الحريري والحكومة… عجزٌ يحتاج إلى معجزة
قرار تقديم التشكيلة أو الإعتذار معلّق على كلمة القاهرة والرئيس السيسي
في آخر مجريات الأخبار الحكومة المملة لبنانياً أن الرئيس المكلّف سعد الحريري اتصل برئيس الجمهورية ميشال عون لتأجيل اللقاء الذي كان مرتقباً في بعبدا اليوم الثلاثاء إلى عصر يوم غد الأربعاء.!
وفي ظل انعدام الوضوح والضبابية التي رافقت مسار تأليف الحكومة منذ صدور التكليف، فالصورة الواضحة باتت تقترب من الوضوح لجهة مهمة الرئيس المكلّف، وفي داخلها تقديم تشكيلة فاعتذار!
رئيس تيّار المستقبل، الذي علّق أزمة وطنه على جناح طائرته المحلّقة بين عواصم محدّدة في عز حرمان اللبنانيين من كل أنواع النفط، يُدير محرك طائرته مجدداً ليغط في القاهرة، ليستمر مسلسل التكهنات والتأويلات في حلقة مفرغة من الجدل البيزنطي والتسريبات غير الفعّالة والعديمة الجدوى.
هل يعتذر الحريري أم يُقدّم تشكيلة حكومية ستكون مرفوضة حتماً أو في أحسن الاحتمالات ستكون خاضعة لتعديلات تأخذ حيّزاً جديداً من السجالات والدوران في دوّامة اللاقرار. كل ذلك لا يعني شيء للبنانيين الثقلين بهموم الركض داخل سواد العتمة سعياً للحصول على الدواء والماء والوقود والخبز.
ما تلوكه التسريبات والمعلومات عن أسبوع الحسم غير محسوم في الأداء المرتبك للرئيس المكلّف وما هو محسوم تجلّي عجز القوى السياسية الداخلية وأيضاً الخارجية عن إيجاد مخرج أو تسوية للأزمة المستفحلة على مستوى الحكومة وأيضاً ترتيب ما بعدها من استحقاقات. وفي ظل الاصطفاف السياسي والطائفي والاستعصاء في الاتفاق على شكل ومضمون صورة الحكومة فإن الذهاب نحو اعتذار الرئيس المكلف سعد الحريري والاتفاق ضمن شروط ومعايير دولية على آلية تشكيل حكومة مصغّرة لكن ليس الآن، بحسب مصادر مطّلعة، بل خلال أشهر، يُقدم الحريري نفسه رضاه على الرئيس الذي سيخلفه وتوافق عليه القوى السياسية وعلى رأسهم ثنائي حزب الله وحركة أمل.
الشروط الدولية هي نفسها التي سيستطلعها الرئيس الكلّف في زيارته للقاهرة اليوم، وبحسب المعلومات، فإن الزيارة التي قد تحمل معطيات جديدة طرأت في الساعات الماضية، هي التي أدت الى إرجاء زيارة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الى قصر بعبدا.
وكان من المرجح أن يُطلع الحريري رئيس الجمهورية ميشال عون على تشكيلة حكومية جديدة من 24 وزيراً التزاماً من الرئيس المكلف بالمبادرة التي تولاها رئيس مجلس النواب نبيه بري. والتشكيلة كما هو معلوم وفق بنود المبادرة تشمل أسماء مرشحين مستقلين من ذوي الاختصاص، مشابهة إلى حد كبير للتشكيلة التي قدمها الحريري لأول مرة ولكن ضمن تركيبة 24 وزيراً بدلاً من 18 وزيراً.
زيارة الحريري للقاهرة باتت روتينية، فهي صلة الوصل العربية الوحيدة للحريري مع الشرق والغرب. والرئيس الصري عبدالفتّاح السيسي، يبدو الميزان الذي يقيس عبره الحريري حرارة الدعم أو الرفض العربي والغربي له. ولقاهرة المعز علاقاتها الجيدة مع الدول الخليجية، ولا سيّما السعودية والإمارات العربية المتحدة، وأيضاً التنسيق عال المستوى مع ساكن الإليزيه الرئيس الفرنسي فرنسوا ماكرون.
لكن ما ينتظره الحريري من القاهرة لم يأت أوانه بعد، بحسب مصادر مطلعة، فالإشارات الخليجية من الرياض تحديداً لا تزال على جفائها وجفافها، والرِضى السعودي لا يزال محجوباً عن الرئيس المكلّف. وفيما تُصر القاهرة على بقاء الحريري في مسيره الحكومي، فإن الأخير يبدو أمام خيارين لا ثالث لهما إما تشكيلة يُوافق عليها رئيس الجمهورية أو لا وإما الاعتذار عن المشهد الحكومي والتفرّغ لخوض الانتخابات النيابية.
ويبدو أن الخيار الأخير بات أقرب إلى عقل ساكن بيت الوسط والفضاء كما إلى فريقه السياسي الذي لطالما استبعد هذا الخيار هذا ما أكد عليه النائب السابق مصطفى علوش مؤكداً أنّ الحريري سيعتذر أواخر الأسبوع الجاري، مفسحاً المجال لاستشارات نيابية لتشكيل حكومة جديدة، معتبراً أنّ “الأزمة القائمة لن تنتهي إلا بوضع لبنان تحت الوصاية الدولية بانتظار الحلول”.
نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي خرج من لقاء الحريري في بيت الوسط معلّلًا على حركة الرئيس المكلّف “هو سيحاول ترجمة الأمور في الوقت القريب والقريب جداً بإذن الله.. على أمل أن يُثمر الحراك الذي سيقوم به، سواء في الداخل إلى الخارج”.
لكن ترجمة هذه الإشارة تبقى معلّقة على الكلمة المصرية عبر الرئيس السيسي سواء للدفع نحو الاستمرار بمسيرة التأليف أو إلى السير بالاعتذار بعد التوافق على شخصية تخلفه وفي أسوأ الاحتمالات بقاء الحال على ما هو عليه من الاستعصاء والتعطيل.
هذا الاستعصاء سيفرض بقاء حكومة تصريف الأعمال إلى حين إجراء الانتخابات النيابية. ويُتداول في الأروقة السياسية أن مرجعيات حثّت وزرائها في حكومة حسّان دياب على استمرار العمل الجدي في الحضور وتصريف الأعمال في وزاراتهم والعمل على التحضير للانتخابات النيابية إشرافياً في ربيع العام المقبل.
الرئيس المكلّف وضع رفاقه في نادي رؤساء الحكومات السابقين في أجواء خطوة الاعتذار وتداعياتها وما بعدها. وأبلغهم إصراره على أن يكون خلفه من بينهم لكن كلا من نجيب ميقاتي الأكثر تداولاً وتمام سلام حسابات ومخاوف من تسلّم هذه المهمة الشاقة والأول له حسابات انتخابية في طرابلس المشتعلة تحت وطأة الأزمة المعيشية الحادّة كما الثاني له حساباته البيروتية وسط استياء حاد بين أهالي بيروت من الأوضاع السيئة. فعاد طرح إسم مصطفى أديب، الذي كان قد أعلن استسلامه ونفض يديه من العمل السياسي وإمكانية عودته إليه تحتاج إلى خطوات مدروسة في ظل تدحرج الأوضاع المالية والحياتية نحو الانهيار والانفجار.
في بعبدا الموقف على حاله، ينتظر رئيس الجمهورية من الرئيس المكلّف تقديم تشكيلة مناسبة ليبني على الشيء مقتضاه. وهو استبق زيارة الحريري إلى القصر الرئاسي بدعوة لـ”قراءة الدستور”.
“فقد غرّد عون عبر حسابه الشخصي على “تويتر” قائلاً: “من يريد انتقاد رئيس الجمهورية حول صلاحيته في تأليف الحكومة، فليقرأ جيداً الفقرة الرابعة من المادة 53 من الدستور.
وتغريدة عون لتأكيد شراكته في تأليف الحكومة، وليس فقط تلقي الأسماء التي تتضمنها التشكيلة والتوقيع عليها. وتنص المادة التي أشار إليها عون وهي مدار سجال دستوري بين الحريري وعون والخبراء الدستوريين أنه “يصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم”.
في الأجواء السياسية ثمة ترجيح لصالح فكرة أن التشكيلة الحكومية التي ستُعرض هي من نوع “المردود سلفاً مع الشكر”. هذا ما يراه النائب في تكتل لبنان القوي ماريو عون قائلًا “ليس من المطلوب فقط أن يتوجه رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الى القصر الجمهوري لتقديم تشكيلة رفع عتب، بل المطلوب من الحريري في حال زيارته بعبدا أن يجلس مع رئيس الجمهورية ميشال عون ويتناقش معه بالأسماء المطروحة في التشكيلة التي سيقدمها”، معتبراً أن الرئيس ليس العائق أبداً أمام التأليف.
اعتذار الحريري عن عدم إكمال مسيرة التأليف، إذا حصل كما يُشاع في إطلالة إعلامية مرتقبة له، لا يعني سوى المزيد من الانهيار الكبير وضرب لاحتمالات وقف الكارثة عند حدّ ما، وبقاء العجز القائم في ظل حكومة تصريف أعمال منصرفة عن أعمالها والمزيد من العبث الذي يُكثّف البلاء الكامل والشامل حتى موعد لاحق زمنياً على إيقاع معجزة يُنتجها ميزان التسويات والتحالفات الاقليمية والدولية.
رانيا برو