مهنة النقش على النحاس الأصيلة في طرابلس في طريق الاندثار!
في أحد الاسواق القديمة في مدينة طرابلس ما تزال اصوات “الطرطقة” على النحاس تُسمع ولكن بشكل خجول قياساً على ما كان يحصل في سوق النحاسين الشهير في المدينة حيث كان المواطنون يضطرون الى حجب آذانهم عن السمع اثناء مرورهم في ذلك الشارع ذات الحجارة الاسفلتية السوداء.
لا يوجد تاريخ محدد لبدء النقش على النحاس، أو منطقة متقدمة على سواها في العالم العربي كانت السبّاقة الى هذا النوع من العمل الذي تحوّل الى فن بحد ذاته. ولكن بعض المصادر التاريخية تشير الى انه إنطلق مع بدايات ازدهار الحضارة الإسلامية حيث اشتهر الإقبال على تزيين المباني كالمساجد والقصور والمدارس وسواها من المنشآت، وتهافت الناس على اقتنائها مما أدى إلى نشوء حرف عديدة مرتبطة بها لسد الطلب المتكاثر ، وإلى ابتداع الطرق والاساليب التي تحولت الى فن راقٍ قائم بذاته.
وعملية الزخرفة والنقوش تتطلب جهوداً خاصة إذ تبدأ برسم النقوش بأقلام نقش فولاذية وبمساعدة المطرقة والسندان، وبعد مسح القطعة جيداً يتم عزلها بمادة شمعية لا تتأثر بالأحماض، ثم بالرسم عبر قلم حاد ليتم تحديد الشكل المطلوب مما يسمح بوصول الحمض إلى جسم المعدن فوق الخدش أو الرسم ليصار الى تغطيس الآنية بحمض الآزوت الممدد وتركه لفترة حتى يأخذ الشق حجمه.
وهناك عدّة أنواع من النحاس يمكن النقش عليها هي: الأصفر، والأحمر، والأبيض، ولكن المتقدم بينها هما: الأحمر والأصفر الذي يُعتبر الأغلى ثمناً لنقائه وخلوّه من الشوائب وتميزه بالطراوة وسهولة النقش عليه.
في سوق النحاسين في عاصمة الشمال والذي يعود الى عهد المماليك قبل نحو ثمانمئة عام والذي يمتد على مساحة خمسمئة متر من السراي القديمة الى محلة التربيعة فحمام عز الدين التقى موقع “أحوال” السيد محمد طرطوسي الذي تباهى بأن عائلته من العائلات العريقة في هذه المهنة ويتناقلها الأبناء والأحفاد عن من سبقهم ويعملون على إضافة تقنيات حديثة عليها لإعطائها المزيد من الرونق والجمالية من دون التخلي عن التراث، حتى شكلت مهارة النحاسين في الرسم والنقش علامة فارقة في الصناعة اللبنانية. وأضحت الأواني والأراكيل والمناقل والتحف النحاسية وغيرها «زينة» تتفاخر ربات المنزل بجودتها وقيمتها المادية.
وأضاف:”الآّ أن هذا الفن بدأ بالتراجع المقلق بسبب طغيان استعمال البلاستيك والألمنيوم، والارتفاع المضطرد بأسعار النحاس، مشيراً الى أن ابرز العائلات التي تداولت هذه المهنة في السوق هي حسّون وطلحة وعزّو.
وختم بالقول: “إلاّ أن بعض العائلات الطرابلسية تمكنت من تطوير المهنة لتحوّل سوق النحاسين إلى تحفة تاريخية تجذب اللبنانيين والسياح العرب والأجانب اذا كانت الظروف الأمنية ملائمة. ولذلك فالاتجاه يتركز الآن على تصدير المنتجات الى بعض الدول الخليجية التي ما تزال تولي هذه الحرفة اهتماماً”.
مرسال الترس