الحكومة تسابق الزمن… ميقاتي يريد بيانًا وزاريًا رشيقًا
على الرغم من كل الطقوس والمراسم وبروتوكولات تحوّل المشهد السياسي، التي واكبت انعقاد الجلسة الأولى لمجلس الوزراء في قصر بعبدا والتقاط الصورة التقليدية للحكومة مع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس ميقاتي، ومن ثم العودة الثالثة لميقاتي إلى السرايا مستهلًا مهامه بالانكباب على البيان الوزاري ومن بعدها انعقاد الاجتماع الأول للجنة الوزارية، ومن ثم بدء عمليات التسليم والتسلم بين الوزراء. برغم كل ما سبق يبقى الهم اللبناني منكبًا على طوابير المحروقات والدواء وسعر صرف الدولار، والأسئلة التي لا تجد لها أجوبة شافية حول كيفية انقاذهم مما وقعوا فيه.
ميقاتي الثالث يسابق الزمن، وهو مدرك أنه وحكومته لا يملكان ترف الوقت للمناورة والتفكير واللعب على أعصاب اللبنانيين، ومن هذا المنطلق يجهد لتقديم البيان الوزاري الذي ستنال الحكومة على أساسه الثقة إيذانًا بانطلاق قطار الإنقاذ. أي دور وأي مهمة وأي بيان وزاري وأي قرار وأي سياسة خارجية أفرزتها التسوية، ذلك ما ينتظر اللبنانيون استشرافه من خطوط البيان الوزاري وما بينها وخلفها.
وعملًا بتمنيات كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس ميقاتي بالإكثار من العمل والتخفيف من الكلام، يُتوقّع أن تعقد جلسة الثقة بالحكومة في نهاية الأسبوع، لأنّ الرئيس نجيب ميقاتي مصرّ على الانتهاء من صياغة البيان الوزاري في ثلاث جلسات متتالية، بعد أن توضّحت عناوينه من خلال مداخلته ومداخلة رئيس الجمهورية في الجلسة الوزارية الأولى في بعبدا.
لم يهدر رئيس الحكومة الرابعة في عهد الرئيس ميشال عون وقته، وانكب في اليوم الأول على وضع مسودة بيان وزاري، عرضه على اللجنة الوزارية لوضع تعديلات على البنود المنصوصة كل وزير حسب اختصاصه. وضمّن ميقاتي في صياغة البيان الوزاري للحكومة الذي يحدّد برنامج عملها للأشهر القليلة من عمرها، تعهدات في الاقتصاد والأمن الاجتماعي والسياسي والنهوض من الأزمات المالية والمعيشية.
ومن البنود تلك التي درج إيرادها في كل بيانات الحكومات السابقة كالتزام القرارات الدولية ووثيقة الوفاق الوطني. وعلى المستوى السيادي، ما يتعلق بحق لبنان في استرجاع أرضه في الجنوب برًا وبحرًا عبر مفاوضات ترسيم الحدود. والتزام ما نصّت عليه المبادرة الفرنسية ويُلح عليه المجتمع الدولي لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها. ويُفرد البيان بندًا متعلِّقًا بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان والتزام حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم كما عودة النازحين السوريين إلى بلادهم بعد استتباب الأمن فيها.
وبيت القصيد في البيان الوزاري ما يتعلق بالانهيار المالي فيتحدث عن توجه إلى التفاوض مع صندوق النقد الدولي والالتزام بالإصلاحات الواردة في المبادرة الفرنسية وتوصيات صندوق النقد وضبط التهريب وتنفيذ خطة التعافي الاقتصادي والمالي وإعادة هيكلة النظام المصرفي. ويتعهد البيان بالمضي في كشف حقيقة كارثة انفجار مرفأ بيروت ودعم التحقيق العدلي في الجريمة.
أما البند المتعلّق بالمقاومة فتبقى الصيغة التي اعتمدت في بيانات الحكومات السابقة في هذا العهد وما قبله “التأكيد على حق لبنان بالمقاومة لاسترجاع حقوقه والدفاع عن أراضيه وفق معادلة جيش وشعب ومقاومة. وطبعاً وضع علاقات لبنان العربية والدولية على سكتها الطبيعية.
بنود ميقاتي، التي حدّدتها مسودة بيان ميقاتي، وُضِعت على طاولة النقاش اليوم خلال الاجتماع الثاني للجنة، والتي تضم الى جانب ميقاتي، نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، ووزراء: التربية عباس الحلبي، الإعلام جورج قرداحي، العدل هنري خوري، المالية يوسف خليل، التنمية الإدارية نجلا رياشي عساكر، الداخلية بسام مولوي، العمل مصطفى بيرم، الزراعة عباس الحاج حسن، الشؤون الاجتماعية هكتور حجار، الطاقة وليد فياض، المهجرين عصام شرف الدين والثقافة محمد مرتضى.
لا خلافات ولا اختلافات على الطاولة الوزارية، بحسب مصادر مطلعة على أعمال السراي الحكومي، والنقاش كان حول انتقاء العبارات الأنسب والتي لا تُثير التباسات لدى الرأي العام. وأفادت المعلومات بأنّ هناك اتجاهاً لترشيق البيان كي لا يكون طويلاً ولا يحمل تعهدات بعيدة المنال.
تعود اللجنة الوزارية المكلفة وضع البيان الوزاري، بعد جلستين إلى الاجتماع يوم غد الأربعاء والخميس، على أمل عقد جلسة لمجلس الوزراء قبل نهاية الأسبوع لإقرار البيان الوزاري، من ثمّ الذهاب إلى مجلس النواب لنيل الثقة. في أولى جلساتها برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي، استمعت اللجنة الوزارية إلى توجهاته العامة التي فنّدها بورقة أعدّها فريقه المساعد واليوم باشرت مناقشة المسودة التي أعدها. ورجّحت المصادر أن تنتهي اللجنة من صياغة البيان الوزاري في اجتماع الغد.
وأعطى الوزراء ملاحظات بشأن مسودة الحكومة التي حضرها فريق عمل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ويتوقّع أن يخرج المعنيون غداً بصياغة نهائية للبيان الوزاري، كما تمنّى ميقاتي من الوزراء الانتهاء من صياغته غداً.
في الشكل يُعد البيان الوزاري خطّة العمل لأي حكومة ترسم مسار عملها لنيل الثقة على أساسها في مجلس ممثلي الشعب. والدستور نصّ في الفقرة الثانية من المادة 64 أنه “على الحكومة أن تتقدم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنیل الثقة في مهلة ثلاثين یوماً من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها. ولا تمارس الحكومة صلاحیاتها قبل نیلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيق لتصریف الأعمال”.
أمّا في المضمون فهو يُحدد هوية الحكومة الوطنية والسياسية، وهي غالبًا ما تخضع للتجاذب خلال مناكفات القوى والأحزاب التي تريد حكومة على صورتها إلا أنها في نهاية مطاف التصارع تخضع لتعايش الأضداد، وغالباً ما كان يخرج البيان الوزاري للحكومات المتعاقبة ما بعد الطائف بعد جولات من الجدل والعراك، لكن في حالة رابع حكومات العهد يبدو أن الأمور تجري بسلاسة.
أمام الحكومة الحالية مهلة حتى العاشر من شهر تشرين الأول المقبل لتتقدم ببيانها الوزاري من مجلس النواب طلباً للثقة، ولكن الرئيس الجديد يريد أن تبدأ ولايته على وجه السرعة بحيث يجهز البيان هذا الأسبوع على أن يتم تقديمه إلى المجلس النيابي الأسبوع المقبل.
في البرلمان، ووفق المادة 73 من النظام الداخلي لمجلس النواب فإنه “تجري مناقشة البيان الوزاري في جلسة تعقد بعد 48 ساعة على الأقل من جلسة التلاوة ما لم يكن قد وزع البيان الوزاري على النواب قبل هذه الجلسة بمدة مماثلة”. وعليه يتم تحديد موعد جلسة الثقة خلال مهلة لا تتعدى ثلاثة أيام من تاريخ وصول البيان إلى مجلس النواب وتوزيعه عليهم. وفي هذا المجال كان رئيس المجلس النيابي نبيه بري قد قطع وعدًا لميقاتي بالإسراع في عقد جلسة الثقة فور إقرار البيان في مجلس الوزراء عملًا بقول “حي على العمل”.
يعود نجيب ميقاتي إلى جنة السلطة وجحيم مسؤولياتها بغطاء عربي ودولي أفرزته تسوية فرنسية إيرانية برعاية أميركية وقبول مصري، ولا مبالاة سعودية. لكن الدعم المتكامل لم تتضح معالمه بعد. وبحسب التصاريح المتكررة فإن أنظار العالم تراقب أداء الحكومة الجديدة ومسار عملها بعد نيلها الثقة في البرلمان، وسنُقيّم طريقة تعاطي الوزراء مع الملفات، لاتخاذ قرار المساعدة. هل تضخ الأكسيجين في الجسد اللبناني لاستعادة عافيته أم تُخدره نحو جهنم أعظم، الأيام ستكشف المصير.
رانيا برو