مجتمع

“ذوو الصعوبات التعلمية” بين التعليم عن بعد وخطر كورونا… خياران أحلاهما مر

“إذا لم يفهم ابني الدرس، كيف لي أنا أن أساعده؟ لا أستطيع إيصال المعلومة!” ، بهذه الكلمات وصفت مروى – أمّ لصبي وبنت من ذوي/ات الصعوبات التعلمية، وضعَ التعليم عن بعد الذي يخضع له طفلاها.

وتعتبر مروى التعليم عن بعد كارثيّ ولا جدوى منه في حالة طفليها اللّذين لديهما حالتان مختلفتان من الصعوبات التعلمية  تقول :”يرسلون لهما الفيديوهات، أحاول أن أشرح لهما، مرةّ اثنان ثلاثة ولكن… لا أعلم ماذا أفعل؟ أنا أمّ وحريصة على طفليّ وأتابعهما ولكن هذا بغاية الصعوبة!”.

تتابع: “إن صفّ ابنتي يحتوي أربع تلاميذ فقط وصفّ ابني عشر تلاميذ، ألا يمكننا أن نتّبع الإجراءات الاحترازية ونمضي بالتعليم المباشر؟ لقد جهّزت المدرسة المبنى منذ بداية العامّ بآلات التعقيم، الإغلاق الجديد للمدارس مجحف بحق الأطفال من ذوي/ات الصعوبات التعلمية ويؤثر عليهم.

ابني أصبح الآن يعاني من هاجس خوف من الذهاب للمدرسة بسبب الوقت الطويل الذي جلسه في البيت، عانينا أسبوعًا كاملًا لمعاودة تدريبه وموالفته على فكرة الرجوع إلى المدرسة مع أنّه يحبّ المدرسة كثيرًا وهو مجتهد وماذا الآن؟ هذا القرار قد فتك بكلّ شيء. يتقدّم أطفالنا بالصفوف ولكنّهم لا يتعلمون فعلًا”.

حال مروى وطفليها تشبه مئات الحالات التي يعاني منها الأطفال من ذوي/ات الصعوبات التعلمية وذوويهم، الذين علت أصواتهم مطالبين باستثناء أولادهم من قرار إغلاق المدارس “لأنّ الأطفال هم من يدفعون الثمن”.

لقد واجه التلاميذ العام الفائت ضغوطًا عديدة وقد أثّرت على نشاطهم، فالتعليم عن بعد يختلف جدًّا عن حضور التلميذ داخل الصفّ، فكيف الحال إذا كان هذا التلميذ يعاني من صعوبات تعلميّة؟

للتلامذة ذوي/ات الصعوبات التعلمية، صعوبات جديدة تشرحها “زينب كوثراني” وهي اختصاصيّة في التربية المختصّة في حوار لـ”أحوال”.

 

التعليم: بين القرب والبعد

تقول كوثراني: “عند رجوع التلامذة ذوي/ات الصعوبات التعلمية  للانضمام للعام الدراسيّ الجديد في تشرين الأوّل، لحظنا تراجعًا كبيرًا جدًا في حالاتهم/ن بالأخصّ أنّ جلسات المتخصّصة (للحركة، التركيز، الذاكرة والنطق) لذا التراجع كان على جميع الأصعدة”.

وتعتبر كوثراني أنّ التعليم عن بعد قد أفقد التلامذة بعض المهارات وأهمّها القدرة البدنية/الجسدية، “هناك تراجع حركيّ ملحوظ أي القدرة على المشي والوقوف، أصبح التلميذ عاجزًا  عن الوقوف دون مساعدة وذلك لأنّ جلسات المختصّة توقفت من العام الفائت. الهدف اليوم، هو الحدّ من هذا التراجع على الأقلّ”.

التجربة التي يمكن الاقتداء بها هي تلك التي اعتمدتها الولايات المتحدة الأميركية في التعليم عن بعد، “فهم متقدّمون في مجال التربية المختصّة، لقد اعتمدوا طريقة جديدة للتعليم من خلال تصوير فيديو بتقنيات حديثة جدًّا ونجح في العلاج النطقيّ، أمّا بالنسبة للعلاج الفيزيائي فقد درّبوا الأهل على بعض الحركات لمساعدة أطفالهم في المنزل، أمّا في لبنان، فهناك نقص كبير في المواد والبرامج العلاجية”.

 

صعوبات الإختصاصيين في التعليم عن بعد

تشدّد كوثراني على أنّ: “الهدف الأسمى  في العمل كاختصاصيين في التربية المختصّة هو ايصال التلميذ للاستقلالية”.

الصعوبات التي يواجهها الاختصاصي في التعليم عن بعد هي:

  • حصر الانضباط، الانتباه وتركيز التلميذ خلال الدرس.
  • وجود الأهل بجانب التلميذ من خلال مساعدتهم والتسريع بإنجاز المهام المطلوبة لا يساعد التلميذ على الاستقلالية.
  • عدم وجود الاختصاصي عن قرب مع التلميذ ممّا أدى إلى تراجع في الكتابة مثلًا لأنّ الأطفال باتوا معتمدين على الكمبيوتر ممّا أثر على طريق حملهم للقلم.

وأيضًا، ما يعارض أهداف التربية المختصّة هو روتين أو رتابة النّهار لأن أشخاص ذوي/ات الصعوبات التعلمية  لديهم/ن صعوبة بإدراك الزمان والمكان أوالتواجد الزمانيّ والمكانيّ.

تتابع كوثراني:” الجوّ العامّ لهذه الجائحة وتداعياتها تؤثّرعلى نمط التلميذ فلم تعد أيام التعليم معروفة والأوقات تختلف أيضًا عن نهج التعليم السابق قبل كورونا”.

 

 

الأهل جزء من إنجاح التعلّم عن بعد

نصائح للأهل:

  • متابعة دقيقة مع الاختصاصيين وتزويدهم بأيّ معلومة تتعلق بالتلميذ.
  • إعطاء التلميذ استقلالية أيّ في وقت اتمام النشاط المطلوب، يجب أن ينجز باستقلالية ولو تطلّب ذلك وقتًا. الوقت ليس بمشكلة.
  • الالتزام ببرنامج الإختصاصي وعدم إجهاد التلميذ بصور ونشاطات يتم رصدها عبر الانترنت وذلك بهدف “تقوية الولد”، قد يكون هذا التّدخل متعب ويتناقض مع الأسلوب المعتمد. الأهل ليسوا مخولين القيام بهذا الدور.
  • المساعدة والمساهمة بخلق روتين للنهار: بتحديد وقت معيّن للاإستيقاظ، وقت للوجبات والتحفيز للبدء بالدرس.

 

الإستثناء

وعن استثناء هذه الفئة من الإقفال الإلزامي والحجر، ترى كوثراني في الأمر أنّه سيف ذو حدّين فتقول: “في الحدّ الأوّل من السيف، بعض من هؤلاء التلامذة هم أيضًا من ذوي/ات الاحتياجات الخاصة وممكن أن تكون مناعتهم ضعيفة وهذا يشكّل خطرًا على صحتهم/ن مع تفاقم أعداد الإصابات بالفيروس، كما أنّ التلامذة ذوي/ات الصعوبات التعلمية ليسوا/ن بالمجمل قادرين\ات عل اتّباع الإجراءات الاحترازية بدقّة لفيروس كورونا فالأمر جديد عليهم/ن ويجب أن يصبح روتينًا بشكل تدريجي”.

وتضيف: “في الحدّ الثاني من السيف، إذا تجدّد الحجر الصحّي أكثر من نهاية الشهر الجاري، خسر الطلاب العام الدراسي لأنه سيعيدنا لنقطة الصفر مع التلامذة: تقييم جديد ومعاودة كلّ شيء. نحن نخسر ونضحّي بالكثير من المهارات والقدرات. واجب وزارة الشؤون الاجتماعية في هذا الوضع أن تتدخّل وتقيّم وضع التلامذة ذوي/ات الصعوبات التعلمية  فهي المسؤولة عن هذا الملف!”.

ملف “التعليم” لأشخاص ذوي/ات الاحتياجات الخاصة وأشخاص ذوي/ات الصعوبات التعلمية يبقى عالقًا يتأرجح بين وزارة التربية والتعليم العالي ووزارة الشؤون الاجتماعية.

يقدّر أنّ حوالي 30% من مدارس لبنان تستقبل أطفال ذوي/ات الصعوبات التعلمية  وأنّ 0.04% فقط يستقبل أطفال ذوي/ات الصعوبات التعليمية   وأطفال ذوي/ات الاحتياجات الخاصة معًا، وهي 6 مدارس شاءت الصدفة أن تكون ظروف بناءها دامجة. منذ سنتين، كان عدد تلامذة ذوي/ات الصعوبات التعلمية  يعادل الـ 13000 تلميذ/ة. العدد يرتفع سنويًا، ووزارة الشؤون الاجتماعية بقرار سابق “ظالم” قد خفّضت سنّ تغطية نفقات الصعوبات التعليمية  لـ12 بحجّة أنّ وزارة التربية تقوم بمشروع التربية الدامجة في المدارس الرسميّة بدعم من يونسيف. ماذا حصل بمشروع الـ 30 مدرسة رسميّة دامجة؟! بعد سنتين، أما زال المشروع يصنّف بالـ”تجريبي”؟.

 

ماري لو بيضون

ماري لو بيضون

صحافيّة وناشطة نسويّة حائزة إجازة في فنون التّواصل والصّحافة من الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى