منوعات

بين أزمة وأخرى الفنّ في لبنان أول المتعثرين

“لا أمل لي بأن أحقّق أحلامي هنا. أعتقد أنّ مُعظم الشّباب قد فقد الأمل بلبنان”. بهذه الكلمات، لخّصت نور العنداري، طالبة الجامعة اللّبنانيّة، اليأس الّذي يغمرها وغيرها من شباب اليوم، من أيّ تغييرٍ سياسيًّا كان أم اجتماعيًّا.

قرّرت العنداري أن تتبع شغفها، وباتت اليوم طالبة ماجستير في الفنون الجميلة في الجامعة اللّبنانيّة. إلّا أنّها مع ما آلت إليه البلاد، أدركت أنّ تحقيق طموحها في لبنان أصبح قريبًا من المستحيل.

وضع كارثيّ لطلّاب الجامعة اللّبنانيّة

تشكو نور من الوضع الاقتصاديّ الصّعب، وتقول لـ”أحوال” إنّ المهمّة أصبحت صعبة على طلّاب الجامعة اللّبنانية، “الوضع كارثيٌّ بالنّسبة للطلّاب. لم يَعُد التّعلّم عن بُعد مشكلةً حقيقيّة أمام المشكلة الماديّة الّتي يعاني منها الطلّاب لتأمين مستلزمات مشاريعهم. كان الوضع سيّئًا من قبل، إلّا أنّه بات مستحيلًا. تضاعفت أسعار المواد الّتي نستخدمها، حيث كان يُكلّفنا المشروع قبل الأزمة حوالي الـ40 ألف ليرة لبنانية، أمّا الآن فأصبح سعره يفوق الـ100 ألف على أقلّ تقدير”.

هل مَنْ يساعد الطّلاب؟

في وقتٍ تنتظر فيه الجامعة اللّبنانيّة أيّ إعانةٍ تساعدها في المُضيّ قدُمًا، يَصعب عليها الوقوف إلى جانب تلاميذها، تؤكّد العندراي وصول بعض المنح لبعض التّلاميذ من جهات من خارج الجامعة، “أمّا على صعيد المواد فالجامعة لا تساعدنا، بخاصّةٍ مع دراستنا عن بُعد، حيث على كلّ تلميذٍ تأمين مواده. وجدنا تجاوبًا من الجامعة في مساعدتنا على تقليل كلفة المشاريع، إلّا أنّ هذا التّجاوب يتفاوت بين تخصّصٍ وآخر. فطلّاب التخصّصات الأخرى كالديكور الدّاخلي والفنّ المعماري يواجهون عوائق مادّيّة بسبب اضطرارهم مثلًا على طباعة مشاريعهم، الأمر الّذي بات مُكلفًا بالفعل”.

وختمت نور قائلةً، “لن نحقّق أحلامنا ولن ننجح في لبنان. أعلى طموحاتنا هنا هو أن نُدرّس الرّسم. حتّى أنّ قسمًا كبيرًا من المدارس ألغت الرّسم من منهاجها لأنًها لا تعتبر أنّ الفنّ مادّة أساسيّة”.

معاناة الفنّ من جيل إلى آخر

مع اختلاف الأجيال، يبدو أنّ مصير الفنّ هو المعاناة. فأُجبر والد نور العنداري، الفنان التّشكيليّ والنّحّات وصاحب “معرض عنداري للفنون”  وليد العنداري، على إغلاق معرضه الّذي كان يعرض قطعًا فنّيّةَ من رسوماتٍ ومنحوتاتٍ.

صعّبت الأزمة الاقتصاديّة تأمين المستلزمات الأساسيّة، بالإضافة إلى قلّة البيع بعد انشغال النّاس بتأمين لقمتهم اليوميّة حيث أصبح الفنّ والقطع الفنّيّة تفصيلًا غير أساسيّ.

تأثّر القطاع الفنّي بالأزمات المتلاحقة التي تضرب لبنان، فيقول وليد العنداري لـ”أحوال” إنّ ارتفاع الدولار أثّر بشكلٍ كبير إلّا أنّه ليس بالسّبب الوحيد. “أقفلنا المعرض لأسباب عدّة مثل ارتفاع سعر صرف الدّولار، حيث أصبح شراء الأكل والشّرب أولويّة عند النّاس. تأثّرنا بسبب ارتفاع سعر المواد وسعر اللّوحات لكّنه ليس العائق الأبرز، فكان لجائحة كورونا تأثيرها على حركة السّيّاح وحتّى المغتربين، الذين كانوا أهمّ المتابعين للفنّ في لبنان. عندما تبيع العمل الفنّيّ أنت لا تبيعه لقيمة مواده الّتي قد تكون زهيدة، بل لقيمته الفنّيّة”.

غياب تامٌ للدّولة

 الفنان التشكيلي وليد العنداري
الفنان التشكيلي وليد العنداري

يتّهم العنداري الوزارات المعنيّة بالتّقصير في حقّ الفنّان، “على وزارة الثّقافة ووزارة السّياحة الإهتمام بعمل نشاطات فنّيّة، ولكن حتّى الحكومة هي لتصريف الأعمال في هذه المرحلة، والأزمة الاقتصاديّة والمعيشيّة انعكست سلبًا علينا. لم نعُد موضع اهتمام للوزارات المعنيّة، فهناك غياب تامّ لهم. لا حماية للفنّان في لبنان، لدينا نقابة فنّانين ولكنّها شكليّة ولا تُقدّم شيئًا للفنّان، على عكس الدّول الأوروبيّة مثلًا فهي تقدّم معاشًا شهريًّا للفنّان. أمّا في لبنان، فإن لم يجد مردودًا من الفنّ فهو مضطر لإيجاد عملٍ آخر يقتات منه”.

أين لبنان من تقدير الفنّانين؟

معرض العنداري للفنون

يرى العنداري تفاوتًا كبيرًا بين طريقة تعامل لبنان وغيره من الدّول المتقدّمة مع الفنّ، “بغضّ النّظر عن الأزمة الاقتصاديّة، لا تقدير للعمل الفنّيّ من الدّولة. مثلًا في السّويد، عندما تريد تشييد بناءٍ ما، يُلزمك التّنظيم المدني بوضع منحوتة في الحديقة، وهذا يساعدك كفنّان. بلديّات الدّول الراقيّة تُخصّص ميزانيّة خاصّة للنّشاطات الفنيّة، الأمر الّذي لا نجده في لبنان إلّا لبعض المهرجانات الغنائيّة حصرًا”.

ويضيف، “أصبح عملنا يرتكز على مدى ثقافة الأشخاص واهتمامهم بالفنّ على الصّعيد الفردي. حتّى التّأثيث الثّقافي للمدن مفقود، ففي جولة في أي مدينة أوروبيّة تستطيع أن تطلع بخلاصةٍ عن تاريخ البلد وحضارته من خلال الأعمال الفنيّة الموجودة وهذا ما نفتقده في بلادنا”.

أملٌ مفقود

كابنته، فقد وليد العنداري الأمل بأيّ تغيير في المدى المنظور، “تبدو الصّورة قاتمة وسوداويّة من الآن إلى السّنوات العشر القادمة. عندما تنهار الدّولة، يكون الفنّ أوّل من ينهار وآخر المتعافين. كفنّانين، نحن نسعى للهجرة إلى مكانٍ نشعر فيه بقيمتنا، وقيمة فنّنا”.

اختلفت الأجيال، والمصير واحد. من قال إنّ مصير شباب لبنان التّفكير فقط بتأمين لقمة عيشهم ونسيان طموحهم؟ ومن جعل مصير فنّانٍ، كرّس حياته ليكون إضافة فنّيّة، أن يُفكّر فقط بالهجرة؟

هو تقاعسٌ من الدّولة أو قلّة اكتراثٍ من النّاس، الأسباب عدّة إلّا أنّ النتيجة واحدة، إمّا ينهض الفنّ وينهض معه مُجتمعٌ بأسره أو يبقى الاثنان قيد الأزمات.

شادي ملاك

شادي ملاك

صحافي ومحرر في مواقع الكترونية. حائز على إجازة في فنون التواصل والصحافة من الجامعة الامريكية للعلوم والتكنولوجيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى