مساعدات مشروطة من قِبل بعض الجمعيات.. حماية للمستأجر أم ضغط على المالك؟
كشفت “نقابة مالكي العقارات والأبنية المؤجّرة في لبنان” إقدام بعض الجمعيات والمؤسسات التي تهتم بأعمال الصيانة والترميم، بعد الانفجار الكارثي في 4 آب، على إرغام مالكي المباني المؤجّرة على توقيع عقود يلتزمون فيها “مُكرهين” بالتخلّي عن بدل الإيجار والزيادات القانونية أو التلقائية لفترة عام، وكذلك التخلّي عن حقوقهم المنصوص عليها في القانون، الأمر الذي يطرح علامات استفهام عديدة حول نيّة تلك المؤسسات ومن يقف خلفها من جراء هذا الابتزاز المفضوح من جهة، وحول ما إذا كان الهدف هو التضييق على مالكي الإيجارات بمحاولة إرغامهم على البيع، من جهة أخرى.
في هذا الإطار، يؤكد رئيس نقابة مالكي العقارات والأبنية المؤجرة في لبنان، باتريك رزق الله، في حديث لـ”أحوال” أنه تلقّى اتصالَين من مالكيَن لمباني في بيروت، وأخبراه أنّ إحدى الجمعيات تواصلت معهما وعرضت عليهما المساعدة في ترميم منازلهما المتضررة جراء انفجار مرفأ بيروت، إلا أنّ هذه المساعدة كانت مشروطة بالإمضاء على عقد يحمل شرطَين غير قانونيَين.
رزق الله زوّد “أحوال” بالمستندات التي تُظهر هذين الشرطين، وهما:
1- يتعهد الطرف الثالث، أي صاحب الملك، بعدم زيادة الإيجار الذي يتقاضاه من الطرف الأول، أي المستأجر، نتيجة التحسينات التي قامت بها الجمعية، لمدّة 12 شهرًا من تاريخ توقيع هذه الوثيقة.
2- يتعهد الطرف الثالث، أي صاحب الملك، بعدم إخلاء المستفيد من الوحدة السكنية قبل انتهاء مدة 12 شهرًا من تاريخ توقيع هذه الوثيقة.
هذان الشرطان اعتبرهما النقيب رزق الله بمثابة “تدخّل بحق المالكية”، مؤكدًا أنه لا يحقّ لأي جهة مهما كانت، دولة أو جمعية أو شركة، إعطاء هبات مشروطة طالما أن الشخص المعني بالهبة يستحقّها، سواء بسبب وضعه المادي أو نكبة معيّنة تعرض لها.
من هنا، يلفت رزق الله إلى “حقّ المالك برفض العقد”، داعيًا المالكين إلى “استشارة الدائرة القانونية في نقابة المالكين، لاحتمال أن يشوب العقد بنودًا ابتزازية أخرى”، إذ يتخوّف من محاولات الاستمرار بضرب الإيجار، أو احتمال وجود أهداف مجهولة الجهات لدفع المالكين إلى البيع أو التضييق على خدمة الإيجار، مستشهدًا بشارع “مونو” الذي بيعت نصف أبنيته لمستثمرين عرب وأجانب.
أما على الصعيد الرسمي، فيعتبر رئيس نقابة مالكي العقارات والأبنية المؤجرة في لبنان، في حديثه لموقعنا، أن النواب والوزراء وجميع المسؤولين في البلد يضمرون عكس ما يعلنون عبر وسائل الإعلام، مشددًا على ضرورة توفير مقومات الصمود للمالكين كي يتمكنوا من التمسك بممتلكاتهم وعدم بيعها، و”أبرز تلك المقومات تتمثّل بإصدار قانون إيجارات لتحرير الإيجارات غير السكنية، وتفادي المزيد من التأخير في تفعيل عمل اللجان في قانون الإيجارات الجديد”.
من جهة أخرى، يشير النقيب رزق الله إلى وجود ضغط على المالكين، بحيث يتم منعهم من البيع وتمديد الإيجار لمدة سنة، “مع العلم أننا ضد البيع بشكل نهائي، إنما نفضل مساعدة المالكين بدل منعهم من البيع”، مضيفًا: “نحن أمام مشكلة الإيجارات القديمة، حيث هناك مصارف ومؤسسات كبرى وشركات لا تزال تدفع إيجارًا قديمًا، فبأي حق تمنع أي جمعية المالك من رفع الإيجارات وتطبيق القانون؟”.
وعلى الضفة الموازية، يؤكد المحامي روجيه كرم في حديث لـ”أحوال” أنه من الناحية القانونية لا مخالفات للنظام العام في البنود التي تشترطها الجمعيات لمنح هباتها، وبالتالي لا شيء يمنع تلك الجمعيات من وضع هذه الشروط، إلا أن الأمر يعود للمالك في رفضها أو قبولها؛ أما من الناحيتين الإنسانية والاجتماعي، فيرى كرم أن المتضررَين الأساسيَين من انفجار مرفأ بيروت في الأماكن المستأجرة، هما المستأجر والمالك، وبالتالي فأي مساعدة تُقدّم للمتضررين ينبغي أن يستفيد منها كِلا الطرفين، المالك والمستأجر.
ويختم المحامي كرم حديثه لموقعنا بالإشارة إلى أن المسؤولية الاجتماعية والتضامن الاجتماعي في هذه الظروف، تستوجب عدم زيادة الأعباء في الفترة الراهنة، ريثما يتمكّن أصحاب الشأن من المتضررين تجاوز هذه المحنة واستيعاب الوضع الناجم عن الانفجار الكارثي الذي حلّ بمدينة بيروت”.
إذًا، بعد كلّ ما خلّفه انفجار مرفأ بيروت من مآسٍ، تعود أزمة المستأجرين والإيجارات القديمة الى الواجهة من جديد، حيث أن من حق هؤلاء تحسين وضع إيجاراتهم، إلا أن الأزمة الاقتصادية والوضع الصعب الذي يمر فيه لبنان، يحتّم أيضًا تفهّم وضع المستأجر. فهل تجد هذه المعضلة حلّها قريبًا؟
باولا عطية