
في مقاربة غير تقليديّة، تجاوزت موازنة 2026 النهج التقليدي في فرض ضرائب جديدة لزيادة العائدات وصولًا إلى صفر عجز، واستبدلت الضرائب الإضافية بمحاولة ضبط التهرّب الضريبي عبر شدّ الخناق، كما تصفها المؤسّسات الخاصة، من خلال نسبة الـ 3 % التي تُدفع مسبقًا من محفظة ضريبة الدخل لمن لم يسدّدها مع رسم الـ TVA، عدا عن تركيب معدّات الـ “سكانر” في مرفأي طرابلس وبيروت لوقف التلاعب بالكميات والفواتير ونوعية السلع المستوردة. كيف تتوزع محفظة التهرّب الضريبي وإلى أي حدّ يمكن الاعتماد على خفض مستويات التهرّب لزيادة إيرادات الدولة؟
يقدّر حجم التهرّب الضريبيّ في لبنان بحوالى 4,5 مليارات دولار استنادًا إلى تقرير سابق لصندوق النقد الدولي في العام 2023، وهو الرقم الذي تضمّنته مقرّرات الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء. ويشمل كافة الرسوم لا سيّما الضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجمركية وضريبة الدخل…
أمّا خسائر التهرّب من الرسوم الجمركية والضريبة على القيمة المضافة (الناجمة عن التهريب، سوء التقييم عند الحدود، والفواتير المخفضة/الوهمية، والمؤسّسات غير الشرعية) على وجه الخصوص، فتتراوح بين مليار ومليار ونصف المليار دولار. لذلك تقوم وزارة المال بإجراءات بالتعاون مع إدارة الجمارك في اتجاهين: تحصيل الرسوم الجمركية التي تستوفى والتي لا تتناسب على الإطلاق مع حجم الاستيراد، ومعالجة مشكلة الاقتصاد غير الشرعي ومعها التهرّب من الضرائب، ويظهر ذلك أيضًا في قيمة عائدات الضريبة على القيمة المضافة التي لا تجبى بشكل صحيح. ما أدّى إلى اعتماد الحكومة ضبط الشركات الوهمية أو غير المشروعة التي تتهرّب من تسديد الضرائب، انطلاقًا من حجم استيراد يقدّر بـ 18 مليار دولار وحجم ناتج قومي بقيمة 30 أو 33 مليار دولار.
وتشير الإيرادات الجمركية للأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري إلى أن معدّل الرسم الجمركي الضمني سجّل نسبة 7,3 % من قيمة الواردات ارتفاعًا من 3.3 % سابقًا. والرسم الجمركي الضمني يحتسب كالتالي: إجمالي الرسوم الجمركية المحصّلة مقسومة على إجمالي قيمة الواردات ومضروبة بـ 100.
حجم التهرّب الضريبي
استنادًا إلى تقرير صادر عن الدولية للمعلومات، بلغت العائدات الجمركية نحو 41 تريليون ليرة خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري أي ما يعادل 457 مليون دولار مسجّلة زيادة عن العام 2024. ويعود سبب ارتفاع العائدات الجمركية ليس إلى زيادة قيمة السلع المستوردة المقدّر أن تبلغ 18,6 مليار دولار للعام 2025 ارتفاعًا من نحو 16,8 مليار دولار في 2024، وإنما إلى التشدّد في الرقابة وفي تحصيل الرسوم وبالتالي إلى مساهمة الإجراءات الحكومية المشدّدة في الحدّ من التهريب والفساد. فقيمة الواردات ارتفعت بنسبة 12 % من كانون الثاني إلى شهر نيسان ما أدّى إلى زيادة الإيرادات الجمركية علمًا أن إحصاءات المديرية العامة للجمارك اللبنانية للنصف الأول من العام الجاري أشارت إلى أن قيمة واردات لبنان بلغت 9.610 مليارات دولار أميركي مقابل صادرات بقيمة 1.745 مليار دولار، ما أدّى إلى عجز تجاري بقيمة 7.865 مليارات دولار أميركي، أي بنسبة 81.8 %.
سبل مكافحة التهرّب الضريبي
إذًا التهرّب الضريبي معضلة قديمة جديدة تستدعي مكافحتها جملة من التدابير. في إقرار مجلس الوزراء نسبة الـ 3%، ضرب عصفورين بحجر واحد، العصفور الأول، مكافحة الشركات غير الشرعية التي تتأسّس ثم تختفي بعد إنجاز عملية الاستيراد، والثاني، إلزام الشركات الشرعية وغير الشرعية منها بتسديد الصحن الضريبي المستحقّ بكامله فلا تفوّت على الخزينة الأموال، وتقلّص حجم التهرّب بدل فرض ضرائب على المواطنين لزيادة الإيرادات.
إلى ذلك، تجهد الحكومة من خلال وزارة المالية إلى تشديد الرقابة والإجراءات على المعابر من خلال تركيب ماسحات ضوئية (سكانر) متطوّرة قادرة على مراقبة كل الشحنات الواردة إلى البلاد عبر المرفأ والبضائع التي تدخل والتأكّد من مطابقتها تصاريح سيباشر استحداثها مسبقًا لكل مستورد عن نوعية وعدد ووزن السلع المستوردة.
ومن المرتقب أن يتمّ تركيب جهازين للسكانر استقدما إلى لبنان في مرفأي بيروت وطرابلس في نهاية تشرين الأول، وتوازيًا يتمّ أيضًا العمل على تحديث نظام المركز الآلي الجمركي الذي يجب أن ترتبط به الماسحات الضوئية. ومن المتوقع أن تصل المعدّات الجديدة في نهاية تشرين الأول، وسيكون هناك تنسيق وشبّاك موحّد لكلّ الإدارات لتسهيل مهلة تخليص البضائع.
كما يتمّ العمل على إدارة النظام من قبل شركة تسجّل مسبقًا كل عملية استيراد وشحن للبضائع بكل تفاصيلها. حتى أن تلك الشركة تعطي القيمة التقديرية للبضاعة المستوردة وفقًا لخبرتها في معدل الأسعار للبضاعة المماثلة أكان من بلد المنشأ أو النوعية حسب المواصفات فلا يكون هناك تباين بين السلع المصرّح عنها وتلك المشحونة إلى المرفأ. فيتمّ عندها ضبط حركة الاستيراد وثانيًا تحديد حجم الرسم الجمركي.
وباعتماد هذا النظام سيُضبط عمل الجمارك وسينظم في إطار إجراء إصلاحيّ حقيقي وليس فقط عبر تغيير بعض الموظفين. وفي هذا السياق قال المدير العام لمرفأ بيروت عمر عيتاني لـ “نداء الوطن” “إن استقدام الماسحات الجديدة (Scaner)، تمّت باتفاق بين إدارة المرفأ وشركة CMA، فتتولى الشركة الشراء والتشغيل لمدة ست سنوات، فيما تحصل إدارة المرفأ على نسبة 70 % من عائدات التشغيل مقابل 30 % للشركة المشغلة.
والماسحات الضوئية الجديدة لن تضبط فقط أيّ عملية تهريب وتهرّب ضريبي بشكل دقيق، بل من شأنها أن تعزز أمن المرفأ وتحسين إجراءات التفتيش وبالتالي الشفافية في الإجراءات الجمركية، فيسدّد الرسم الجمركي المناسب حسبما ينصّ القانون، وبالتالي الضريبة على القيمة المضافة ثم الضريبة على الدخل بعد جني الأرباح”.
القطاع الخاص يعترض
وإن كانت تلك التدابير تشكّل منفعة للخزينة، فإن أمانة مبلغ نسبة الـ 3 % التي ستحصّل من ضريبة الأرباح، ستكون برأي القطاع الخاص ضارّة عليه. وفي هذا المجال، أعرب نائب رئيس جمعية الصناعيين في لبنان زياد بكداش لـ “نداء الوطن” عن تفهّمهم موقف الدولة ووزارة المالية في زيادة إيرادات الخزينة ولكن ليس على حساب القطاع الخاص الشرعي الذي يموّل مصاريف الدولة منذ عقود. وأشار إلى رفض الهيئات الاقتصادية وجمعية الصناعيين رفضًا قاطعًا زيادة الـ 3 % على الواردات معتبرًا أن توصيف الاقتصاد غير الشرعي أو التهرّب الضريبي يقوم على التالي:
– التهرّب من دفع الضرائب
– عدم تسجيل المواطنين بالضمان الاجتماعي
– عدم إضافة 11 % ضريبة TVA على السلع
– المؤسسات غير الشرعية وغير المرخصة
– إصدار فواتير مخفضة من الخارج خاصة من الصين والشرق الأوسط لخفض نسبة الضريبة والقيمة المضافة عليها.
ووفق الآلية المطروحة حاليًا بإبراز المستورد إيصال ميزانية السنوات الثلاث الأخيرة أو دفع نسبة 3 % مسبقًا على أن تحسم له في ضريبة الأرباح في حال قدّمها، سأل إذا لم يربح ماذا يفعل؟
من هنا يضيف: “لا جدوى من فرض نسبة الـ 3 % إلّا أنها عائق جديد للقطاع الخاص الشرعي مقترحًا الحلّ الآتي:
– الطلب من البلديات لائحة بالمؤسسات غير الشرعية مع العلم أن معظم البلديات لا تتجاوب.
– تحفيز وزيادة المفتشين والمراقبين في وزارة المالية.
– إقفال المؤسسات غير المرخصة عند طلب وزارة الصناعة أو وزارة الاقتصاد أو البلديات، مع العلم أن أي طلب من الوزارات المعنية يُرسل إلى المحافظة والبلديات يوضع في الأدراج.
– تشغيل آلات الـ “سكانر”.
وطالب بكداش بالكفّ عن وضع العوائق أمام القطاع الخاص الشرعي وخاصّة الصناعي. هو الذي يدفع عن الدولة كل واجباتها ومنها المدارس والتنقلات والطبابة والشيخوخة وعجز الموازنة. فاليوم لبنان يعتبر الأغلى في المنطقة تجاريًا، وصناعيًا القطاع الخاص اللبناني غير منافس في التصدير والحبل على الجرار.
إذًا، من خلال تطبيق قانون رفع السرّية المصرفية ووضع تجهيزات رقابية جديدة في المرفأين لضبط حركة دخول وخروج البضائع وعدم التلاعب بكمية السلع المصرّح عنها والفواتير ونوعية المنتجات ونسبة الـ 3 %، ستتعزز الثقة بالبلاد ويتمّ ضبط التهريب والتهرّب الضريبي والمبالغ التي تفوّتها الخزينة عليها والتي هي في أمسّ الحاجة إليها، بدلًا من اعتماد سياسة توسّل المجتمع الدولي لدعم البلاد من خلال القروض التي تثقل كاهل الحكومة والمواطن الذي يرزح تحت عبء الأزمة المالية في حجز أمواله والرواتب والأجور المتدنية.