مجتمع

لبنان أمام قنبلة موقوتة: تداعيات كارثيّة لرفع الدعم على اللبنانيين والنازحين

يوجد في لبنان بحسب التقديرات الرسمية نحو مليون ونصف مليون نازح سوري بالحد الأدنى، أي ثلث عدد السكان. وتُقدّر الاكلاف المباشرة وغير المباشرة للنزوح منذ 9 سنوات، بأكثر من 40 مليار دولار، مقابل دعم دولي للبنان للإستجابة للنزوح بـ 8 مليارات دولار فقط. الى هذه الأرقام المُخيمة، تلوح في الأفق مخاطر جديدة تهدّد اللبنانيين والنازحين في آن، وهي رفع الدعم عن المواد الاستهلاكية الأساسية، تحديداً الطحين والمحروقات والدواء، والذي كان يستفيد منه النازح.

فكيف سيؤمّن النازحون “ربطة الخبز” والمحروقات والتدفئة بعد رفع الدعم؟ وأي خطط لمفضية اللاجئين؟ وما هي تداعيات ذلك على الأمن الاجتماعي في لبنان؟

 

يبدو أنّ عودة النازحين السوريين الى بلدهم متعذرة في المدى المنظور، وبالتالي إنّ النازحين “باقون” في لبنان الى تاريخٍ غير معروف، مع كلّ كلفة هذا النزوح وتداعياته على لبنان، على المستويات كلّها. وفي حين سبق أن أعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أنّ احتياطي المصرف بالكاد يكفي لنهاية السنة الجارية، يترقّب اللبنانيون رفع الدعم، من دون أن تتظهّر نهائياً طريقة هذا الرفع وبدائله وتوقيته. وفيما تفيد مصادر رسمية أنّ الحلّ المرجح اعتماده هو البطاقات التموينية للبنانيين وفق حاجاتهم وفئاتهم، لن يستفيد النازحون من هذه البطاقات حتماً، وسيكونون أمام مصاعب جديدة تُضاف الى المآسي التي يعيشونها.

 

تحذير رسمي من قنبلة موقوتة

ويقول المشرف العام على خطة لبنان للاستجابة للأزمة في وزارة الشؤون الاجتماعية، الدكتور عاصم ابي علي في مقابلة خاصة لـ “أحوال” إنّ “التأثير سيكون كارثياً على النازحين السوريين في حال رفع الدعم، خصوصاً أنّ الدول مشغولة بأزمة “كورونا”، وغير قادرة على أن تدعم لبنان بالنحو الكافي”. ويحذّر “ممّا سيحصل بهذه الفئات والمجتمعات، ومن دفعهم إمّا الى الخطأ والجريمة والسرقة وإمّا الى التطرف، أو الى زيادة منسوب الحساسبة بينهم وبين المجتمع اللبناني المضيف، حتماً”. ويرى أنّ “لبنان يواجه تحديات كبيرة على مختلف الصعد، في هذا الإطار، وأنّ ترك النازحين يواجهون مرحلة ما بعد رفع الدعم بمفردهم، هو إحدى القنابل الموقوتة التي قد تنفجر في وجه الجميع في لبنان”.

ويشير الى أنّ “معظم المشكلات بين اللبنانيين وغير اللبنانيين في لبنان، بحسب الدراسات، هي اقتصادية، إمّا بسبب المنافسة في سوق العمل أو المساعدات”. ويذكّر بأنّ “لبنان يعاني من وضع اقتصادي خطير، ويجب أن نكون واعين للقنابل الموقوتة، فالدولة بالكاد قادرة على دعم اللبنانيين”.

وإذ يؤكد أنّ “وزارة الشؤون الاجتماعية لم تُبلّغ حتى الآن من المنظمات المعنية بأي إجراء احترازي أو خطط مستقبلية تستهدف النازحين، ما بعد رفع الدعم”، يشير الى أنّه “بحسب الاحصاءات الأخيرة، إنّ ما يفوق الـ90 في المئة من النازحين السوريين في لبنان تحت خط الفقر، و83 في المئة منهم تحت خط الفقر المدقع و23 في المئة منهم مهدّدين بالمجاعة، وبالتالي ستتفاقم هذه الأرقام بنحوٍ كارثي بعد رفع الدعم”. ويعلن أنّ “وزارة الشؤون الاجتماعية تطلب من المجتمع الدولي الوقوف الى جانب لبنان، للعمل معاً على هذه المشكلات المؤرقة التي يجب معالجتها ومقاربتها، لأنّها قد تشكّل خطراً كبيراً على الأمن الاجتماعي في لبنان”.

برامج مفوضية اللاجئين لدعم النازحين

دعم النازحين السوريين من مسؤولية الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع الدولي، وتحديداً المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان. وهنالك حالياً نحو 892 ألف لاجئ سوري مسجلين لدى المفوضية، فيما تشير تقديرات الحكومة اللبنانية إلى وجود ما يصل إلى 1.5 مليون لاجئ سوري في البلد، بما في ذلك أولئك غير المسجلين لدى المفوضية.

وبالنسبة الى مقاربة المفوضية لرفع الدعم وعملها على تمكين النازحين من تأمين المواد الحياتية الأساسية، بعد وقف دعم الطحين والدواء والمحروقات، تقول المتحدثة الرسمية باسم المفوضية ليزا أبو خالد: “نحن نراقب الوضع عن كثب عندما يتعلق الأمر بزيادة محتملة في أسعار السلع الأساسية، وسنهدف إلى تكييف برامجنا وفقًا لذلك”.

وبالنسبة الى تقديمات المفوضة للنازحين، تشير الى أنّه “في الأشهر الأخيرة ومن أجل التعويض الجزئي عن التضخم الناجم عن الأزمة الإقتصادية، ارتفعت المساعدة النقدية الشهرية للمفوضية وشركائها من 260 ألف ليرة لبنانية الى 400 ألف ليرة لكلّ أسرة شهرياً. كذلك ارتفعت المساعدات الغذائية التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي من 40 ألف ليرة للفرد في الشهر إلى 70 ألف ليرة، ومن ثمّ في تشرين الثاني الحالي إلى 100 ألف ليرة”.

وتلفت أبو خالد، الى أنّ “الأزمة الاقتصادية في لبنان والتي زادت حدتها أيضا بفعل فيروس “كوفيد-19″ أدّت الى مستويات غير مسبوقة من اليأس بين السكان. ولقد تضرّر اللاجئون بشدة من الوضع حيث يوجد الآن أكثر من 90 في المئة منهم تحت خط الفقر المدقع”. وترى أنّ “ذلك يفرض علينا كمفوّضية اللاجئين ضرورة تأمين موارد إضافية. ونحن نعمل على مدار الساعة لتأمين ذلك، إذ إنّ المسألة ليست مجرد خيار، إنّما هي واجبنا”. وتؤكد “أنّنا نعي جيّداً أنّ المساعدة لا تزال غير كافية مقارنة بالاحتياجات، ولكن من واجبنا أن نواصل العمل بجدّ بغية تأمين الموارد وزيادة عدد الأسر المستفيدة”.

وتشير الى أنّه مع حلول الشتاء، “ستطلق المفوضية قريباً برنامج المساعدة الشتوية لعام 2020. ونظرًا للزيادة الكبيرة في عدد العائلات اللاجئة التي تعيش تحت خط الفقر المدقع والتي لم تعد قادرة على دفع تكاليف احتياجاتها الأساسية للبقاء على قيد الحياة، إنّ برنامج الشتاء يهدف إلى مساعدة الغالبية العظمى من اللاجئين المعروفين للمفوضية”. وتوضح أنّ “الغرض من المساعدة النقدية لفصل الشتاء هو دعم أسر اللاجئين التي تعيش في فقر مدقع وتلبية احتياجاتهم الأساسية والمنقذة للحياة”.

رنا أسطيح

صحافية لبنانية، كتبت في شؤون الفن والمجتمع والثقافة في عدد من الصحف اللبنانية والعربية. قدّمت برامج إذاعية وقامت بإعداد العديد من البرامج الفنية والاجتماعية في أكثر من محطة تلفزيونية.  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى