رياضة

حارس “الأنصار” جهاد محجوب لـ”أحوال”: هذا ما حرمني من اللعب في “المونديال”

بدأ شغف حراسة المرمى يسري في عروق جهاد محجوب، حين تدرّب مع “أشبال الأنصار” عام 1970، حيث كان في الـ11 من عمره. ويومها التقط له مصوّر جريدة “صوت العروبة” صورة، بينما كان هو “يسبح” في الهواء، فنُشرت الصورة في الصفحة الرياضية في الجريدة وتركت أثرًا لدى محجوب، الذي أصرّ على المضي في طريق النجاح والتألّق بين الخشبات الثلاث.

لكن الظروف يومها قادته إلى نادي “الصفاء”، إذ لفت أنظار الشيخ أسد علامة الذي شاهده على ملعب الفريق في محلة وطى المصيطبة، حين كان يحرس مرمى فريق “النجمة” في مباراة ضد “الصفاء”، فما كان من علامة إلا أن قصد مدرسة الفاروق، حيث يدرس محجوب، وطلب من الإدارة إعطائه نسخة عن تذكرته حتى يتمكّن من التوقيع على كشوف “الصفاء” في الاتحاد اللبناني لكرة القدم. وهذا ما حدث بالفعل بعد أن تعلّم محجوب كيفية التوقيع على الأوراق الرسمية؛ فكان عقله وجسده مع “الصفاء”، ولكن قلبه مع “الأنصار”، الذي كان يتابع تمارينه في الملعب البلدي من على شرفة منزله، وكان يحلم بالعودة إلى الفريق الذي يُشرف عليه مَثَله الأعلى “عدنان الشرقي”.

الشبل محجوب سابحًا في الهواء 1970

عام 1977، طلب الشيخ أسد علامة من محجوب أن يشارك مع الفريق الأول للصفاء، ضمن بطولة الدوري المصغّر على الملعب البلدي، ولكن شاءت الصدف أن تكون أول مباراة له ضد “الأنصار”، فأبلى الحارس اليافع البلاء الحسن، لتحمله جماهير “الصفاء” على الأكتاف وتُثني على أدائه رغم الخسارة بهدفين نظيفين.

وفي حديث لـ”أحوال”، قال محجوب إنه في العام التالي تلقّى عرضًا من إدارة نادي “الإسماعيلي” المصري، حيث لم يتوانَ الشيخ علامة بمنح جهاد كتاب الاستغناء، وبالفعل طار الحارس اللبناني إلى مصر وخاض 12 مباراة، أبرزها أمام المصري في اعتزال النجم “علي أبو جريشة”، وفاز فريقه يومها 2-1، حيث كان محجوب من الحراس البارزين في الدوري، حتى أن المدرّب الإنكليزي “طومسون” وعده بتسهيل إنتقاله إلى أحد النوادي الإنكليزية فيما بعد.

ويذكر محجوب كيف كانت المدرّجات تمتلئ بقرابة أربعة آلاف مشجع أثناء التمارين فقط. وفي أحد الأيام، طلب من “طومسون” أن يشركه في المباراة “الحلم” أمام الأهلي القاهري، فسافر محجوب إلى بيروت من أجل شراء حذاء رياضي يليق بهذه المناسبة، لكنه فوجئ لحظة وصوله بنبأ دخول والده إلى المستشفى وما لبث أن فارق الحياة، فكان عليه اتخاذ القرار الأصعب في حياته، إما العودة إلى “الإسماعيلية” أو البقاء في بيروت إلى جانب أشقائه الثمانية، فكان القرار أن يبقى مع أسرته على الرغم من الاتصالات المتكرّرة التي تلقاها من رئيس النادي “صلاح حسب الله” لحثه على العودة. وهنا ضاع حلم الإحتراف في إنكلترا.

ضمن الجهاز الفني للزعيم

عاد محجوب إلى حراسة عرين “الصفاء” وشارك في دورة بحمدون، ويومها تألّق بشكل لافت خصوصًا في مباراة “النجمة” التي امتدّت إلى شَوطين إضافيَين، وانتهت بالتعادل السلبي. ويومها، كتبت الصحف “النجمة يلعب ضد الحظ وجهاد محجوب”، إلى أن حسم “النبيذي” اللقاء بضربات الترجيح.

عام 1980، تحقّق حلم جهاد بالإنتقال إلى نادي “الأنصار”، بعدما كانت لأمين سر النادي آنذاك “رهيف علامة” اليد الطولى في إحضار كتاب الاستغناء من مصر، وبتسهيل من الشيخ غازي علامة وإدارة “اصفاء”.

وفي هذا السياق، يقول محجوب لـ”أحوال”: “كنت أحلم بفوز “الأنصار” على “النجمة”، وهذا ما لم يحدث من قبل، وقد شاءت الصدف أن يتحقّق الفوز بهدفين نظيفين لأول مرة عام 1982، وأنا موجود بين الخشبات الثلاث على ملعب الصفاء في مباراة لا تُنسى، ولا يمكن أن تغادر ذاكرتي”.

مونديال إسبانيا 1982

ويتابع محجوب: “في صيف عام 1982، إتصل بي المدرّب اللبناني المقيم في الكويت، عدنان حمود، وقال إن الجهاز الإداري للمنتخب الكويتي يرغب بضمّي إلى صفوفه أثناء مشاركته الأولى في كأس العالم المقررة في إسبانيا، ولهذا الغرض سيقوم وفد بزيارة بيروت لإتمام العملية بطرقها القانونية للاستعانة بخدماتي. ولكن فجأة حدث ما لم يكن بالحسبان، إذ دخل جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى لبنان والعاصمة بيروت، فتبخّر حلمي باللعب في كأس العالم بعدما ألغى الوفد الكويتي حكمًا زيارته المقررة، وانقطعت كل وسائل الاتصال”.

“ورغم الحرب الأهلية التي حدّت من طموحاتي وبدّدت أحلامي”، يضيف محجوب، “لم استسلم للقدر وتابعت مسيرتي مع “الأنصار”، فكنت من أفضل الحراس في دورات 16 آذار والأضحى، وكانت شباكي قلّما تتلقى الأهداف، وكان فريق “الأنصار” يُتوّج بطلًا في معظم الأحيان، كما كان لي الشرف باللعب إلى جانب الحارس العملاق، الراحل عبد الرحمن شبارو، لأصبح بعدها انا الحارس الأول بينما جلس هو على “دكّة البدلاء”، وهذا وسام شرف لا يمكن أن أنساه، أي بأن يصبح شبارو احتياطيًا لمحجوب”.

متوسطًا الصف الثاني مع الأنصار بطل الدوري والكأس عام 1988

أبرز ما كان يميّز محجوب عن سائر الحراس في زمانه، كانت نسبة تصدّيه العالية لضربات الجزاء، والتقاط الكرات العرضية بتغطيته منطقة الـ18 بالكامل، بالإضافة الى التصدي لإنفراد المهاجمين وتوجيه زملائه من منطقة الجزاء طوال التسعين دقيقة، ما يسهم في إبراز شخصية حارس المرمى الذي يقود الفريق. إضافة إلى كل ما ذُكر، لم يكن محجوب يخشى المهاجمين، ولكنه كان “يحسب حساب” للفذ “جمال الخطيب” الذي لم يستطع أن يسجّل في مرماه عندما كان حارسًا للأنصار، بل سجّل هدفًا يتيمًا في مباراة “ودّية”، بين الصفاء وتفاهم الأندية اللبنانية، وانتهت بالتعادل 1-1.

ومن المباريات التي يعتز بها محجوب، هي “اللقاء التاريخي” الذي جمع “الأنصار” عام 1981 مع “باستيا” حامل كأس فرنسا في كورسيكا، حيث دخل يومها في الشوط الثاني بديلًا لـ”عبد الرحمن شبارو” فتألق في الذود عن الشباك التي بقيت نظيفة، ليفوز الفريق اللبناني بهدفين لهدف. إلى ذلك، يذكر محجوب تمامًا كيف تمكّن من صد ضربة جزاء لمهاجم فريق القوة الجوية العراقي الكبير “سمير سعيد”، كما لا يمكن أن تفارق ذاكرته المباراة أمام “مستقبل المرسى” التونسي في تونس عام 1983، والتي انتهت لمصلحة “الأنصار” 3-2 قبل أن يخسر أمام “الترجي العريق” 1-2، فأشادت الصحف التونسية بالأداء البطولي للفريق القادم من قلب الحرب الأهلية.

من أهم الأحداث التي يذكرها محجوب حتى الآن، كانت عام 1997، حيث أُقيمت مباراة تكريمية له، جمعت عددًا كبيرًا من نجوم الملاعب اللبنانية، المحليين والأجانب، فطوى محجوب صفحة الحارس بين الخشبات الثلاث وودّع الجماهير التي عشقها، ليبدأ من بعدها رحلة بحث في عالم تطوير نفسه في مجال العمل الفني.

يصد كرة في بغداد عام 89 أمام الطيران العراقي
يصد كرة في بغداد عام 89 أمام الطيران العراقي

رحلة التدريب

على صعيد المسيرة التدريبية، واظب محجوب على كافة الدورات التي ترقى بالمدرب إلى أعلى المستويات، علمًا أنه مدرّس تربية رياضية في المدارس الرسمية ويحمل شهادة من دار المعلمين. كما تابع الدورات التي يجريها الاتحاد الآسيوي في كافة مراحلها، وأصبح اليوم مشرفًا على المدربين ومحاضرًا في الاتحاد الآسيوي عن مركز حراسة المرمى، كما أنه يحرص دومًا على ملاحقة كل جديد في المجال الأكاديمي التدريبي.

وفي عام 1991، استُدعي محجوب ليكون ضمن الجهاز الفني للمنتخب الأولمبي الذي سافر إلى الهند للمشاركة في التصفيات الآسيوية، وبعدها تقلّد عدة مناصب في الجهاز الفني للأنصار، إذ عمل مدربًا للحراس وللياقة البدنية، ومساعدًا للمدير الفني. وها هو اليوم يلبّي نداء الرئيس “نبيل بدر” ليكون مديرًا للنادي، خلفًا لـ”بلال فراج”. ويقول محجوب في هذا الخصوص، إنه “جندي” يضع كل خبراته وإمكاناته في تصرّف “النادي الأخضر” الذي يطمح هذا الموسم بأن يُتوّج بطلًا للبنان بعد سنوات عجاف؛ ويرى محجوب أن زمن “الأنصار” اليوم اختلف عن الماضي، وكل اللاعبين باتوا شبه محترفين ولديهم عقود رسمية تضمن لهم حقوقهم، وهم بالمقابل مطالبين بالدفاع عن “كنزة” النادي وانتزاع لقب البطولة، مهما كلف الأمر.

سامر الحلبي

سامر الحلبي

صحافي لبناني يختص بالشأن الرياضي. عمل في العديد من الصحف والقنوات اللبنانية والعربية وفي موقع "الجزيرة الرياضية" في قطر، ومسؤولاً للقسم الرياضي في جريدتي "الصوت" و"الصباح" الكويتيتين، ومراسلاً لمجلة "دون بالون" الإسبانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى