مجتمع

الشباب اللبناني إلى الهجرة دُرّ هروباً من الأزمة

في ظل الأوضاع الإقتصادية والمعيشية المتدنية، بات حلم معظم اللبنانيين الهجرة إلى دولة تحميهم من قساوة العيش، في بلد وضع فوق رؤوسهم صفارات إنذار، بعد أن عانوا من أسوأ أزمة إقتصادية في تاريخ لبنان، علّهم يرسون على بر أمان  في أي بلد يحفظ كرامتهم الإنسانية وحقوقهم الأساسية.

ها هو لبنان يصبح اليوم بلداً عربياً ميّالاً للهجرة جبراً أو طواعية؛ حيث ينتشر قسم من شبابه على مساحة الكرة الأرضية، بعيداً عن الـ 10452كمـ2، تاركين خلفهم الكثير من الآمال الزائلة؛ فيما ينتظر القسم الآخر فرصة تنقذهم من واقع مرير ينهش طموحاتهم.

الضائقة الاقتصادية سبب رئيس للهجرة في لبنان، وهي ترتبط مباشرة بالسعي وراء فرص العمل، خصوصاً بعد ثورة 17تشرين التي تزامنت مع شحّ الدولار، وفقدان العملة المحلية أكثر من نصف قيمتها، وارتفاع معدل التضخم، وغلاء الأسعار، وإقفال الكثير من المؤسسات والشركات ما جعل أكثر من 44% من اللبنانيين تحت خط الفقر.

رُب ضارة نافعة

قرارات الشباب اللبناني بمغادرة البلاد حرّكت عمل المحامين الذين يعملون في ملفات الهجرة خلال الأيام القليلة الماضية.

يروي مصطفى، موظف بنك (26عاماً)، بحسرة كيف كان يتطلع إلى تأسيس مستقبله في لبنان، قبل الأزمات المتتالية التي كسرت ظهر وطنه في فترة قياسية؛ ويقول لـ “أحوال” الحل شبه مستحيل والبلد في حالة إفلاس، لا إمكانية للإستثمار أو العمل، ورواتبنا لا قيمة لها، فيما أموالنا محجوز عليها في المصارف.

ويتابع: أخطط للذهاب إلى كندا، وكّلت محامياً لتجهيز متطلبات الهجرة.

تكاليف الهجرة إلى كندا

وعن الرسوم المتوجب دفعها، يقول مصطفى: التكاليف تتراوح ما بين 5 آلاف و 20 ألف دولار مقسمة ما بين تخليص المعاملات وحجز التذكرة والمبلغ المطلوب توافره في البنك .

ويأسف على بلد مزّقته النزاعات السياسة وحب التمسك بالسطلة.

ويعتبر أنّ ما أوصل لبنان إلى هذه المرحلة، هي الطبقة السياسية المهترئة التي وصلت بفضل أصوات اللبنانيين في الإنتخابات، “كوننا نعيش في بلد تسوده التبعية للزعيم.”

الإمارات جسر عبور لهجرة اللبناني

أمّا رشاد، فمهندس اتصالات (33 عاماً)، فقد أمله بلبنان، ويقول: سأنتقل إلى الإمارات مجدداً بعدما عدت منها منذ 5 سنوات، حين قرّرت تأسيس شركة في لبنان، لكن لسوء الحظ الأزمات التي مرّ فيها البلاد منعت مخططاتي من أن تبصر النور.

ويتابع،  تقدمت بطلبات هجرة إلى أستراليا وكندا والولايات المتحدة وأنتظر القبول، حيث تواجدي في الإمارات قد يكون جسر عبور لهجرتي.

ويضيف، لبنان بلد مريض يعاني من تدهور إقتصادي، إقفال مؤسسات وشركات، تسريح أعداد كبيرة من الموظفين، حجز أموال المودعين من قبل المصارف، تدهور سعر صرف العملة الوطنية مقابل الدولار، غلاء فاحش، فأين الاستقرار؟

ناهيك عن ذلك، يعتمد لبنان على المحسوبيات والوساطة؛ فالأشخاص العاديون لا مكان لهم في هذا البلد. سأترك “لبناني” لهم ومن يدري ربما يأتي يوم وأستعيده منهم.

الأزمة الإقتصادية تدقّ ناقوس الهجرة

إذا كان الإحصاء السكاني في لبنان مفقوداً منذ العام 1932، فإنّ الأرقام الدقيقة حول هجرة شبابه نادرة لتحديد نزفه الإجتماعي، إلا أنّ القليل المتوافر منها حديثاً يدعو إلى القلق.

ثمة دراسات وتقارير غير رسمية تشير إلى هجرة نحو 33 الف لبناني عام 2018، ونحو 66 ألفاً عام 2019، فيما لم تُنشر بعد أرقام العام 2020 الذي شهد توقف حركة الطيران لأشهر من السنة، نتيجة إغلاق المطارات بسبب تفشي “كورونا”. علماً أنّ أرقام الهجرة تضاعفت مرتين بعد انفجار مرفأ بيروت، وانسداد الأفق أمام الشباب الباحثين عن فرص جديدة ترسم ملامح مستقبل جيد وآمن لهم.

ويشير الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين لـ«أحول» الى  أنّ ظاهرة الهجرة مرتبطة بتاريخ لبنان، حيث بدأت أول موجة هجرة من لبنان عام 1854، وعلى مر السنين شهد لبنان موجات هجرة كبيرة خصوصاً في فترات الحروب.

تسارع وتيرة الإنهيار المالي

ويتحدث  شمس الدين عن زيادة رغبة اللبنانيين في الآونة الأخيرة بالهجرة إلى خارج لبنان بسبب تسارع وتيرة الإنهيار المالي، وفي ظل غياب الاستقرار الأمني والتخبط السياسي.

ويضيف، يُقدّر عدد اللبنانيين الذي يحملون الهوية اللبنانية ويعملون خارج لبنان بمليون و300 ألف لبناني، أي ما يُعادل نسبة ربع اللبنانيين الذين يحملون الهوية اللبنانية يعملون ويقيمون في الخارج؛ هؤلاء ينقسمون  إلى قسمين، جزء منهم موجودون في أوروبا وأستراليا وهم مهاجرون لن يعودوا إلى لبنان إلا زيارات، وآخرون يعملون في الخليج وأفريقيا لمدة 20 عاماً تقريباً ويعودون في النهاية إلى لبنان لأنهم لا يتجنسون بجنسية البلاد التي يعملون فيها بعكس المهاجرين إلى أوروبا أو القارة الأميركية.

ويؤكد شمس الدين أنّ نحو 600 ألف لبناني من أصل المليون و300 ألف مهاجر تركوا لبنان خلال الحرب الأهلية، والعدد نفسه هاجر من لبنان منذ عام 1990 حتى الآن.

وفي السنوات الأربع الماضية ومع تراجع الوضع الاقتصادي هاجر 11 ألف لبناني عام 2016، و19 ألفاً في عام 2017، وفي عام 2018 وصل عدد الذين تركوا لبنان إلى 33 ألف لبناني، في حين تضاعف عدد المهاجرين إلى 66 ألفاً عام 2019، منهم 19 ألفاً تركوا لبنان في الثلاثة أشهر الأخيرة من العام الماضي مقارنة بـ14 ألف لبناني تركوا لبنان عام 2018 في الفترة نفسها.

التّدهور الإقتصادي إلى أين؟

وبحسب خبراء إقتصاديين، سيشهد لبنان مزيداً من الأوجاع الإقتصادية الطاحنة في حال لم يتم تشكيل الحكومة في القريب العاجل، ما يزيد إصرار شبابه على الهجرة، وبالتالي يصبح لبنان فارغاً من طاقاته المنتجة التي تساهم في تفعيل النشاط الاقتصادي على النحو اللازم لإنقاذ البلد من الأزمة التي يعيشها اليوم، ما يشكّل خطراً على مستقبل إقتصاد البلاد.

من جهتها، تؤكد المحلّلة الإقتصادية فيوليت غزال البلعة،  أنّ  لبنان يشهد موجة مخيفة لهجرة الشباب؛ وتكمن خطورة الهجرة الحالية في كونها غير “مؤقتة”، وهي الهجرة التي اعتدنا عليها مع اتجاه الشباب اللبناني إلى دول الخليج للعمل، حيث يبقون على تواصل مع بلدهم الأم، سواء عبر الزيارات المتكررة خلال السنة، أو عبر شراء أملاك وعقارات ومنازل وإيداع مدخراتهم في المصارف، فضلاً عن إرسال الأموال دورياً إلى أهلهم وعائلاتهم في لبنان، وهذا ما يبقيهم على تواصل مستمر نظراً لقرب المسافة الجغرافية الفاصلة ما بينهم وبين دول المقصد، إضافة إلى أنّهم يدركون أنّ دول الخليج لن تكون هي البديل لهم عن بلدهم الأم بسبب الإختلاف في الثقافة والمناخ والتقاليد.

كلفة تصدير الأدمغة

الهجرة اليوم مختلفة، وهي أكثر خطورة لأنّها تستهدف دولاً بعيدة جغرافياً عن لبنان مثل أوروبا وكندا وأميركا وأستراليا، حيث ثمة خطر في فقدان تلك الطاقات الشبابية نظرًا لسهولة اندماجهم في المجتمعات الغربية، إضافة إلى نقص حجم الأموال التي اعتادوا تحويلها إلى عائلاتهم في لبنان وغذّت طويلاً ميزان المدفوعات بنحو 8 مليارات دولار سنوياً. وهذا يعود إلى أزمة كورونا التي تعصف بإقتصاد دول العالم برمته،  بالإضافة إلى التباطؤ الذي يشهده الاقتصاد العالمي وتراجع فرص العمل خصوصا أمام الوافدين.

إلى ذلك، فإنّ عودة هؤلاء الشباب إلى لبنان ستكون صعبة، بعد الإقامة في دول متقدمة توفّر كل الخدمات الحيوية لمجتمعها، وتحترم حقوق الإنسان ومتطلباته الإجتماعية. لذا، فإنّ هجرة الأدمغة التي يشهدها لبنان لها تأثير سلبي على مستقبل البلاد في الأمد الطويل، كونها تحوّل المجتمع اللبناني إلى مجتمع كهول وأطفال، فيما الإقتصاد بحاجة إلى الشباب الذين يشكّلون العنصر الأساس في تدوير عجلة الاقتصاد، بحسب البلعة.

وللحدّ من سيل هجرة الشباب اللبناني، تقول: “لا بد من العمل على توفير ثلاثة عناصر مهمة قادرة على إبقاء هؤلاء في البلاد، وهي الإستقرار السياسي والإستقرار الأمني والإستقرار الإقتصادي، هذه عناصر ضرورية لهذه الفئة العمرية كونها تتيح لهم التخطيط للمستقبل على نحو واضح؛ بينما إذا انعدمت تلك العناصر فإنّ الثقة ستفُقد والقلق سيتعزز في نفوسهم، وسيدفعهم  ذلك تلقائياً إلى واقع البطالة مع تباطؤ عجلة الإقتصاد، أو العمل في اختصاصات لا تتلاءم وتعليمهم الجامعي والأكاديمي، وهذا غير منصف لهم بالقيمة المعنوية كما المادية.

ويبدأ العمل على هذا المسار من خلال تشكيل حكومة اختصاصيين مكلّفة بمهمة إنقاذية محددة الأجل، سواء أكانت عبر المبادرة الفرنسية أو من خارجها، لتعمل سريعاً على إعادة الثقة الداخلية والخارجية، والإنفتاح على المجتمع الدولي والحصول على مبادرات مالية قادرة على فرملة الانهيار الذي يشهده الإقتصاد. المطلوب كثير، ولكنّنا ما زلنا نرى أنّ الطبقة السياسية والأحزاب ما زالوا يتخاصمون على تقاسم ما بقي من مغانم البلاد وثرواتها.

ناديا الحلاق

 

ناديا الحلاق

صحافية في صحف لبنانية عدة في أقسام السياسة الدولية والاقتصاد. كاتبة في مجلات عربية عدة ومواقع الكترونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى