في اليوم العالمي للمرأة: اللبنانيات مواطنات “درجة عاشرة”
في 8 آذار عام 1908، خرجت آلاف النساء إلى شوارع نيويورك، للمطالبة بتقليل ساعات العمل وتحسين الأجور وبحقهن بالانتخاب؛ ليتم اعتماد هذا اليوم لاحقاً، “يوماً عالمياً للمرأة”.
وليس شعار الخبز والورود الذي رُفع وقتها، إلا دليل على خوض النساء نضالات تاريخية سُطِّرت أحياناً بالدماء، لتحقيق المساواة في المجتمعات.
وفي لبنان فرضت المرأة نضالها، حتى قيل إنّ “الثورة أنثى”، بعدما تصدّرت النساء المشهد في ساحات 17 تشرين، وتميّزن بإصرارهن على المواجهة، فوصفن بالصادقات، الوطنيات والجادات في مسيرة التغيير؛ ما انعكس تقديراً لنضالات المرأة، ومناصرةً لقضاياها أكثر من أي وقت مضى.
وكان لافتاً هذا العام، انضمام مجموعات ثورية لمسيرة 8 آذار، فهل تتبنى مجموعات الثورة بدورها قضايا المرأة اللبنانية؟ وأي دور للمرأة ليس في الثورة وحسب، بل في لبنان الجديد؟
دور مفصلي
يلفت عضو مجلس المواطنين في “بيروت مدينتي”، طارق عمار في حديث لـ”أحوال”، إلى أنها ليست السنة الأولى التي نشارك فيها بهذه المسيرة. وشخصياً لطالما شاركت بهذا اليوم، لما يعنيه لي بقضاياه وكيفية انتزاعه تاريخياً.
وحقوق المرأة اللبنانية في صلب برنامجنا، تكريساً للمساواة والعدالة. وعلى صعيد التطبيق، فإنّ لائحة الإنتخابات البلدية لبيروت مدينتي كان نصفها من النساء، كما أن مجلس المواطنين لدينا أغلبيته من النساء، وهي مسألة أساسية بالنسبة لنا.
من جهة ثانية، يثني عمّار على الدور “المفصلي” الذي لعبته المرأة في الثورة، لافتاً إلى أساليبها “الذكية” بإيصال الرسالة، كالسلسلة البشرية من أقصى لبنان إلى أقصاه.
كما يشيد بدورها بالتنظيم والتخطيط، والعمل في مطبخ الثورة، ومتابعة جرحى المظاهرات، ودورها كمحامية، في لجنة الدفاع عن المعتقلين.
وبرأيه، هناك رجال يتحمّلون مسؤولية تلوث البيئة عالمياً، واستنزاف الموارد الطبيعية، كون غالبية من في السلطة هم من الرجال، كما أن المجتمع الذكوري البطريركي ساهم في وجود الأنظمة المحفزة للإحتكار.
من هنا، مشاركة المرأة قد تكون مدخلاً برأيه لتغيير أداء السلطة في لبنان، فوجود النساء بمراكز القيادة أعطى مفهوماً جديداً للسياسة الأوروبية مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. لكن هذا لا يعني بالضرورة أن أي امرأة قادرة على لعب دور سياسي إيجابي، ومارغريت تاتشر دليل على ذلك.
وأشار عمار إلى الغياب الكامل للمرأة في مواقع صنع القرار في لبنان، فهي لا تصل عبر مسار نضالي بل غالباً عبر التوريث السياسي. لذا نحن أمام مشروع نضالي كبير، لا تضمنه فقط القوانين، بل يكرّسه تطبيقها.
مرشاد: لقانون مدني موحّد للأحوال الشخصية
وعن التحديات التي تواجهها المرأة اليوم، تلفت الناشطة النسوية حياة مرشاد إلى أن بعضها قديم، وهو نتاج القوانين التمييزية والثقافة الذكورية وقوانين الأحوال الشخصية الطائفية. أما التحديات الجديدة فأضفتها جائحة كورونا، والأزمة الاقتصادية.
والمرأة اللبنانية بحسب مرشاد، غير معترف بمواطنيتها؛ فهي لا تستطيع منح جنسيتها لأولادها، ومحكومة بـ 15 قانون للأحوال الشخصية، كل قانون منها يفتي على مزاجه بمسائل الزواج، الطلاق، الحضانة،والميراث.
وهذه القوانين لا تميّز بين النساء والرجال على أساس الجنس وحسب، بل تميّز أيضاً بين النساء من طوائف مختلفة. لذا، فإنّ قانون الأحوال الشخصية الحالي هو عائق أساسي أمام تحقيق المساواة. ومن هنا المطالبة بقانون مدني للأحوال الشخصية.
وبحسب منظمة العمل، فإنّ أجور الرجال أعلى من أجورنا بنسبة 6.5%، كما أن هناك قطاعات ما زالت فيها المرأة شبه مغيبة، سيما في مراكز القيادة، والمجال السياسي.
أما الثقافة المجتمعية السائدة، فتبرر العنف ضد النساء وتنتج أدواراً نمطية تمييزية بين المرأة والرجل، وكذلك الصورة النمطية للمرأة في الإعلام.
وتتابع مرشاد، في أوقات الأوبئة والأزمات إنّ النساء والفئات المهمشة هي أكثر من يدفع الثمن. وقد حُجرت النساء خلال فترات الإقفال مع معنفهن، في ظل محدودية وصولهن للدعم، فتفاقمت نسبة التبليغ عن العنف حتى 104%.
والنساء اليوم بحاجة للتركيز على صحتهن النفسية، وليس حمايتهن من العنف وحسب، سيما مع تداعيات الإنهيار الإقتصادي.
وتلفت الناشطة النسوية إلى أنّ نسبة العاملات في سوق العمل لا تتجاوز 28%، مقارنة بنسبة 76% للرجال، وأغلبهن يعملن في قطاعات غير منظمة، ما يجعل أوضاعهن أكثر هشاشة. كما لا يمكن إغفال أعباء العمل المنزلي غير مدفوع الأجر وغير المُقدّر لهن، سواء من قبل الدولة أو بعض الرجال.
في الصفوف الأمامية
شعار اليوم العالمي للمرأة هذا العام هو “النساء ودورهن القيادي: تحقيق مستقبل متساوٍ في عالم يسوده جائحة كوفيد-19″، تعقّب مرشاد، بالقول، نساؤنا في الصفوف الأمامية لهذه المعركة، من قطاع تمريضي(80%)، إلى طبيبات وصحافيات وعناصر من الصليب الأحمر والدفاع المدني. وبعد انفجار بيروت، انضمت ناشطات لتلك الكوادر، للإغاثة ورفع الركام.
وعن المشاركة السياسية للمرأة، تشير إلى أنه دائماً ما تكون النساء في الخطوط الأمامية للنضال ورفع الصوت لكن يتم تغييبهن عند التوصل لحلول سياسية، بسبب ذكورية السياسة والأحزاب السياسية. والتغييب يكرس داخل الحزب، وعلى مستوى التمثيل البرلماني، وعدم الأخذ بالإعتبار أولويات المرأة وقضاياها.
وتذكّر مرشاد بالنساء اللواتي رفعن راية قضاياهن في انتفاضة 17 تشرين، معتبرة أن الأولوية القصوى اليوم هي لقانون مدني موحد، وتنزيه القوانين الأخرى من أي تمييز، كقانون الجنسية، قانون العمل وقانون الضمان.
ولا إصلاح دون قضايا النساء، فأي تغيير سياسي أو حكومة جديدة تستثنى منها قضايا النساء ومشاركتهن هو تغيير منقوص، والعمل الأساسي يبدأ بتضمين هذه الحقوق بأي مرحلة انتقالية في البلد.
وبداية التغيير هي بالقوانين والعمل على العقلية المجتمعية في آن، عبر تغيير المناهج والعمل مع الأهل لتربية تراعي المساواة الجندرية، إضافة إلى إعلام يغطي قضايا النساء بعيداً عن التمييز والتسليع. كما ينطلق التغيير من كل فرد فينا، عبر رفع الصوت ودعم قضايا النساء، سيما وأنها قضايا مجتمعية.
مواطِنة درجة عاشرة!
في ظل غياب قانون مدني موحّد للأحوال الشخصية وغياب قانون انتخابي يضمن وصول النساء إلى مراكز صنع القرار، وضعف إجراءات الحماية القانونية من العنف الأُسري والتحرّش… ستبقى ساره وغيرها من اللبنانيات مواطنات من الدرجة ليست الثانية فحسب، بل العاشرة!
في هذا السياق، تقول الناشطة النسوية سارة العوطة لـ”أحوال”، إنني في وطن لا يمنحني كإمرأة حقوقي الأساسية في مسائل كحقوق الملكية، وحضانة الأطفال وإعطاء الجنسية لعائلتي؛ محمّلة النظام “الأبوي الفاسد والمجرم”، مسؤولية تمادي المحاكم الدينية بقراراتها المجحفة بحقنا.
وعن الاحتفال بيوم المرأة العالمي، تراه إلحاحاً ايجابياً مستمراً لنضالنا النسوي في مواجهة كافة أشكال العنف ضد النساء والفتيات وفي رفع الصوت لتأمين العدل والمساواة لهنّ لتكنّ فاعلات في أوطناهنّ.
وهي إذ تحتفل وتتضامن مع النساء اليوم_ “لأنّه من حقنا التذكير بمحاولاتنا ونجاحاتنا في التغيير الإيجابي”، تؤمن بأنّ ثورة 17 تشرين هي الأمل في الخلاص، عبر رجمها للنظام الذكوري الطائفي الفاسد.
وبرأيها، أثبتت الثورة للبنان والعالم أنّ وجود النساء الطبيعي هو في الصفوف الأمامية، وأن لا ثقة بالتغيير إلا بإشراكهن في صنع القرار والمساءلة. وإذ ترى أن الثائرات والثائرين هزّوا عرش النظام الطائفي المقيت مدعي الديمقراطية، تؤمن أنهم سيحدثون تغييراً إيجابياً، ولو بعد حينٍ.
اختارت حملة اليوم العالمي للمرأة لهذا العام شعار “اختاري أن تتحدي”. فهل تتحدى اللبنانيات واقعهن حتى النهاية، فتفرضن مكانهن الطبيعي، ليولد من رحم هذه الثورة، وطن يليق بالجميع؟
فتات عياد