منوعات

هل تُسقط ثورة الإسمنت في لبنان كارتيلات الصناعة؟

أزمة الإسمنت في لبنان واحدة من أزمات السوق اللبنانية، وتتجلّى بارتفاع أسعار المادّة ارتفاعاً كبيراً، ما يُشكّل ضغطاً على قطاع البناء بأكمله، على الرّغم من أن الإسمنت مُنتج محلّيّ في الأساس.

أمام هذا الواقع، تقف السلطات الرسمية والاقتصادية عاجزة عن إيجاد حلول للأزمة، ولا جوابَ مقنعاً لدى أحدٍ من المعنيّين.

متعهدو البناء في طرابلس يعتصمون

في هذه الأجواء، اعتصم متعهّدو البناء والعمّال في طرابلس وقضاء زغرتا أمام ورشاتهم، تنديداً بأسعار السوق السوداء، وبسبب تمنُّع شركات الإسمنت عن تسليمهم المادة بشكلٍ مباشر، معتبرين أن الشركات المنتجة لا تهتمّ للمصلحة العامة، ما يستدعي تدخّل وزير الصناعة لمعاقبة شركات الترابة التي تتلاعب بمصير القطاع.

وطالب متحدّث باسم المعتصمين وزير الصناعة بإلزام شركات الإسمنت بتسليم المادة بمبلغ 320 ألف ليرة لبنانية للطّن، وفق السّعر السّابق، في وقتٍ رفضَ تذرّعَ الشركات بإقفال المقالع والكسّارات لرفع سعر الطنّ إلى ما يُقارب مليوني ليرة لبنانية.

نقابة مقاولي الأشغال العامة والبناء تخوّن…

إلى ذلك، عقدت نقابة مقاولي الأشغال العامّة والبناء اجتماعاً برئاسة النقيب المهندس مارون الحلو وحضور أعضاء مجلس الإدارة، فطالبت في بيان لها بالسماح لشركات الترابة باستخدام المقالع وتفعيل الإنتاج، مؤكّدةً أن “مادة الترابة تعتبر الأوكسجين الأساسيّ لحركة البناء والإعمار، وهي تُنتج محليّاً ولا تحتاج إلى تعقيدات العملة الصّعبة، ولا إلى تحمّل الدولة أعباء الاستيراد”، في وقتٍ رفضت “الاستمرار في المماطلة والتسويف بحجج بيئيّة في زمن الانهيار”، معتبرة أن ذلك “يرقى إلى مستوى الخيانة الوطنية في افتعال أزماتٍ تُثير شبهات بل توجّه أصابع الاتهام إلى المعنيّين بعرقلة الإنتاج لأسباب غير منطقيّة ولا مقنعة”.

وقد قرّرت النقابة مطالبة “السلطة بالسماح بفتح مقالع مصانع الترابة وإعادة الإنتاج قبل حصول الكارثة في قطاع البناء والمقاولات والتّجار وانهياره نهائياً”.

وفي ظلّ رفض أبناء قطاع البناء ومنتجي الإسمنت واقع الحال، ماذا يقول وزير الصناعة؟

حب الله: الجميع شركاء في المسؤوليّة

لا يجد وزير الصناعة الدكتور عماد حب الله في اتصال مع “أحوال” أن الكلام على الإنتاج المحلّي للإسمنت دقيق، بل يتحدّث عن عناصر مستوردة بالدولار، تدخل في تصنيع الإسمنت، ما يؤدّي إلى زيادة سعر طنّ الإسمنت.

وعند سؤاله عن الارتفاع الكبير في أسعار الإسمنت، يتحدّث الوزير عن عددٍ من الأسباب، منها: التأخّر في إقرار مخطط المقالع والكسّارات، وعدم منح الشركات رُخصاً طويلة الأمد لاستثمار المقالع، وارتفاع سعر صرف الدولار، وجشع التجّار الذين يستغلّون الأوضاع العامة في البلاد للتحكّم بالأسعار، وتهافت المواطنين على الشراء…ما يؤدّي إلى ترتيب مسؤولية جماعيّة في ارتفاع الأسعار.

وحول طرح قضية الاستيراد من المحيط العربيّ لمكافحة الغلاء، ينفي الوزير أن يكون الاستيراد حلاً عمليّاً، بل يُشدّد على أن أحداً لا يستطيع استيراد المادّة ووضعها في متناول المستهلك بأسعار تنافسيّة.

أين الحلّ؟

جباعي: كافحوا كارتيلات الإسمنت

لا يجد د. محمود جباعي (خبير اقتصادي ومالي) حلاً لأزمة قطاع الإسمنت وأسعاره المرتفعة إلا في تفكيك كارتيلات صناعة الإسمنت. ويشرح في حديث إلى “أحوال” سبب الخلل في القطاع بالقول: “إن قطاع صناعة الإسمنت في لبنان هو عيّنة من جميع القطاعات الاقتصادية في البلد التي تتحكم بها كارتيلات معيّنة وشركات محتكرة لهذا القطاع؛ وللأسف الشديد، يدفع الثمن دائماً المواطن اللبناني من خلال تحكّم هذه الشركات المحتكرة بمصيره وحياته اليومية. وفي لبنان، لدينا 3 شركات تتحكم بهذا القطاع، وهي تنال دعماً من الدولة”.

ويرفض د. جباعي التذرّع بالموادّ المستوردة التي تدخل في تصنيع الإسمنت لتبرير رفع سعر المنتج، ويوضح بأن “هناك جزءاً من موادّ التّصنيع مدعومٌ بسعر محدّد، وفق سعر الصرف الرسميّ، والبعض الآخر يُجلب من الخارج بسعر صرف السّوق، وبالتأكيد سيكون هناك ارتفاع في السعر”.

البيئة التنافسيّة مدخلٌ لتعديل أسعار الإسمنت

لكن د. جباعي يرى الحلّ في تدخّل الدولة لكسر الاحتكارات وخلق التنافسيّة في السوق، بوساطة: “دور الدولة هنا – كما في كلّ شيء – الذي يجب أن يقوم على فكّ الشراكة الرسميّة مع الشركات المحتكرة والوكالات الحصرية ومع الكارتيلات، وإجراء مناقصات جديدة لشركات أخرى لديها القدرة على أن تقدّم لهذه الصناعة، ولهذا القطاع، جهداً وتكلفة أقلّ، فتفيد المواطن اللبناني أكثر، وتزيد من القدرة التنافسية في السوق”.

وشدّد د.جباعي على وجوب “تحقيق أسعار تنافسية من خلال فتح اعتماد لشركات جديدة في قطاع الإسمنت حتى تأتي لنا بأسعار تنافس الأسعار الحالية؛ وهذا من شأنه أن يخفّض سعر الإسمنت في البلد، وبالتالي يؤثر في تخفيض تكلفة سلع وخدمات كثيرة تدخل فيها صناعة الإسمنت”.

وأضاف جباعي: “الواضح جداً أن هذه التراخيص هي التي تتحكّم بالسوق الآن، ويجب على الدولة فك ارتباطها مع هذه التراخيص، ومع كلّ الاحتكارات الأخرى”.

ويدعو د. جباعي “المجلس النيابيّ إلى أخذ قراره بإعادة النظر من جديد بكلّ القطاعات، ومنها صناعة الإسمنت، حيث لم تعد الأمور تسير بالشكل السابق، وحيث لا مبرّر لمنح شركات محتكرة السيطرة على حياة المواطن اللبناني، فهو يكفيه ما يعانيه من غلاء معيشة في كلّ الميادين الاقتصادية”.

تهافت المواطن على الإسمنت تعبير عن فشل الدولة

كذلك يرفض د. جباعي تحميل المواطن اللبناني المسؤوليّة عن ارتفاع أسعار مادّة الإسمنت أو غيرها من السلع، ويبرّر تهافت المواطنين على الاستهلاك بضعف صدقيّة الدولة، ويؤكّد: “أننا لا نستطيع أن نحمّل المواطن اللبنانيّ والناس التي تتهافت على الشراء مسؤولية ارتفاع الأسعار، لأنّ هذه الحالة تعبير عن الخوف وقلّة الثقة بسياسة الدولة، ولأن المواطن يعلم أن الدولة اللبنانية لم تسلّفه ما يُمكن أن يُطمئنه إلى مستقبله وتأمين حاجياته؛ ومن الطبيعي تالياً أنّ يسرع إلى الحصول على السّلعة عندما يشعر بفقدان المادة”.

لا تخفيض لسعر الإسمنت دون تدخّل الدولة

يختم د. جباعي بالتشديد على أن “الحلّ في يد الدولة، لا عند الناس، ولا مجال لتحميل الناس مسؤولية ذلك”.

المواطنون في الدولة مغبونون، والمسؤولون يُلقون عليهم بالتبِعات، على الرّغم من أنّ التشريع والتنظيم والمبادرة في يد السّلطات الرسميّة من حكومة ومؤسسات ومجلس نيابيّ…. وفوق ذلك تكفل الدولة للمحتكر احتكاره، وتُبرّر للتّجار جشعهم.

طارق قبلان

 

 

 

طارق قبلان

مجازٌ في الصحافة واللغة العربيّة. كاتب في السياسة والثقافة، وباحث في اللهجات والجماعات الإسلامية والحوار الديني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى