“الجمهورية السورية” بدلًا من “العربية السورية”: زلة لسان أم تحوّل في الهوية؟
خاص أحوال ميديا – دمشق

في مشهد بدا عابرًا للوهلة الأولى، أثار الرئيس السوري المؤقت أبو محمد الجولاني، عاصفة من الجدل السياسي والثقافي، بعد أن استخدم في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مصطلح “الجمهورية السورية” بدلًا من “الجمهورية العربية السورية”، وهي التسمية الرسمية للدولة منذ عام 1961.
لكن ما بدا أنه زلة لسان، تحوّل إلى قضية رأي عام، بعد تداول صور لبطاقات رسمية جديدة صادرة عن الحكومة الانتقالية، طُبعت عليها التسمية الجديدة، ما دفع مراقبين للتساؤل: هل نحن أمام تغيير رمزي عابر، أم بداية لتحوّل جذري في هوية الدولة السورية؟
فمنذ إعلان الوحدة بين سوريا ومصر عام 1958، أصبحت التسمية الرسمية للدولة “الجمهورية العربية السورية”، تعبيرًا عن الانتماء القومي العربي. ورغم انهيار الوحدة بعد ثلاث سنوات، احتفظت سوريا بالاسم، ليصبح جزءًا من هويتها السياسية والدستورية.
لكن الجولاني الذي يتصدر المشهد السياسي في شمال سوريا بعد سنوات من الصراع، استخدم مرارًا مصطلح “الجمهورية السورية” في خطاباته وتصريحاته، دون أي توضيح رسمي بشأن ما إذا كان ذلك يعكس توجهًا جديدًا أم مجرد خطأ بروتوكولي.
هذه الخطوة أثارت ردود فعل متباينة داخل سوريا وخارجها:
فالأكراد والآشوريون وبعض الأقليات رحبوا بالتغيير، معتبرين أنه يعكس توجهًا نحو دولة مدنية متعددة القوميات، لا تحتكر الهوية العربية تمثيل البلاد.
في المقابل، القوميون العرب اعتبروا أن حذف “العربية” يشكل تهديدًا للهوية القومية، ويبتعد بسوريا عن محيطها العربي.
نشطاء على مواقع التواصل انقسموا بين من رأى في الخطوة تصحيحًا لمسار تاريخي، ومن اعتبرها خضوعًا لضغوط خارجية تهدف إلى تفكيك الهوية الوطنية.
وحتى لحظة إعداد هذا التحقيق، لم يصدر أي مرسوم رسمي أو تعديل دستوري يغيّر التسمية المعتمدة في الوثائق الرسمية والدستور السوري. ومع ذلك، فإن استخدام التسمية الجديدة في بطاقات رسمية قد يشير إلى نية ضمنية لإعادة تعريف هوية الدولة في المرحلة الانتقالية.
مصدر مقرب من اللجنة الدستورية السورية، فضّل عدم الكشف عن اسمه، صرّح لـ”أحوال ميديا” بأن “هناك نقاشات جدية داخل اللجنة حول إعادة صياغة ديباجة الدستور، بما يعكس التعددية القومية والدينية في البلاد، لكن لم يُتخذ قرار نهائي بعد”.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة، سواء كانت متعمّدة أو لا، تعكس تحوّلًا في الخطاب السياسي السوري، في ظل مرحلة انتقالية تسعى إلى إعادة بناء الدولة على أسس جديدة. وقد تكون محاولة لطمأنة المكونات غير العربية، وفتح الباب أمام نظام سياسي أكثر شمولًا وتمثيلًا.
لكن في المقابل، يحذر آخرون من أن التلاعب بالرموز الوطنية قد يؤدي إلى انقسامات أعمق، في بلد لا يزال يضمد جراح حرب أهلية مدمرة.
ويبقى السؤال مفتوحًا: هل نحن أمام بداية لتغيير جذري في هوية الدولة السورية، أم أن الأمر لا يتعدى كونه خطأ بروتوكوليًا سيتم تصحيحه لاحقًا؟
في انتظار توضيح رسمي من الحكومة الانتقالية أو اللجنة الدستورية، تبقى “الجمهورية السورية” عنوانًا لمرحلة جديدة، قد تحمل في طياتها ملامح سوريا مختلفة، لا تزال ملامحها قيد التشكّل.




