سمير الجسر يستعد لتوريث نجله مقعده النّيابي
وضع عضو كتلة المستقبل، النّائب سمير الجسر، حدّاً للشّائعات التي راجت في الآونة الأخيرة، والتي تحدثت عن أنّه لن يترشّح للإنتخابات النّيابية المقبلة، عندما قال خلال مقابلة إعلامية أُجريت معه مؤخّراً: “لن أترشح. سوف أفسح في المجال أمام وجوه جديدة تسعى لخدمة لبنان ومدينة طرابلس”، وإنْ كان أوضح بأنّ ذلك “لا يعني أنّني سأترك العمل السّياسي، ولكنني سأتابعه وأخوض فيه حيث يجب، ومن منابر أخرى”.
بهذا التصريح يكون الجسر قد طوى مسيرة طويلة من عمله السّياسي وفي الشّأن العام، فهو انتُخب نقيباً لمحامي طرابلس عام 1994، بعدما كان انضم إلى “تيّار المستقبل” إثر لقائه الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 1991، الذي عيّنه مرّتين وزيراً في حكومته، الأولى بين عامَي 2000 و2003 عندما تسلّم حقيبة وزارة العدل، والثّانية بين عامَي 2003 و2004 عندما تسلّم حقيبة وزارة التربية والتعليم العالي.
إلا أنّ هذه العلاقة الوطيدة بين الجسر ورفيق الحريري لم تنجح في إدخال الأخير لإبن طرابلس على لائحته الإنتخابية، وهو كان قاب قوسين أو أدنى من الدخول إلى لائحته في دورة إنتخابات العام 2000، لكنّ الحريري تمنّى عليه عامها أن لا يترشّح كونه كان “محشورًا” حينها بتحالفات مع آخرين، قبل أن يتبنّى الرئيس سعد الحريري بعد اغتيال والده عام 2005 ترشيح الجسر على لائحته في دورة إنتخابات ذلك العام، ليبقى الجسر محافظاً على كرسيه النيابي عن مدينة طرابلس في الدّورتين اللاحقتين في عامَي 2009 و2018.
أسبابٌ كثيرة ردّها متابعون إلى إعلان الجسر موقفه بالعزوف عن الترشّح، أبرزها تقدّمه في العمر واقترابه من سنّ الـ78 عاماً وقرفه من العمل السّياسي، وكذلك إلى تراجع شعبية “تيّار المستقبل” في طرابلس كما وضعه في كلّ لبنان، ما جعله يرى أنّ الوقت قد أصبح مناسباً جدّاً للإبتعاد عن العمل النيابي بشكل نهائي، وهو الذي كان ينوي عدم الترشّح في دورة انتخابات العام 2018، لكن تمنّي الحريري عليه عدم العزوف عامها، بسبب المنافسة الشديدة، جعلته يؤجّل قراره.
غير أنّ أسئلة كثيرة طُرحت حول إنْ كان الجسر سيرشّح أحداً من أبنائه بدلاً منه في الإنتخابات المقبلة، مثلما فعل نوّاب مستقبليون كُثُر عملوا على “توريث” أحد أبنائهم مقعدهم النيابي، على غرار النّائب السابق طلال المرعبي مع نجله طارق، والنّائب السّابق أحمد فتفت مع نجله سامي، والنّائب الحالي محمّد كبّارة (شقيق زوجة الجسر، سلام عبد اللطيف كباّرة) مع نجله كريم الذي يستعدّ لخوض غمار انتخابات العام المقبل عوضاً عن والده.
عملية التوريث السّياسي والنيابي داخل بيت الجسر لا تُعتبر جديدة ولا طارئة عليه، إنّما هي ترسيخ لتقليد سابق يكاد يبلغ عمره 100 عام، إذ أنّ جدّ النّائب الجسر، الشيخ محمد الجسر كان رئيساً لمجلس النوّاب اللبناني بين عامَي 1927 و1932 أيّام الإنتداب الفرنسي، ووالده عدنان الجسر انتُخب بدوره نائباً عن طرابلس عام 1947.
ومع أنّ أيّ شيء لم يصدر رسميّاً عن الجسر في عملية التوريث هذه، وهو الذي رُزق بثلاثة أبناء، عدنان وغسان ورامي، فإنّه لمّح إلى هذا الأمر عندما توجّه بكلامه إلى فئة “الشباب الذين يملكون العلم والمعرفة والخبرة، ويستشعرون الموضوعية في أنفسهم، ويهتمون بالشّأن العام”، قائلًا: “استعدوا وأقدموا إذا ما أتيحت لكم الفرصة، فالبلد بحاجة إلى أمثالكم ولا تبخلوا عليه”.
وردّ مراقبون عدم إعلان الجسر تبنّي ترشيح أحد أبنائه لخلافته إلى أنّه “وقف طويلاً في السّابق في وجه عمليات التوريث السّياسي، خصوصاً مع آل كرامي في طرابلس، وسواهم خارجها، ما يجعله محرجاً في السير بعملية التوريث بشكل تقليدي، فآثر أن يترك هذا الإعلان إلى أحد أبنائه كمخرج يراه لائقاً في هذا الإطار”.
لكنّ من هو أحد أبناء الجسر الثلاثة الذي سيخلف والده بالعمل في الحفاظ على إرث العائلة السّياسي؟
مراقبون أوضحوا لـ”أحوال” أنّ نجله غسّان “يُعتبر المرشّح الأوفّر حظاً بين إخوته لخوض هذا الغمار، لأنّ الأخ الأكبر عدنان والأخ الأصغر رامي ليس لديهما اهتمامات سياسية مثله، كما أنّه يلقى دعماً واسعاً في صفوف العائلة، سواء من عمّه نبيل الجسر رئيس مجلس الإنماء والإعمار، والذي يعتبر غسّان إبنه الروحي، كونه لم يُرزق بذكور من زواجه، وكذلك من قريبه رجل الأعمال خير الدين الجسر الذي يعمل في خارج لبنان، وتحديداً في السعودية، وأنّ كلّ ما يتبقى أمامه هو إقناع الرئيس سعد الحريري بإدخاله في لائحته، قبل أن يحوز ثقة ناخبي المدينة في دورة الإنتخابات المقبلة، في ظرفٍ طرأت عليه تبدّلات سياسيّة وشعبية كثيرة”.
عبد الكافي الصمد