لقاء “النيات الصافية” في بعبدا هل ينتج حكومة؟

لن يصل الرئيس الفرنسي فرنسوا ماكرون إلى بيروت، كما كان مخططًا في هذا اليوم، بعد أن عطّلت جائحة كورونا مفاعيل الدينامية الفرنسية على الخط اللبناني، لكن الحراك الداخلي أودى إلى ترتيب لقاء جديد يوم الثلاثاء بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف سعد الحريري في محاولة لتخفيف مفاعيل الخلاف وتقريب وجهات النظر بينهما. ويؤمَل من اللقاء أن يضع التأليف على سكّة الإنجاز على ضوء “صيغة وسطية” تنسف ما يُروّج عن الثلث المعطل وتتجاوز تفرّد الحريري بتسمية الوزراء المسيحيين.

بالصراحة و”النيّات الصافية” يتجه الرئيسان عون والحريري إلى عقد لقاءٍ جديد،ٍ هو الثالث عشر بينهما على الأرجح منذ صدور مرسوم التكليف، بعدما أفضى حراك البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي على خط الاتصالات الحكومية، إلى خلاصةٍ أن ليس هناك من أسباب موجبة تؤخر التشكيل مادام الطرفان متفقان على اتباع الآليات التي ينصّ عليها الدستور وملتزمان المبادرة الفرنسية. إذًا اللقاءات لن تتوقف بين الرجلين بعدما أوحت حرب البيانات المضادة وجدالات المستشارين بين تياري “المستقبل” و”الوطني الحر” خلال عطلة الأسبوع أن إمكانية التواصل قريبًا لن تحصل. لكن المساعي الحثيثة من بكركي وأطراف أخرى أوقفت “الجدال الطائر”، دون أن تزيل مطالب الطرفين وتدفع أيٌ منهما إلى التنازل عن شروطه.

عدم التراجع عن وجهات النظر التي عطّلت حتى اليوم التوصل إلى تشكيلة وزارية، يحجب أي مؤشرات جدّية تودي إلى تظهير حلول ملموسة تؤدي إلى ولادة “حكومة مهمة” قبل نهاية العام. وتعتبر مصادر مطلعة أن “الحريري مكبل بضغوط خارجية وداخلية لا يملك مهارة الفكاك منها، وما دام منصاعًا لها فلن يستطيع الوقوف أمام اللبنانيين لتقديم حكومة تباشر العمل على وقف الانهيار ولجم التدهور الكبير”. بالمقابل فإن رئيس الجمهورية يُصارع بحسب المصادر ذاتها “لولادة حكومة متماسكة وفعاّلة يُنهي بها عهده ويستطيع من خلالها تجسيد شعار “التغيير والإصلاح” الذي رفعه عنوانًا لحياته السياسية وحياة تيّاره، عبر ​مكافحة الفساد​ ومحاسبة المتورطين به.

بالنسبة إلى التيار الوطني الحر فإن المطلوب في هذا اللقاء “أن ينحي الرئيس المكلّف سلوكه خلال الفترة الماضية والتعاطي بروحية جديدة ترتكز على احترام صلاحيات رئيس الجمهورية والتزام نص الدستور في عملية تشكيل الحكومة”. وأيضًا “للعمل بنية الخروج من مراوحة التكليف بلا تأليف عبر احترام كافة مرجعيات الكتل والطوائف بالتساوي لعدم الإخلال بالتوازنات الداخلية”.

“النيّات الصافية” تحدث عنها عضو تكتل لبنان القوي ابراهيم كنعان بعد لقائه البطريرك متوقعًا حصول لقاء بين الرئيسين عون والحريري في ضوء الاتصالات والإيضاحات لافتًا “أن رئيس الجمهورية مصمم على حسم التشكيلة وفقًا للدستور والمبادرة الفرنسية”. وتتحدث مصادر مطّلعة، في هذا السياق، أن رئيس التيار الوطني الحر أرسل رسائل متعددة الاتجاهات أنه لا يرغب بمواجهة أحد ولا يتمسّك بثلث معطل، لكن لا يمكن أن التنازل عن إشراك تكتله الأكبر مسيحيًا في توزير ممثلي الطائفة. وقد عمِل حزب الله خلال الأيام الماضية وبمواكبة من رئيس المجلس النيابي نبيه بري، على تذليل عُقدة “الثلث المعطّل” من خلال وساطة تولاها كل من الحاج حسين الخليل ووفيق صفا، عملا خلالها على حث الطرفين على اتباع آليات منطقية يتنازل فيها كليهما عن الشروط التعجيزية لمصلحة العمل المشترك في وقت لم يعد مقبولًا التجاذب والناس تعاني الأمرّين.

باسيل الذي كرّر مرارًا وتكرارًا أنه يقدّم التسهيل لا التعطيل، شدّد أمام البطريرك الراعي تمسّكه بالحفاظ على مكتسبات الشراكة والمناصفة التي تعطي رئيس الجمهورية حق المشاركة في التأليف “لا أن يسمّي رئيس الحكومة التشكيلة ويحملها إلى رئيس الجمهورية للبصم”. وذلك بالاستناد إلى الدستور لا سيّما روح المادة 53 التي تنصّ على أن رئيس الجمهورية “يصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة”، بعد استشارات نيابية ملزمة، وعلى التوازن في احترام الكتل النيابية وحضورها وحجم تمثيلها الشعبي.

أمّا البطريرك، ومن خلال الاتصالات التي أجراها لم يجد “سببًا واحدًا يستحق التأخير في تشكيل الحكومة يومًا واحدًا”، وهو يؤكد في كافة لقاءاته وأعلنه في عظته يوم الأحد أنَّ ما هو مطلوب “حكومة غير سياسية وغير حزبية، لا محاصصات فيها ولا حسابات شخصية ولا شروط مضادة، ولا ثلث معطلًا يشلّ مقرراتها”. وتُفيد مصادر مطلعة أن الراعي اتفق مع رئيس الجمهورية على استئناف اللقاءات مع الحريري بـ”روحية جديدة”، وإلى “فضفضة” صريحة “تحسم مصير الحكومة بشكلها النهائي دون انتقاص بمسألة صلاحيات رئاسة الجمهورية”. وطلب الراعي من عون أن يكون اللقاء مكثّفًا ومثمرًا مهما طال أمدّه.

الوزير السابق ​سجعان قزي​، الذي يعمل على خط الاتصالات موفدًا من البطريرك، يؤكد أن “جوهر” حركة سيّد بكركي، تقتصر على إيجاد نقاط التكامل لا التناقض والتلاقي لتلافي المزيد من هدر الوقت. وأشار قزي إلى أن اللقاء الذي سيجمع عون والحريري يوم الثلاثاء المقبل سيكون مختلفًا عن اللقاءات السابقة وبروحية مختلفة. وبنتيجة اللقاءات يجد قزي أن ليس هناك ما يمنع تشكيل الحكومة إلا “إذا ما كان هناك أسباب خارجية، مرتبطة بالصراع الأميركي الإيراني و​ترسيم الحدود​، وحسابات الإنتخابات الرئاسية المقبلة”. وشدّد على أن “الحكومة يجب أن تكون حكومة اخصائيين غير حزبيين أو سياسيين، دون أي ثلث معطل”، مشيرًا إلى “أن المعايير يجب أن تكون المناصفة والتوزيع الطائفي والمذهبي والوزارات السيادية”.

في حال فشلت الوساطات الداخلية في إحداث انفراج على المستوى الحكومي ومنع تأليف حكومة تُساهم باستعادة ثقة اللبنانيين بوطنهم فإن الإنقسام السياسي العامودي وأخذ لبنان إلى المجهول يصبح أمرًا لا مفر منه. وفي غياب التفاهمات السياسية وتحويل الاختلافات بين أهل السلطة إلى خلافات ومكائد، تتقاطع مع مناخ إقليمي ودولي مضطرب ومتوتر، يُنذر بحسب مصادر سياسية “أن الفراغ سيظل متحكمًا بالسلطة التنفيذية ما يعني المزيد من التدهور الاقتصادي والمالي والاجتماعي والأمور ستكون أسوأ في مطلع العام المقبل”.

“الوضع الذي يعيشه الناس في لبنان لم يعد يحتمل، وبالتالي لم يعد مقبولًا ولا مسموحًا بأي شكل من الأشكال تقديم أي أعذار من أي فريق كان، في عدم إمكانية تشكيل حكومة تلملم الأوضاع المزرية التي يعيشها اللبنانيون على كل المستويات”. كان هذا بيان مناشدة منظمة “هيومن رايتس ووتش” التي دخلت على خط التأليف باعتبار ما يمر به اللبنانيون يمسّ بشرعة حقوق الإنسان لناحية الحاجة الملحة لتلبية “المطالب الأساسية في معيشة اللبنانيين وحقوقهم الإنسانية في العيش الكريم”. فهل حان الوقت حكوميًا أم أن الحلحلة لا تعني اقترابًا من الحل؟!.

رانيا برو