منوعات

الشيخ الشهال يُتوفّى واللواء ريفي يؤبّنه وسطيّاً

توفي الشيخ السلفيّ “داعي الإسلام الشهال” بالأمس، وليس الأمر بالمستغرب، وقد حان الأجل، واستوفت نفسٌ قسطَها من الحياة الدنيا، ولا جدالَ!

يتركز الجدالُ في تعزية اللواء المتقاعد أشرف ريفي الإشكاليّة لمحبّي الشيخ الشّهال وعائلته، إذ وصفه بالاعتدال والانفتاح، ما فاجأ جموعَ الناس الذين سبق منهم الاستماع إلى الشيخ الراحل، وهو يشدّد على حقوق أهل السنة في لبنان، وينزع إلى التهديد واستعداء أطراف محلّيين؛ وذلك ما يناقض التصنيف الاستلحاقيّ للمدير العام المتقاعد لقوى الأمن الداخلي.

وقد جاء في نصّ التعزية: “برحيل الشيخ داعي الإسلام الشّهال تفقد طرابلس شخصيّة مميّزة. فقد كان الفقيد نموذجاً لرجل الدين العام والوسطيّ. وكان في كلّ المحطّات الصّعبة داعيةً للتعايش والاعتدال والانفتاح.”


“أحوال” حاول طرح الإشكالية القائمة على عددٍ من أصحاب الاختصاص في ميدان الإسلاميّات والإعلام، ليفكّك اللغزَ اللبنانيّ القائم على التعارض بين واقع الشخصيّات وطروحاتها في خلال حياتها وبين تأبينها اللاحق؛ وهذا التعارض يُقدّم لنا مخيالاً اجتماعياً منفصماً. نلمس ذلك في المحاكمات التاريخيّة الاعتباطيّة لشخصياتٍ، من دون عميق نظر إلى الطروحات والتفاوت التاريخيّ، بما يضرب المقارنة والحقيقة العلمية.

عودة: لم يكن الشهال معتدلاً

يرى يونس عودة (إعلامي وسياسي) في تأبين ريفي وتعزيته تعبيراً عن لحظة اضطراب في خيارات اللواء ريفي الذي يحاول إعادة تموضعه السياسي وتعويم نفسه على مستوى طرابلس والساحة السنيّة.

ويجزم يونس عودة ابتداءً بأن “الشيخ داعي الإسلام الشهال لم يكن شخصاً معتدلاً، وكلّنا يذكر أنّه عندما بدأ داعش بالانتشار صدح بخطابات ناريّة، بل رعى مجموعة كبيرة على صلة مباشرة بداعش، وكان ابنه الذي قاتل في سوريا أكبر دليل في هذا المجال”.

ويتساءل: “هل ينجح الأمر مع ريفي ويُعيد نفسه إلى الساحة أو وراثة داعي الإسلام الشهال، بعد أن انزوى عملياً أو عُزل سياسياً إلى حدّ بعيد؟!”.

ويجيب عودة: “أعتقد أن أنصار داعي الإسلام الشّهال على دراية أكثر من غيرهم بطروحات اللواء ريفي، وهم قادرون على إنتاج شخصيّة تقودهم دون أن يورّثوا أحداً…”.

ويشير عودة إلى التعزية الريفيّة باعتبارها “تبادل مصالح لا أكثر”، منتقداً اللجوء إلى نوع من الشعبويّة في الخطاب السياسيّ الداخليّ، ويشرح بالقول: “المشكلة أن السياق الوطني يراه البعض مسألة آنية وليس مسألة استراتيجية، ولا حتى تكتيكيّة – إذا جاز التعبير – لأن المصالح الفرديّة هي الطاغية”.

الزعبي: الشّهال جهادي علمي وتيار مستقبل

من جهته، يتناول الشيخ صفوان الزعبي مفردات التأبين والتعزية التي محضها اللواء ريفي الشيخ الشّهال بكثير من الدقة، فيقول: “الوسطية اصطلاح حمّال أوجه، يخضع لمزاج ونهج قائله. وبالنسبة للشيخ داعي الإسلام الشهال رحمه الله، لا بدّ أن نفصّل بين عّدة أمور: شخصيّته ومسلكه السياسيّ ومنهجه الدينيّ”.

ويَحسبُ الزعبي للشيخ الشّهال سماته الشخصيّة بالقول: “لا شكّ أن شخصيته كانت محبّبة لكلّ من عرفه وعامله واقترب منه” فيما “مواقفه السياسية كانت في غالبها جماهيرية، ومتّفقة مع تيار المستقبل الذي يتحكّم بالساحة السياسية لدى السنّة، والتي هي حسب المصلحة؛ أحياناً وسطيّة ومعتدلة، وأحياناً أخرى متطرفة ومتشدّدة”.

أما في المجال الديني، ففي ميزان الزعبي أن “منهج الشّهال الديني أقرب إلى السلفيّة الجهاديّة كفكرٍ، وإلى السلفية العلميّة على مستوى الممارسة”.

وفي سؤال عن الشخصيّة المؤهلة للحلول مكان الشيخ الداعي، يجد الزعبي أخاه الشيخ الدكتور “أبو بكر الشّهال”، مشيراً إلى أن الراحل “منذ مدّة طويلة اعتزل العمل التنظيميّ، وأنصاره افترقوا إلى جمعيات ومؤسسات لكلّ منها مَن يقودها، وإذا تبقّى بعض الأمور الإدارية والدعوية، فمآلها إلى أخيه”.

مزاحم: الشّهال إشكاليّ ظلمته السياسة والإعلام

وفي زاوية نظر أخرى إلى شخصيّة الشيخ الشّهال واعتداله، يرى الدكتور هيثم مزاحم (اختصاصي في الفلسفة الإسلامية والحركات الإسلامية) أن: “الشيخ الشّهال لم يعكس صورته الواقعية في الإعلام ووسائل التواصل بقدر ما أُسقطت عليه صورةٌ لم يُحسن صياغتها ولا التعامل معها. صحيحٌ أن الشّهال كان سلفيّاً لكنّ سلفيته – باعتقادي – سلفيّة علميّة بسيطة، تتصل بما يُنسب إلى الشيخ رشيد رضا المتولّد في بلدة القلمون على الساحل الشمالي من لبنان، والذي كان من مريدي الشيخ المجدّد محمد عبده، وليس ممن نجدهم اليوم نجوم السّجال السياسيّ المحتدم”.

ويضيف مزاحم: “ولعل السياسة وتعرّجاتها لم تلائم شخصيّة الشيخ الشّهال فاتّسمت مسيرته بسمة إشكاليّة، انبنت على حماسه وتطلّعاته الواسعة فيما واقعُه يعاني الكثيرَ معنوياً ومادياً وانكسارات وخيبات…ولربّما الحالات الشعبية، التي لا يعترف بتأثيرها الكثيرون ادّعاءً، قد جرفته بنسبة ما نحو مواقف متطرّفة، لا سيّما أنّ الكثير من الأطراف كانت لتستفيد من شخصية الشّهال، آخذين بعين الاعتبار تاريخ عائلته وتكوينه الشخصي”.

ويلفت مزاحم إلى نكتة (الفكرة الدقيقة المؤثرة في النفس) لطيفة ألا وهي “تسمية ولديه زيد وجعفر، كأنّما في ذلك تأكيد على رفض الظلم كما فعل زيد، وعلى التفاني في سبيل الله كما هي حال جعفر الطيّار بن أبي طالب، وفي الحالين اتصال روحيّ بالبيت النبويّ المطهّر وسمة انفتاح”.

الحسنية: الجمهور عاوز كده

وباعتبار الموضوع ذو أبعاد متعدّدة، منها البعدُ التواصليّ الاجتماعيّ، وقفنا في “أحوال” على رأي المختصّة في الإعلام الرقمي لطيفة الحسنيّة التي وجدت “أنّ اللواء المتقاعد أشرف ريفي مضطر إلى أن يشيح بنظره عن الفكرة المتشدّدة لدى الشّهال والمنحازة إلى الدولة الإسلامية، وأن يحاول قول ما يلائم وما يُريد الجمهور أن يقرأه، باعتبار أن مواقع وسائل التواصل الاجتماعيّ تحوّلت – للأسف – إلى منبر للترند وحبّ اللايكات والريتويت وحبّ التفاعل، وبلغت درجةً، أصبح فيها الإنسان ُلا يُعبّر عمّا يقتنع به حول أيّ قضيّة بل ليكسب رضى الرأي العام”.

وفي تحليلها للأسباب، تتحدّث الحسنيّة عن عددٍ منها: “فثمة عامل القيمة الافتراضيّة للشخص عبر التفاعل معه على صفحته؛ ولدينا الانسجام الكليّ ونسيان الواقع، فيأخذنا هذا العالم الافتراضي إلى درجة أننا ننسى ما نفكّر فيه، وما يقتنع به الناس حبّاً بالظهور والشهرة”.

وشدّدت الحسنيّة على أهميّة عامل الخوف في سلوك المغرّدين “فكتيرٌ منهم يحتاطون في كتابة آرائهم بصراحة خوفاً من الحملات المرتدّة ضدّهم، والتي تكون في العادة حملات ممنهجة، ويتمّ التنسيق لها من جماعات كالجيش الإلكتروني أو بعض الأصدقاء مع طلب التفاعل السلبيّ أو الإيجابي”.

رحل الشيخ الشّهال بما كسب واكتسب، ويستمرّ الريفي في امتهان السياسة بشروطها اللبنانية، والناس في ذلك أممٌ وأهواء وأذواق، وهيهات يلتئم سوء الفهم التاريخيّ للدين وأهله!

طارق قبلان

 

طارق قبلان

مجازٌ في الصحافة واللغة العربيّة. كاتب في السياسة والثقافة، وباحث في اللهجات والجماعات الإسلامية والحوار الديني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى