عن رسائل مناورة عرمتى.. وإزدواجية معايير بعض الداخل
في خطوة هي الأولى من نوعها نفذت مجموعات من المقاومة مناورة عسكرية حية على مرأى ومسمع المئات من الإعلاميين وممثلي وسائل الاعلام المحلية والعربية والدولية، ما يشير الى ان الهدف يتلخص بإيصال رسائل في أكثر من إتجاه داخليا وخارجيا، أولها أنها تأتي على مسافة قريبة من فلسطين المحتلة فكان صدى المناورة يتردد في ارجاء الأراضي الفلسطينية المحتلة وداخل أروقة القيادة والإعلام الإسرائيلي، حيث تابع الأخير بإهتمام بالغ مرحلة ما قبل المناورة قبل ان ينصرف لاحقا الى تحليل أهداف هذه المناورة، ومحاولة تفكيك شيفرة الرسائل المتعددة والتي تصب جميعها في خانة الإشارة الى التطور النوعي في آداء المقاومة وأسلوبها القتالي بعد 23 عاما على تحرير معظم مناطق الجنوب في أيار من العام 2000 وحرب تموز في العام 2006.
وبدا واضحا من خلال المناورة أن المقاومة باتت في مرحلة تعتمد الهجوم التكتيكي كأحد أوجه سياسة الردع مع العدو، من خلال إستخدام أحدث التقنيات العسكرية كسلاح المسيرات الى جانب ظهور الأسلحة الحديثة القادرة على التعامل مع اي هجوم جوي، وذلك الى جانب المجموعات القتالية الهجومية ومجموعات الاقتحام، والتي تنضوي ضمن قوات النخبة التي عمل الشهيد عماد مغنية طيلة سنوات على إعدادها وتدريبها وتجهيزها، وتحت ظلال صورته التي حضرت في الميدان، كان مجاهدو الرضوان يثبتون براعتهم القتالية على أكثر من مستوى، حيث تم تجسيد مشهد يحاكي إقتحام منطقة الجليل داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة، قبل أن تقوم تلك المجموعات بتحطيم جدار العزل، في ترجمة عملية لشعار “قسما سنعبر”.
أما الرسائل السياسية التي جاءت في أكثر من إتجاه فتولى رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين ترجمتها بخطاب واضح المعالم وثابت الأركان، قوامه أن المقاومة اليوم باتت اقوى من ذي قبل وهي في تطور مستمر على صعيد التكتيك العسكري وإمتلاك السلاح النوعي، لا سيما الصواريخ الدقيقة التي لم تظهر في مناورة المقاومة لكنها جاهزة للهطول على كيان الاحتلال كالمطر في حال قرر الكيان الإسرائيلي التفكير بتغيير قواعد اللعبة، وفق ما أعلن صفي الدين الذي أكد ان المقاومة هي عامل أمن وآمان للداخل وعبّر عن ذلك بعبارة “لا أعداء للمقاومة في الداخل”، ولعل هذه العبارة كافية لتبديد هواجس بعض المأزومين في الداخل، لكن هذا لا يمكنه أن يغيّر من قناعات هذه القوى لا سيما القوات اللبنانية وحزب الكتائب، حيث أعلن سمير جعجع والنائب سامي الجميل مواقف منددة بمناورة عرمتى واعتبارها تشكل تهديدا للأمن في لبنان، وفي سياق متصل جاء موقف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي علّق على المناورة بالقول إن “الحكومة اللبنانية ترفض أي مظهر يشكل انتقاصاً من سلطة الدولة وسيادتها”.
مصادر متابعة رأت أن بعض المواقف المحلية ليست غريبة فهي لطالما تعتبر ان المقاومة عامل تهديد للبنان علماً ان هذه المقاومة هي نفسها التي خلقت معادلة ردع مع العدو منذ العام 2000 حتى اليوم وهزمت الارهاب ومنعت تغلغله الى الداخل اللبناني، وتضيف: “المفارقة بأن الجهات التي سارعت الى إدانة مناورة المقاومة لم تكلف نفسها عناء التنديد بالمناورات التي يقوم بها كيان الاحتلال، لا سيما المناورة التي اجراها العدو في قبرص محاكاة للواقع الجغرافي في لبنان، ولعل هذا خير دليل على إزدواجية المعايير عند بعض من هؤلاء في الداخل الذين يرفضون دائما كل ما من شأنه تعزيز سياسة الردع في لبنان في وجه العدو الاسرائيلي.
وانطلاقا من هذا الواقع تصبح كل المواقف المنددة بمناورة عرمتى مندرجة في سياقها الطبيعي، لكن هذا لا يغير شيئا في الواقع الميداني فالعدو وصلته الرسائل وبات يدرك تبعات أي عمل عسكري مع جبهة الشمال، وهذا ما عبّر عنه نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، الذي أكد أن “المقاومة أوصلت رسائلها الى العدو”، وفي الوقت نفسه دعا الى ترك بعض الداخل يتكلم كما يريد، وذلك عملا بمبدأ حرية التعبير”.