منوعات

حزب الله يُهدّد والتيار يدّعي وأميركا تُعاقب “الفاسدين”

جاءت عقوبات الولايات المتحدة الأميركية الأخيرة ضد النائب جبران باسيل لتُشعل السّجال بين الأطراف اللبنانية ذات العصبيّة المذهبيّة والحزبيّة بشأن الفساد؛ إذ حلّ لبنان عام 2019 في المرتبة 137 عالمياً من أصل 180 دولة، فيما تربّع إقليمياً في المرتبة 13 من أصل 18 دولة عربية، وفق “الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية – لا فساد”.

البعض من اللبنانيين ظنّ العقوبات جاءت في خدمة الدولة والقضاء في لبنان، وتجازي رمزاً من رموز الفساد، إلا أن ظنّه خائب لأن الدولة الكُبرى لم تحارب باسيل لفساد متلبّس به، بل لتحالفه مع حزب الله، في ظلّ ثابتة سياسيّة أن أميركا لا تخوض معارك نيابة عن أحد.

في المقابل، يظن بعضٌ آخر أن مكافحة الفساد تجد فاعليتها في حراكات وثورات لبنانية وطنية، في سبيل تحقيق دولة عادلة؛ على الرغم من أن المعاناة التاريخية مع الفساد لدينا، وفق ما أرّخ له الأمير شكيب أرسلان في كتابه “مظفر باشا في لبنان” ستؤدّي – على الأرجح – إلى الإحباط بل اليأس.

التيار الوطني وحزب الله ومحلّلون في وجه الفساد

اليوم، ثمّة دعوتان سياسيّتان لمحاربة الفساد، أطلقهما حزبان كبيران في لبنان هما: التيار الوطني الحر وحزب الله. وثمّة أحزاب أنشؤوا مراصد للفساد، ونواباً يطلقون حملات في مناسبات، وثمّة نجوم ميديائيون وتواصل اجتماعي ومحلّلون أصدقاء لنصف سياسيي البلاد، يرمون بين حين وآخر مستندات، ويُثيرون نقاشات لتنتهي الملفات بين يدي المدعي العام المالي علي إبراهيم على فنجان قهوة… وثمة برامج مختلفة الأهواء، ترفع محاربة الفساد، وتُساجل.

فهل تُصبح مكافحة الفساد عمل الذين لا عمل لهم؟

ومن منّا لا يذكر حملات نجاح واكيم النائب السابق وزميله زاهر الخطيب، وما “ثورة 17 تشرين” منّا ببعيدة!

نظرة في أسباب الفساد

في تحليل أسباب الفساد، رَبَط التيار الفساد بالسيطرة الأجنبية على البلاد عبر المتعاونين المحليين، وربط حزب الله الفساد ببنية النظام اللبناني المذهبيّ، ثم خاضا كلّ من موقعه معركته ضد الفساد، إلا أن البلاد ما تزال تحت وطأة الفساد وأهله، وكثيرٌ ما هم.

فهل تصل الحملتان إلى ما وصل إليه نجاح واكيم وزاهر الخطيب…أم ترانا ننعم بأيام هانئة؟

وديع عقل: مكافحة الفساد بالقانون

يعرض المحامي عقل، عضو المجلس السياسي في التيار الوطنيّ الحرّ، تجربة له في مكافحة الفساد، ويتحدّث عن مساهمة حزبه كذلك، في خلال حديثه إلى “أحوال”. فيشير إلى استفادته وفريقه من تجارب دوليّة في المضمار كـ”التجربة البولونيّة والتجربة الإيطالية وتجربة سنغافورة”، ويقول بصفته الشخصيّة ثم باعتباره واحداً من قياديّي التيار: “أنا بدأت بملفات مكافحة الفساد، ولم يكن لديّ أيّ مسؤولية في التيار الوطني الحر. فالمسار بدأ قبل أن يكون لديّ مسؤولية حزبيّة”.

وإذ يبدو الحقوقي ذو النشأة الكتلويّة (الكتلة الوطنية) منحازاً إلى صبغ تجربته بالشخصيّة، يدعو القوى جميعها للتعاون في وجه الفساد على قاعدة جبهويّة، لأنّه ثمّة منظومة فساد متكاملة في لبنان، تتطلّب تستدعي تصدّياً لها، “هي مافيا الفساد، وهي تنظم عمل المؤسسات في الدولة اللبنانية، وهذا أمر علميّ نسمّيه دولة المافيا Mafia state. وعليه، ثمّة فساد سياسي، وفساد ديني… وثمة مجموعة من المصفّقين والمطبّلين ومستفيدون يؤمنون الحماية الشعبية والانتخابية للمافيات”.

ويستبشر عقل بخروقات كبيرة أنجزها في ملفات الفساد (كازينو لبنان، مصلحة تسجيل السيارات، قطاع المحروقات…)، ويضرب مثالاً “في ميدان النفط، حيث تُعشعش أكبر مافيا في لبنان، لأنها تملك تنظيم حركة ثلث الاستيراد السنويّ بأرقام تقرب من عشرات مليارات الدولارات” فيقول: “أوصلناهم إلى القضاء، واستصدرنا قراراً ظنيّاً. أعتقد أنه غير مسبوق في لبنان… وفي  ملف النافعة، تمّ لأول فعّلنا مرّة تفعيل قانون الإثراء غير المشروع، بعد 60 عاماً من إقراره”.

وفي مواجهة الفساد وأنصاره الكثر يتحدّث عقل عن أهميّة نظافة الكفّ، ويؤكّد أنّه وفريقه ” قررنا تحييد أنفسنا عن أيّ علاقة مع الدولة اللبنانية يُمكن أن تُثير الشبهات أو تعرقلنا”، ويؤكّد أن درب النضال طويل.

قاسم قصير: النظام الطائفي يحمي الفاسد

من جهة ثانية، يقدّم الصحافي قاسم قصير (مختص في الجماعات الإسلامية والحوار الديني) قراءته لرؤية حزب الله لمكافحة الفساد في حديث لـ “أحوال“، فيقول: “الحزب قدّم مقاربة لملف الفساد تمثّلت بتشكيله هيئة مركزية لمتابعة موضوع الفساد بإشراف شورى الحزب، وتولّى النائب السيد حسن فضل الله متابعة الملفات ذات الشأن، من خلال إعداد مستندات ووثائق، ليجري تقديمها لاحقاً إلى القضاء، في الوقت الذي تجري مواكبة الملفات بطرح مشاريع قوانين في مجلس النواب”.

ويرى قصير أن “الحزب اعتمد على طرح الملفات أمام المؤسسات القضائية الرسميّة، وقدّم الكثير منها في كثير من المجالات، وعلى مستويات متعدّدة، لكنّه اصطدم في المقابل بمشكلات عديدة مثل: بطء القضاء، أو وجود قوانين تمنع محاكمة رؤساء الحكومات السابقين أو الوزراء؛ ممّا دفعه إلى طرح تعديل القوانين ذات الشأن، لإزالة المعوّقات والموانع القانونية”.

ويخلص قصير في قراءته إلى المأزق، الذي يواجه كل التغييريين، ألا وهو المذهبيّة في قوله: “المشكلة – برأيي – في النظام الطائفي، وما يؤمّنه من حماية طائفيّة للفاسد، ثم الحماية السياسية للفاسدين، ما يمنعنا الوصول إلى نتيجة مقبولة. يُضاف إلى ما تقدّم انعدام استقلالية القضاء، ما يقف حائلاً دون ممارسة القضاة حقهم في المحاسبة”.

الشريف سليمان: البلد فاسد وخلاصنا بالثورة

ما بين تجربة التيار الوطني الحرّ وحزب الله يقدّم الشريف سليمان (محام في الاستئناف وناشط سياسي) تجربته لـ “أحوال“، تأسيساً على مسيرته الحقوقية ونشاطه المطلبيّ والسياسيّ، فيقول:” كل شيء في هذا البلد فاسد. والأصل العام لأي إدارة أو مؤسسة أو سلطة في البلد هو الفساد، والاستثناء صلاحها”.

ويُرجع السبب إلى “التبدّل القيمي ورسوخ القيم السلبية”، …ويستشهد بما يجري في الدوائر العقارية تحديداً؛ حيث الموظف “يتنفّع بالوظيفة مالياً طوال النهار والأيام، بمتوسّط يقدّر يومياً بمليونين ونصف المليون من الليرات اللبنانية، ما يعادل راتب موظف أو أكثر من ذلك”.

لذلك يرى أن الاقتدار في مواجهة الفساد يحتاج أمرين: “الأول تربويّ لبعث القيم الإيجابية بعد الحرب الأهلية، ما يؤدي إلى القضاء على الزبائنية وبعث الروح السليمة في الوظيفة العامة. والأمر الثاني يتمثّل في استقلالية القضاء والأجهزة الرقابية”.

ويشدّد سليمان على الثورة الشاملة وفق برنامج سياسي يؤدّي إلى “اقتلاع النظام الطائفي من أجل تحقيق المساواة والديمقراطية بين المواطنين، وبناء الدولة الحديثة على أساس مرجعيّة القانون دون اكتراث بالتوافقيّة”.

يوسف حمادي: الفساد يخترق المجتمع وقِيمه

وللوقوف على رأي علم الاجتماع بالظاهرة، كان لـ “أحوال” حديث مع الدكتور يوسف حمادي (أستاذ في علم الاجتماع) الذي شدّد على أن “الفساد يخترق بنية المجتمع اللبناني في أكثر من مستوى، ومنها المستوى السياسي، من دون أيّ محاسبة شعبية من خلال الانتخابات”.

ثم “هناك البُعد الطائفيّ الذي يُصوّر تهمة الفساد الموجّهة إلى السياسي أو الاقتصادي الفاسد بأنها تهمة موجّهة إلى طائفته بأكملها، ويُصبح من حق كلّ طائفة أن تأخذ نصيبها من غنيمة الدولة”.

ويرصد حمادي مستوى أخلاقياً في قضية الفساد حيث يرى أنّ” أخطر ما حصل على المستوى التربوي والأخلاقي هو تحوّل الفساد إلى قيمة، بمعنى أنّ الموظّف المرتشي يُصبح (شاطر وحربوق بالتعبير العاميّ) بينما الموظف الأمين (أحمق لا يُحسن تدبير أموره)”.

ويرى حمادي أنّ “المشكلة في مكافحة الفساد ليست في نقص الأجهزة وإنما في عملية التهميش الممنهج الذي جرى على مدار السنوات السابقة من قبل السلطة السياسية لأجهزة الرقابة، إضافة إلى الاختراقات الطائفيّة والسياسيّة لها”.

ما بين دعوات حزب الله لمكافحة الفساد واتهام التيار له بتركه وحيداً، يبقى الفساد تراثاً نعرفه – على أقلّ تقدير – منذ أيام المتصرفيّة، ولربّما يكون قدراً في هذه البلاد!

طارق قبلان

طارق قبلان

مجازٌ في الصحافة واللغة العربيّة. كاتب في السياسة والثقافة، وباحث في اللهجات والجماعات الإسلامية والحوار الديني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى