مجتمع

الدراجات النارية في الإقفال العام كابوس متنقل

مع دخول لبنان مرحلة الإقفال التّام صباح السّبت الماضي والتّشدّد بالإجراءات الوقائية، إثر الارتفاع غير المسبوق بعدد إصابات كوفيد – 19، تشهد شوارع العاصمة بيروت خصوصاً الشّعبية منها، زحمة سير خانقة، في مشهد يُنذر بتداعيات صحيّة كبيرة، سببها هذه المرّة الاستخدام العشوائي وغير المنظم للدّراجات النّاريّة، بعد أن استثناها وزير الدّاخلية والبلديات من قرار تقييد حركة سير السّيارات والآليات بحسب أرقام اللّوحات (مفرد – مزدوج).

المشهد ليس طبيعياً في منطقة طريق الجديدة مثلاً؛ دراجات ناريّة تسير بالجملة وكأنّها خرجت كلّها دفعة واحدة للاحتفال بقرار “تحليلها”.

كابوس متنقّل

وفي سياق إجراءات وتدابير “كورونا”، أتى قرار استثناء  الدراجات حلّاً للكثير من النّاس، فيما شكّل كابوساً لسائقي السّيارات والمشاة، خصوصاً وأنّها باتت تعرقل حركة مرورهم على الطرقات، لا بل وتعرضهم للخطر.

وعلى الرغم مما أتاحته الدّراجة النّارية للفرد من تسهيلات، كاختصار الوقت والمسافات، بات استخدامها محفوفاً بالمخاطر إن لم يُحسن السائق قيادتها، وأهمّ تلك المخاطر هي التّعرّض لحوادث السّير.

حوادث بالجملة

لم تسبب الدراجات النّارية زحمة سير في الأيام الماضية فحسب، بل كانت سبباً رئيسياً لحوادث سير عدّة وقعت في العاصمة وضواحيها. حيث شهدت منطقة قصقص حادثين متتاليين بسبب درّاجتين ناريّتين، فيما سقط جريح في حادت تصادم بين سيارة ودراجة ناريّة على طريق المطار. أما عند تقاطع المدينة الرياضيّة، فقد تسبب سائق دراجة ناريّة أيضاً بأضرار مادية لسبارة؛ كل هذه الحوادث وقعت خلال ساعتين تقريباً.

قرار اقتصادي مؤقت

قرار الإقفال العام الذي اتخذته الحكومة، لحماية المواطنين من تفاقم الإصابات بفيروس كورونا وتخفيف العبء الصحي، قد يُقابله موت متنقل على الطرقات، خصوصاً مع تقييد حركة مرور السيارات، ما يتيح للدّراجات النّاريّة “الإستئناس” بتحرّكاتها. مصدر أمني يؤكد لـ “أحوال” أنّ استثناء الدّراجات النّارية من قرار “المفرد والمزدوج” أمر لا بد منه خصوصاً وأنّ المؤسسات والمطاعم التي شملها قرار الإقفال تعتمد على الدّراجة النّارية كوسيلة أساسية لإيصال الطلبات إلى الزّبائن “الدليفري”.

ويتابع، للدّراجة النّاريّة في لبنان جانب مهمّ يندرج في خانة الاقتصاد الماديّ والزمنيّ، ما جعل كثيرين يقتنونها لاستخدامها في تنقلاتهم العمليّة، ولكن على جميع سائقيها أن يُحسنوا استخدامها.

ويشير المصدر إلى أنّ القوى الأمنيّة تتعقّب المخالفين وتحرّر محاضر ضبط بحقهم، كما وتحتجز دراجاتهم النّاريّة إن لم يلتزموا بشروط السّلامة المرورية.

ويقول، على وزارة الدّاخلية إعادة النّظر بقرار استثناء الدراجات النّاريّة في حال تم قيادتها بتهوّر، وعدم الالتزام بوسائل الأمن والسلامة.

الالتزام بالقوانين المرعيّة الإجراء

في المقابل، يقول مدير الأكاديميّة الدوليّة للسّلامة المروريّة كامل إبراهيم: من المبادىء الأساسية لحقوق الإنسان اختيار الطريقة والوسيلة الأفضل للتّنقل، إن عبر الدراجات أو السيارات أو عبر الباصات وغيرها من وسائل النّقل. الشّرط الأساسي لاختيار التّنقل عبر الدّراجة النّاريّة هو الالتزام بالقوانين المرعيّة الإجراء، من خلال عدم اجتياز الإشارات الضوئيّة بشكل مخالف للقوانين، والالتزام بارتداء الخوذة الواقية، على أن لا يزيد عدد الأشخاص عن القدرة التي صمّمت الدّراجة لاستيعابها، بالإضافة إلى عدم القيادة عكس السّير، أو عدم القيام بالحركات البهلوانيّة والسّباقات على الطرق العامة.

ويتابع إبراهيم، لا يمكننا تجاهل فوائد الدّراجة النّاريّة، في ظلّ الأزمة الاقتصاديّة التي يعيشها لبنان؛ إلى ذلك، فهي تخفّف من زحمة السير وتحدّ من التلوّث البيئي الذي تسبّبه السّيارات.

ويؤكّد أنّ قيادة شخص واحد لدرّاجة ناريّة  في زمن الكورونا، آمن أكثر من قيادة سيارة فيها مجموعة أشخاص، إلّا أنّ المشكلة في لبنان هي الفوضى في الاستخدام.

تشدّد في تطبيق القوانين

ويتابع مدير الأكاديميّة الدوليّة للسّلامة المروريّة، نظراً للوضع الاستثنائي الذي يمر فيه لبنان ستزيد خدمات الدليفري بشكل كبير ما يزيد من استخدام الدّراجات النّاريّة أكثر، الأمر الذي من شأنه أن يزيد حوادث السّير على الطّرقات مع تقليص حركة مرور السّيارات؛ “لذا على القوى الأمنيّة التّشدد بتطبيق القوانين”، لافتاً إلى تسطير عقوبات كوسيلة أساسية تدفع الأفراد للبقاء تحت مظلّة القانون. ويستدرك قائلاً: للأسف، من يُضبط مخالفاً ويتمّ احتجاز دراجته الناريّة، يعمل على تشغيل معارفه لاسترجاعها، وهنا تكمن المشكلة.

الدّراجة النّاريّة أخطر من السّيارة

وتشير دراسة كنديّة، إلى أنّه من المحتمل أن تؤدي حوادث الدّراجات النّاريّة إلى إصابات خطيرة، وحالات وفاة، وتكاليف طبيّة مرتفعة أكثر من حوادث السيارات.

ويقول باحثون في دورية الجمعيّة الطّبية الكنديّة، إنّه على الرغم من أن عدداً كبيراً من الأبحاث السّابقة وثّق احتمال أن تؤدي حوادث الدّراجات النّاريّة إلى إصابات أخطر بكثير من حوادث السّيارات، إلا أن هذه الدّراسة تقدم أدلّة على التّكاليف المالية العالية لهذه الحوادث.

وفحص الباحثون بيانات نحو 26831 مريضاً أصيبوا في حوادث دراجات ناريّة و281826 شخصاً أصيبوا في حوادث سيارات.  ووجدت الدّراسة، أنّ معدل إصابات حوادث الدّراجات النّاريّة كان أكبر من معدل إصابات حوادث السيارات بثلاث مرات، وزاد احتمال التّعرض لإصابات خطيرة عشر مرات أكثر بالنسبة لحوادث الدّراجات النّاريّة.

تكلفة العلاج

في الوقت نفسه، تزيد تكلفة علاج إصابات حوادث الدّراجات النّاريّة مرتين تقريباً عن حوادث السّيارات خلال أول عامين بعد الحادث. ويبلغ متوسط تكاليف علاج حوادث الدّراجات النّاريّة 5825 دولاراً كندياً (نحو 4569 دولار أميركي) مقابل 2995 دولاراً كندياً (نحو 2349 دولار أميركي).

ووجدت الدّراسة، أنّ المعدل السّنوي للإصابات بالنسبة للدّراجات النّاريّة بلغ 2194 شخصاً من بين كل 100 ألف شخص من أصحاب الدّراجات النّاريّة المسجّلين، مقابل 718 شخصاً من بين كل 100 ألف من أصحاب السّيارات المسجّلين.

خطر الحوادث

ويشير الطّبيب “لويس لي”، الذي يعمل في مستشفى بوسطن للأطفال، والباحث في كلية هارفارد للطّب، إلى أنّه “نظرًا إلى أنّ قائدي الدّراجات النّاريّة أكثر تعرضاً للطّريق من قائدي السّيارات، فهم معرضون لخطر أكبر من غيرهم؛ إذ يمكن أن تؤدي الحوادث التي يتعرضون لها إلى إصابات في القفص الصدري ومنطقة البطن والرأس والأطراف. ولفتت الدراسة إلى ضرورة ارتداء ارتداء الخوذة لمنع إصابة الرأس، رغم عدم قدرتها على حماية جسم الإنسان.

ويقول “لي”، يجب على قائدي الدّراجات النّاريّة أن يدركوا الأخطار المتزايدة المرتبطة بقيادة دراجة ناريّة، ويلفت إلى خطر التعرّض لإصابات خطيرة يقابله ارتفاع فاتورة التكاليف الطبية، بالمقارنة مع الركوب داخل سيارة التي تتعرّض لحادث.

ومن هنا، يشدّد على قائدي الدّراجات النّارية ارتداء الخوذة والالتزام بالحدّ الأقصى للسرعة المنصوص عليه، كي يحاولوا الحدّ من إصابات الرأس.

ناديا الحلاق

 

ناديا الحلاق

صحافية في صحف لبنانية عدة في أقسام السياسة الدولية والاقتصاد. كاتبة في مجلات عربية عدة ومواقع الكترونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى