّضة لسجل مرتكبي أفظع الجرائم المالية عبر كل العصور بحق شعب كامل.

ففي قانون الكابيتال كونترول المقترح حُدِّد تاريخ بعد 9 نيسان 2020 للأموال الجديدة، أي بعد تحويل مليارات الدولارات الى الخارج بعد ١٧ تشرين الأول 2019. الأمر الذي يلغي دور القضاء، ويعطي حق التصرّف والاستنساب للمرتكبين وعلى رأسهم الحاكم الذي اهترأت عبقرياته المالية بعد 30 سنة من إدارة مصرف لبنان كشركة خاصة لتسويق سندات الخزينة والليرة وبيع الفوائد وتجارة بيع العملات والشقق الفاخرة والعقارات.

الصياغة المقترَحة للمشروع، الذي دُسَّ على عجل من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي دون توقيعه من مجلس الوزراء، تولّاها الفريق الاقتصادي برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي هدف القانون بـ “إعادة الاستقرار المالي وقدرة المصارف على الاستمرار اللذين يشكلان شرطيْن أساسيين لاستئناف العمليات المالية، ويُدخل ضوابط على عمليات التحاويل إلى العملات الأجنبية لمنْع المزيد من تدهور سعر الصرف، تحت مبرّر “حمايةً” احتياطي البنك المركزي بالعملات الأجنبية كما ولاستعادة السيولة في القطاع المصرفي ولحماية المودعين فيه”.

يتم التركيز من قبل الحكومة على توزيع الخسائر، لا على إجراء ما يلزم لإعادة الحياة إلى الاقتصاد، الذي بدونه يتجه البلد إلى الانهيار الشامل، وفق ما تمّ تسريبه من بنود القانون “اللقيط” المسرّب على عجل. وفي هذا الشأن يُعلّق الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان بالقول إنّ “اقتراح قانون “الكابيتال كونترول” سيقضي على ما تبقى من قطاع صناعي. كان من المفترض والطبيعي دعم وتحفيز القطاع وليس القضاء عليه”. ويتابع “اقتراحات من سيء الى أسوأ والغرض واحد، حماية المنظومة على حساب المودع والقطاعات المنتجة”.

جمعية المودعين التي تعتصم يوم الثلاثاء أمام قصر الأونيسكو بالتزامن مع الجلسة التشريعية لمجلس النواب، رفضت مشروع قانون يخرق في كل بنوده، القوانين والدستور والحقّ ويشرعن المخالفات المصرفية الفاضحة للقانون لمصلحة مفسدي الدولة. وحذّرت الرابطة نوّاب الأمّة من الموافقة على تمرير هذا القانون الذي يصبّ في مشروع تحصين موقف لوبي المصارف وحاكمية البنك المركزي.

المشروع الذي جاء متأخراً عن انكشاف المنظومة المالية، يُحظر فتح حسابات جديدة، وتحريك أي حساب قديم أو راكد أو موجود، إلا إذا كان حساب مدفوعات الرواتب والأجور، والمعاشات التقاعدية واستحقاقات الرعاية الاجتماعية، وكلها لا تتعلّق بالمودعين الذين قضت المصارف على جنا عمرهم، وفق تشريح رابطة المودعين لمواد القانون.

فيما القيود المفروضة على العملات الأجنبية المتأتّية من عائدات التصدير لا تعتبر أموالًا جديدة، ويعود للجنة تقرير كيفية استخدام الدولارات الناتجة عن عائدات التصدير، ما يُكمل عمليات النصب التي قامت بها الدولة بالتكافل والتضامن مع مصرف لبنان والبنوك التجارية للسيطرة الكاملة على أية دولارات مستقدمة إلى السوق المحلية.

ووفق الرابطة، ليس هناك ما يُسمّى الجمهورية اللبنانية وفقاً لهذا الاقتراح المسخ، بل “جمهورية اللجنة الميقاتية” لأن المادتين 8 و9 من المشروع قد أنشأتا لجنة بصلاحيات “الجمهورية” مكتملة ومن المفارقة أن رئيسها هو رئيس الحكومة. وتتخطّى صلاحيات اللجنة صلاحيات السلطة التنفيذية ومعها رئاسة الجمهورية. وتحلّ محل القضاء بحيث يمكنها فرض عقوبات وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى حصر كل صلاحيات القطاع المالي والمؤسساتي في لبنان بيد هذه اللجنة.

هل يمر المشروع في مجلس النواب، مع العلم أن هذا المشروع في حال إقراره عرضة للإبطال لدى المجلس الدستوري لأن الصلاحية المعطاة للّجنة تخالف الدستور والقوانين المرعية الإجراء!. عضو كتلة التنمية والتحرير النائب ميشال موسى يعتبر أن القانون لا يقتصر على قضية تحويل الاموال الى الخارج بل هو كناية عن خطة أو رؤية مالية للبنان وأنه ن يكون مجحفًا في حق المودعين كما يروج البعض بل هو مريح للجميع!. ويفسّر التسرّع في إعادة طرح مشروع الكابيتال كونترول بإصرار صندوق النقد الدولي على ضرورة إقراره نظرًا لما له من أهمية وتأثير على مجمل الحركة المالية. لافتًا إلى أن اختلاف وجهات النظر حياله ستتوحد في اجتماع مناقشة اللجان النيابية يوم الاثنين قبل إقراره ورفعه إلى الجلسة العامة لمصادقته الثلثاء.

هذه المسوّدة يتوقّع البعض أن تُقرّ يوم الثلاثاء في الهيئة العامة للمجلس، بعد موافقة صندوق النقد الدولي، رغم أن الأمر دونه عقبات كثيرة بسبب اعتراض بعض النواب عليها. وتتهم مصادر سياسية مستشار رئيس الحكومة النائب نقولا نحاس وآخرين بأنهم وراء ترسيم بنودها.

نحاس بذاته يتوقع أن يوافق مجلس النواب على قانون الكابيتال كونترول “لأن صندوق النقد قد ساهم في صياغته”. ويُفسّر بأن هذا القانون سيخلق القاعدة الاساسية لإعطاء المودع حقه في هذه الظروف وسينظم علاقته مع المصارف ويسمح بإعادة بناء الاقتصاد من جديد”، معتبرًا أن “هذا القانون كان يجب أن يقر في العام 2016 للحفاظ على الاموال إلا أن ما حصل من قرارات خاطئة أدى الى انهيار الوضع المالي والاقتصادي وتدمير قدرة المودع على المساهمة في إعادة بنائه”.

فيما لم تخرج أصوات نيابية حتى الآن لطمأنة الناخبين، يُتوقع أن يرفض رئيس مجلس النواب نبيه بري إقرارها من دون إدخال تعديلات عليها “لضمان أموال المودعين”. التساؤلات والاستفسارات ستُحسم في الاستعراض والكباش النيابي يومي الاثنين والثلاثاء المقبلين…

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى